بينما تمر سبع سنوات على وفاة محمد حسنين هيكل، "الأستاذ" صاحب التفوق الاستثنائي مهنيًا وإنسانيًا، وبكل ما تحمله الكلمات من معان، تستعد الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، لإطلاق قناة "الوثائقية" الأولى من نوعها في تاريخ الإعلام المصري، والتي مهد لانطلاقها بثقة نجاح وحدة الأفلام الوثائقية بقناة DMC في السنوات القليلة الماضية.
تنطلق "الوثائقية" غدًا في التاسعة مساء الأحد بحوار يجريه أحمد الدريني، رئيس قطاع الإنتاج الوثائقي بالشركة المتحدة، مع رشيد المصري، أمير الحدود السورية التركية في تنظيم داعش، والذي وصفه "الدريني" بأنه شاب خطير جدًا، تخرج في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، قبل أن يصير إرهابيًا متجولًا بين البلدان، حتى وصل لرتبة أمير حدود في تنظيم داعش، على الحدود الفاصلة بين سوريا وتركيا.
الربط بين هيكل والوثائقية، يأتي من منطلق أهمية الوثائق، والتي جاءت دائمًا واحدة من أهم نقاط تفرد الأستاذ هيكل مهنيًا، حتى أنه نادرًا ما تجد كتابًا له تخلو نهايته من ملحق وثائق ومستندات، فهو لم يحرص طوال عمره المهني الممتد لأكثر من سبعين عامًا، قدر حرصه على جمع الوثائق والمستندات الهامة، وبذل أقصى ما يستطيعه من تدابير احترازية لحفظها وحمايتها.
"لا أعرف أهو تحيز رجل لما ألف وعرف، أو أنه حكم في الموضوع، بصرف النظر عن متغيرات العصور، لكني على شبه اقتناع بأن الكتاب المطبوع على ورق له العمر الطويل، وأنه الحاضر على الدوام، مهما اشتد من حوله الزحام، بمعنى أن الكلمة المكتوبة على الورق باقية، والكلمة المسموعة على الإذاعة والتليفزيون عابرة، والكلمة المكهربة على الكمبيوتر فوارة، وهي مثل كل فوران متلاشية، أي أن الكلمة المكتوبة على الورق بناء صلب، حجر أو معدن، وهكذا كل بناء، وأما غيرها فهو صيحة متغيرة، خاطفة ولامعة وبارقة، وبالنسبة لكاتب – على الورق وبالحبر – فإن كتابته هي بناء عمره، وهكذا فإن هذه المجموعة في نهاية المطاف.. عمر من الكتب!".
هكذا صدر الأستاذ هيكل مجموعة من كتبه صدرت في حزمة مجلدات عن "دار الشروق" في طبعة خاصة عام 2009 وضمت 27 مجلدًا، الأستاذ هيكل رصيده 56 كتابًا باللغة العربية، أولها "إيران فوق البركان" عام 1951، وآخرها "مصر إلى أين؟.. ما بعد مبارك وزمانه" عام 2012، وهذا بخلاف ثمانية كتب صدرت له في الخارج باللغة الإنجليزية.
أضم صوتي لصوت الأستاذ هيكل بشأن بقاء الكتاب المطبوع على ورق كوثيقة، ولكن قطعًا أختلف معه في تقدير الكلمة على التليفزيون بأنها عابرة، خاصة مع تطور تقنيات البث المرئي تليفزيون أولًا، ومنصات مشاهدة متعددة على شبكة الإنترنت ثانيًا، ولعل الأستاذ هيكل نفسه راجع تقديره لدور الكلمة المرئية، ونذكر هنا حلقاته الوثائقية الهامة سواء على شاشة قناة الجزيرة القطرية أو شاشة CBC المصرية في حواراته الوثائقية الهامة مع الإعلامية لميس الحديدي، وجميعها باقية يسهل الوصول إليها على "اليوتيوب" في لمح البصر.
والحديث عن "الوثائقية" يتماس بالقطع مع التاريخ، وفي تمهيد أحد أهم كتبه "زيارة جديدة للتاريخ" يقول الأستاذ هيكل عن التاريخ:
(الماضي لا يعنيني على الأقل في فصول هذا الكتاب، وإنما الحاضر والمستقبل هما هاجسي وشاغلي قبل وبعد أي اعتبار.
كيف أزور الماضي وآخذ معي إليه الحاضر والمستقبل؟.
وإجابة السؤال هي أن الجسد لا يستطيع ولا يقدر، وإنما الفكر هو الذي يستطيع ويقدر، الفكر ومعه التأمل، ومع الإثنين يقين بأن التجربة الإنسانية لا تنقطع، كما أن حركة التاريخ لا تتقدم من فراغ ولا تترك وراءها ثغرات يطل منها هباء أو خواء.
إن "كارل ماركس" كان على حق حين صاغ مقولته الشهيرة: "إن التاريخ لا يعيد نفسه، وإذا فعل فإنه في المرة الأولى مأساة عظيمة وفي المرة الثانية ملهاة مضحكة".. لكنه من الحق أيضًا أن نفرق بين عودة الماضي – وهي مستحيلة – وبين سريان قوانين التاريخ وهي محققة!.
التاريخ ليس علم الماضي وحده، وإنما هو – عن طريق استقراء قوانينه – علم الحاضر والمستقبل أيضًا، أي أنه علم ما كان وما هو كائن وما سوف يكون).
قناة "الوثائقية" المجانية المفتوحة جاءت في وقتها، خاصة وأنها تضع صناعة الوعي وتعزيز الهوية المصرية على صدارة أجندتها، وتخطط لتقديم جرعة وثائقية متنوعة من خلال أفلام يجري عرضها على منصات مدفوعة، ومنها أفلام وثائقية عالمية مهمة وأيضًا أفلام وثائقية تعرض لأول مرة عبر "الوثائقية" على شاشات التليفزيون في الوطن العربي، وعلى الناحية الأخرى أنتجت "الوثائقية" استعدادًا لانطلاقها غدًا مئات الساعات الوثائقية الجديدة الحصرية المنتظر عرضها تباعًا على شاشتها لأول مرة.
ننتظر بشغف إطلاق قناة "الوثائقية" ونتوقع لها نجاحًا كبيرًا ونسب مشاهدة عالية تواكب مهنية ومجهودات القائمين عليها وفرق العمل بها.