تحت شعار "طه حسين.. مشروعاً للمستقبل"، وبمناسبة مرور 50 عام على وفاة عميد الأدب العربي، نظمت مؤسسة الدكتور جمال شيحه للتعليم والثقافة والتنمية المستدامة، ضمن فعاليات برنامجها الثقافي 2023، لقاءًا ثقافيًا على جلستين.
وجاء اللقاء الأول بعنوان «طه حسين والبحرمتوسطية.. طه حسين مشروعاً للمستقبل»، بحضور الدكتور جمال شيحة رئيس مجلس أمناء مؤسسة جمال شيحه ومقرر لجنة التعليم والبحث العلمي بالحوار الوطني، والدكتور محمد عفيفي أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة القاهرة، والكاتب الصحفي مصطفي طاهر محرر الشؤون الثقافية والفنية ببوابة الأهرام، وحسن غزالي مؤسس مشروع بذور ومنسق عام مشروع طه حسين، ونخبة من القيادات الشبابية والكوادر الطلابية من طلاب كليات الآداب والفنون الجميلة والألسن واللغات والترجمة والتجارة وكلية العلوم السياسية، والاعلام.
وافتتح الدكتور جمال شيحه البرنامج الثقافي "طه حسين مشروعاً للمستقبل"، وقال إن المؤسسة تري في نموذج طه حسين مُفكراً ثورياً، رمزاً للتنوير ومشروعاً للمستقبل، لافتاً إلي إيمان المؤسسة الشديد بضرورة تمجيد وإجلال أساتذتنا وعلمائنا ومفكرينا وقادتنا لانعاش الذاكرة الوطنية ومدي ارتباط مستقبل مصر الحقيقي بإحياء إرث هؤولاء الآباء المؤسسون لضروب الحضارة الانسانية، مؤكداً أنه لابناء، ولا تنمية إلا بإحداث طفرة حقيقية في زوايا ثلاثة هما الثقافة والتعليم والبحث العلمي.
مضيفاً أن أهداف المؤسسة تتلاقي مع فكر طه حسين الذي لم يكن مجرد استاذ جامعي بل كان يصنع الافكار التي تصنع مجتمعا جديداً ، مُشيراً أن المؤسسة رأت أنه من أجل صناعة فارق بالغ التأثير وخلق قيمة مضافة حقيقية لابد وأن نُحيي ذكراه لمدة عام كامل تزامناً مع ذكري وفاته الخمسين، وليس مجرد احتفال صغير في شهر أكتوبر، لتتمكن من إحياء إرثه ونشر وترسيخ وتعزيز افكاره التنويرية من خلال ندوات، وورش عمل وفعاليات ثقافية، وحلقات نقاشية شبه اسبوعية علي مدار العام.
وأردف "شيحة" موضحاً أن مشروع طه حسين تأتي أهميته من الحاجة الماسة لآلية نواجه بها ما تعاني مصر والمنطقة العربية من أزمة على مستوى الفكر، إلي جانب حاجة مجتمعاتنا الشديدة لأفكار صانعة لغدِ أفصل، ولجيل واعي، ولمنهجية ورؤية فكرية وتنويرية، لافتاً أن هذا ماتعمل المؤسسة علي تعزيزه وترسيخه وبناءه في العقول وبين الأوساط الجماهيرية ولاسيما بين طلاب الجامعات تلك النواه التي تُعدها المؤسسة لمجتمع متحضر من خلال إعداد مثقف عضوي حقيقي، ومُعلم مؤهل جيداً باعتبارهما صانعي التغير في الأوطان.
وفي بداية حديثه أعرب الدكتور "محمد عفيفي" عن إعجابه بمجال عمل مؤسسة شيحة وارتباط ثلاثية عملها (الثقافة والتعليم والتنمية المستدامة) بأفكار طه حسين ومشروعه، واهتمامها بالفكر وتعزيزها للحوار الثقافي كما أثني علي اختيار نموذج «العميد» للاحتفال به كرمز ثقافي هام، مشيراً إلي ضرورة تعزيز مفهوم القومية المصرية بمشروع قومي قائم على الثقافة والتعليم باعتبارهما أساساً للقومية المصرية وسلاحين نافذين للقضاء علي الارهاب والجهل.
مُشيراً إلي ضروري أخذ كتاب مستقبل الثقافة في مصر بعين الاعتبار عند تناول قضايا التعليم والتطوير، لافتاً إلي أن طه حسين لم يتحدث في كتابه عن الثقافة بمفهومها الضيق، وإنما المفهوم الأوسع للثقافة، والتي تشمل الثقافة والتعليم، موضحاً كيف أن الكتاب يُعد موسوعة شاملة استطاعت أن تستشرف مستقبل التعليم في مصر وقدمت سُبل اصلاحه .
وتطرق «عفيفي» إلى الأبعاد الاستراتيجية التي تحدث عنها الدكتور جمال حمدان في مؤلفه "شخصية مصر"، وتناوله للبعد المتوسطي، وربط ذلك بطرح طه حسين في كتابه مستقبل الثقافة في مصر مشروع التعليم والثقافة في مصر، وتناوله للدائرة المتوسطية، موضحاً أن طه حسين أكد على حقيقة أن العقل المصري لا يقل عن العقل الأوروبي، لافتاً إلي أن معركة مصر حضارية وعلينا أن نلحق بالغرب لأننا لا نقل عنه في شيئ.
كما تناول «عفيفي» مفهوم القومية المصرية مؤكداً وأنها لا يمكن تعزيزها إلا بمشروع قومي قائم على الثقافة والتعليم باعتبارهما أساساً للقومية المصرية وسلاحين نافذين للقضاء علي الارهاب والجهل، لافتاً إلي الدور الحيوي الذي يمكن أن تلعبه الأنشطة التثقيفية في المدارس من الارتقاء باخلاقيات الطلاب، وتهذيب سلوكهم، وتحسين ذوقهم فنياً وأدبياً الأمر الذي سينعكس بالضرورة علي ردود فعلهم وافعالهم في محيط تأثيرهم، وأضاف قائلاً «أبدا لا تجد طالب يعزف موسيقى ويحمل السلاح» .
كما أعرب الكاتب الصحفي مصطفي طاهر عن تطلعاته إلى بذل المزيد من الجهد في الاستثمار في الإرث الثقافي لأدباءنا ومفكرينا ورموز الفكر والثقافة من الكتاب العرب، لافتاً أنهم هم صانعي التغيير الحقيقي علي مر التاريخ، والذين من بينهم رائد الفكر والتنوير في الوطن العربي طه حسين، الذي ماأن يُذكر اسمه إلا تذكر قضيتي الثقافة والتعليم، وماقدمه من سُبل وأفكار ومشروعات ومقترحات لاصلاحهما.
واختتم حسن غزالي مؤسس مشروع بذور للتعليم الموازي ومنسق عام البرنامج الثقافي "طه حسين مشروعاً للمستقبل" مؤكداً أن حرص مؤسسة شيحة علي انطلاق أولي فعاليات البرنامج من مقر النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر جاء انطلاقاً من الرمزية الثقافية لهذا المكان العريق واشارة لأهمية الحدث، وبداية معنوية تلف إلي الدور الحيوي الذي من المتوقع أن يلعبه مشروع طه حسين في المجال الثقافي والفكري في مصر خلال هذا العام.
وجاءت الندوة الثانية بعنوان (طه حسين .. نظرة منصفة)، بحضور الدكتور سامي نصار عميد كلية الإنسانيات والعلوم الاجتماعية بجامعة بدر، والدكتور جمال شيحة مقرر لجنة التعليم والبحث العلمي بالحوار الوطني، ورئيس مجلس أمناء مؤسسة شيحة، والكاتب الصحفي وائل لطفي رئيس تحرير جريدة الدستور، والكاتب الصحفي مصطفي طاهر محرر الشؤون الثقافية والفنية ببوابة الأهرام، واختتم اللقاء المطرب أحمد إسماعيل بفقرة فنية متميزة.
وأشار الدكتور جمال شيحه إلى أن رسالة ورؤية بل وشعار مؤسسة شيحة تتجسَّد كُلياً في شخصية طه حسين وتري فيه مشروعاً للمستقبل، كونه رمزاً للتحدى والنجاح وإعمال العقل من أجل التغير والتنمية، مؤكداً على ضرورة أن تكون "الجامعات جامعات" أي تكون مراكز للبحث العلمى بحرية مطلقة وبتمويل جيد وليست مجرد مدارس تقوم على التلقين والكم، لافتاً أن هذا هو الأمر الذي لطالما ناضل من أجله العميد، واليوم تجدده المؤسسة من خلال برنامجها الثقافي "طه حسين مشروعاً للمستقبل".
أكد الدكتور جمال شيحه أن الجيل الحالي لديه تحد وجودي وليس تحدى تقدمي، هذا التحدي لا يحدث إلا كل عشرات السنين بسبب حالة الفوضى التى يمر بها العالم حاليا من أحداث متسارعة أثرت بشكل سلبي علي الامم والشعوب وبينها مصر، كما أن عميد الادب العربي الدكتور طه حسين قصة تحد كبيرة لانه لم يستسلم لحالة الفقر التى نشأ فيها فضلا عن فقدانه البصر مبكرا، ولم يكن مجرد فرد وانتهى ولكنه واجه التحدى فتحول لشخصية عالمية ومن أجل ذلك مازلنا نجد فيه الحل للمعادلة الصعبة لمشكلة المستقبل والرمز الذى يصلح بعد خمسين عاما من الوفاة مشروعا للمستقبل .
أكد شيحه أن الدكتور طه حسين اثناء توليه مستشار وزير التعليم فى الثلاثينيات عمل علي إلزامية التعليم الابتدائى وعندما عرضت عليه وزارة التعليم اشترط الموافقة اولا علي ان يكون التعليم الاعدادى مجانيا ، وهذا ما سارت عليه ثورة يوليو 1952 التى كرمته علي جهوده وهو الذى قال ان الثورة أكملت حلنه بديمقراطية التعليم.
أشار جمال شيحه إلي رؤية طه حسين ان تكون الجامعات جامعات حقيقية ومراكز للبحث لديها الحرية المطلقة فى البحث العلمى والفكر المفتوح ، هذه الرؤية تكفل لمصر إذا تحققت أن تتحول إلي دولة عظمى خلال عقد واحد من الزمان، كما أكد أن التعليم يحتاج إلي قرار سياسي لكى تخرج مصر من كبوتها ، وكل مشاكل التعليم ما قبل الجامعى معروفة وحلولها موجودة وتحتاج فقط إلي قرار وهذا ما ندعو إليه من خلال التوعية ، فلسنا فى حاجة إلي عباقرة الاقتصاد ولكن فى حاجة لمن يضع التعليم رقم واحد فى خطط نهضة مصر ويضع له الميزانيات المناسبة.
وفي مُستهَّل حديثة أشار الكاتب الصحفى وائل لطفي أن تبني مؤسسة جمال شيحه للتعليم والثقافة والتنمية المستدامة الاحتفال بمرور 50 عاما علي رحيل عميد الادب العربي طه حسين هى مبادرة نموذجية لما يتمتع به فى الوجدان الثقافى العربي بالكثير من الاهتمام من جانب المهتمين بالحالة الثقافية العربية التى أثارها عميد الادب العربي خلال حياته ولازالت مستمرة الفوران حتى الان وربما تستمر لمئات السنين فى المستقبل.
وقد سرد لطفي مسيرة حياة عميد الأدب العربي طه حسين، طموحه وكفاحه وثوريته ومنهجيته ومبادئه التي آمن بها وناضل من أجلها والمعارك التي خاضها من أجل التنوير والتغير، ومن أجل مجانية التعليم، وزواجه سوزان بريسو الفرنسية التي ساندته طيلة حياته وساعدته على الإطلاع أكثر فأكثر باللغة الفرنسية واللاتينية، لافتاً أن من يتأمل حياة طه حسين يجد فيها رسائل متعددة علي المستوى الانسانى والانجاز المعرفى وديَّن يُطوق أعناق كل المصريين ، هذا الرجل الذى رفع شعار "مجانية التعليم" وهو أول من نبه النخبة الحاكمة لضرورة مجانية التعليم بجميع مراحله وصولاً للتعليم الجامعى لكل المصريين .
وفي سياق متصل شدد الدكتور سامي نصار على أهمية أن يكون الفرد حرًا في اختياراته وعقلانيًا في تفكيره، وأن لا يُسلم بأي شيء مهما كان مصدره دون أن ينقد ويسأل ويُحلل، مستشهداً فيحديثه بنموذج طه حسين الذي تبنى مذهب ديكارت "الشك" ومبدأ (أنا أشك إذا أنا أفكر إذا أنا موجود)، مؤكداً مقولة "أنا لا أدخل عقلي إلا ما هو واضح ومتميز من الأفكار".
كما لفت نصار خلال حديثه إلي كتاب «مستقبل الثقافة في مصر» لطه حسين واصفاً الكتاب بأن من يقرأه فكأنما وضع يده على منبع وأساس الثقافة الحديثة بمفهومها الاشمل، وأن من يقرأ هذا الكتاب سيرى كيف أنه سبق عصره فهو يقودنا فى الكتاب إلي ثورة العلم والتكنولوجيا التى نراها تتدفق الان فى شكل الثورة الرابعة والخامسة التكنولوجية.
وأضاف أن طه حسين أول من دافع عن مجانية التعليم مع نجيب الهلالي باشا رغم الصعاب التى واجهها الاثنان من أجل ان نصل إلأي ما نحت فيه الان رغم ما تعرضت له العمية التعليمية من تشوهات عديدة.
اختتمت الفعاليات بفقرة فنية متميزة للمطرب أحمد اسماعيل الذي يُلقبه البعض بخليفة المطرب والملحن المصري الراحل الشيخ إمام، لتمسكه بالعزف والغناء منفردا، معظم الوقت على آلة العود، والذي لطالما اقترن اسمه وصوته ونغمات عوده بالعديد من القضايا المجتمعية، وتجده يبحث عن المظلومين من الفنيين فيعيد اكتشاف اغانى تجربة من تجارب السبعينات الرائدة باغانيها الوطنية مثل «قهوة البوسطة» و «لو بس القمرة تبان» و«يا رايح طوخ» و «ولى النعم»وعلي الرغم من ذلك يري نفسه بعيداً عن مصنع الأضواء ويقول .. «أنا بعيد عن هذا المصنع، ربما لأنني اخترت الطريق الصعب، الذي تجد فيه فكرة تحترم عقل الناس وتحترم عاداتهم وتقاليدهم».