أصدرت وزارة الخارجية الصينية، اليوم، تقريرا بشأن الهيمنة الأمريكية ومخاطرها، وذكرت أن التقرير يهدف لفضح إساءة استخدام الولايات المتحدة للهيمنة في مختلف المجالات، وجذب اهتمام دولي أكبر لمخاطر الممارسات الأمريكية على السلام والاستقرار في العالم.
وقالت وزارة الخارجية الصينية - في سياق التقرير الذي نشرته على موقعها الإلكتروني - إنه منذ أن أصبحت الولايات المتحدة أقوى دولة في العالم بعد الحربين العالميتين والحرب الباردة، زادت جرأتها للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وتعزيز التخريب وشن الحروب عمدا وإلحاق الضرر بالمجتمع الدولي.
وأشار التقرير إلى أن الولايات المتحدة طورت كتابا عن الهيمنة لتنظيم "الثورات الملونة" والتحريض على النزاعات الإقليمية وحتى شن الحروب بشكل مباشر تحت ستار تعزيز الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، وسعت إلى فرض قواعد تخدم مصالحها الخاصة باسم دعم "نظام دولي قائم على القواعد".
وأوضحت الوزارة أن التقرير يتكون من خمسة أجزاء رئيسية عن الهيمنة الأمريكية في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والتكنولوجية والثقافية.
وفيما يتعلق بالهيمنة السياسية، أشارت الصين إلى أن الولايات المتحدة تحاول منذ فترة طويلة تشكيل دول أخرى وتغيير النظام العالمي بقيمه ونظامه السياسي، كما لفتت إلى كثرة حالات التدخل الأمريكي في الشؤون الداخلية للدول الأخرى باسم "تعزيز الديمقراطية"، وضربت الأمثلة على ذلك بالتحريض الأمريكي على "الثورات الملونة" في أوراسيا، وتدبير ثورات "الربيع العربي" في غرب آسيا وشمال إفريقيا، مما أدى إلى الفوضى في العديد من الدول.
كما وصف التقرير سياسات الحكومات الأمريكية المتعاقبة تجاه أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي بالتدخل السياسي والتدخل العسكري وتخريب النظام، وقال إن الولايات المتحدة تمارس معايير مزدوجة في القواعد الدولية، إذ وضعت الولايات المتحدة مصلحتها الذاتية أولا وابتعدت عن المعاهدات والمنظمات الدولية ووضعت قانونها المحلي فوق القانون الدولي.
وذكر التقرير أن الولايات المتحدة تصدر أحكاما تعسفية على الديمقراطية في البلدان الأخرى، وتلفق رواية كاذبة عن "الديمقراطية مقابل الاستبداد" للتحريض على القطيعة والانقسام والتنافس والمواجهة، ففي ديسمبر 2021 استضافت الولايات المتحدة أول "قمة من أجل الديمقراطية" والتي قوبلت بالنقد والمعارضة من العديد من الدول لأنها استهزأت بروح الديمقراطية وتقسيم العالم، وفي مارس 2023 ستستضيف الولايات المتحدة "قمة من أجل الديمقراطية" أخرى والتي تظل غير مرحب بها ولن تجد أي دعم مرة أخرى.
وفيما يتعلق بالهيمنة العسكرية، ذكر التقرير إلى أن "تاريخ الولايات المتحدة يتسم بالعنف والتوسع، وأنه منذ أن حصلت الولايات المتحدة على استقلالها عام 1776 سعت باستمرار إلى التوسع بالقوة فذبحت الهنود وغزت كندا وشنت حربا ضد المكسيك، واستغلت هيمنتها العسكرية لتمهيد الطريق لأهداف توسعية، وفي السنوات الأخيرة تجاوز متوسط الميزانية العسكرية السنوية للولايات المتحدة 700 مليار دولار أمريكي، وهو ما يمثل 40 بالمائة من الإجمالي العالمي، وللولايات المتحدة نحو 800 قاعدة عسكرية في الخارج، مع انتشار 173 ألف جندي في 159 دولة".
وقد ذكر كتاب بعنوان "أمريكا تغزو: كيف غزونا أو تورطنا عسكريا مع كل بلد تقريبا على وجه الأرض" أن الولايات المتحدة قاتلت أو شاركت عسكريا تقريبا مع جميع الدول الـ 190 الفردية المعترف بها في الأمم المتحدة مع ثلاثة استثناءات فقط، وهي ثلاث دول "نجت" لأن الولايات المتحدة لم تجدها على الخريطة، كما قال الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر إن الولايات المتحدة هي بلا شك الدولة الأكثر حروبا في تاريخ العالم.
وأشار تقرير لجامعة "تافتس" الأمريكية إلى أنه في الفترة من عام 1776 إلى 2019 نفذت الولايات المتحدة ما يقرب من 400 تدخل عسكري على مستوى العالم.
ورأى تقرير الخارجية الصينية أن "الهيمنة العسكرية الأمريكية تسببت في مآسي إنسانية، فمنذ عام 2001 أودت الحروب والعمليات العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة باسم محاربة الإرهاب بحياة أكثر من 900 ألف شخص منهم 335 ألفا من المدنيين وشردت عشرات الملايين".
وفيما يتعلق الهيمنة الاقتصادية، أضاف التقرير أنه "بعد الحرب العالمية الثانية قادت الولايات المتحدة الجهود لإنشاء نظام بريتون وودز وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والتي شكلت مع خطة مارشال النظام النقدي الدولي الذي يتمحور حول الدولار الأمريكي.. ومن خلال الاستفادة من مكانة الدولار كعملة احتياطية دولية رئيسية تقوم الولايات المتحدة بشكل أساسي بجمع العملات الأجنبية من جميع أنحاء العالم، وباستخدام سيطرتها على المنظمات الدولية فإنها ترغم الدول الأخرى على خدمة الاستراتيجية السياسية والاقتصادية لأمريكا".
وأكد التقرير الصيني أن "هيمنة الدولار الأمريكي هي المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار في الاقتصاد العالمي، فخلال جائحة كوفيد-19 أساءت الولايات المتحدة استخدام هيمنتها المالية العالمية وضخت تريليونات الدولارات في السوق العالمية، تاركة دولا أخرى وخاصة الاقتصادات الناشئة تدفع الثمن .. وفي عام 2022 أنهى بنك الاحتياطي الفيدرالي سياسته النقدية فائقة السهولة وتحول إلى رفع حاد لأسعار الفائدة مما تسبب في حدوث اضطراب في السوق المالية الدولية وانخفاض كبير في قيمة العملات الأخرى، ونتيجة لذلك واجهت الكثير من الدول النامية تحديات تتمثل في ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض قيمة العملة وتدفقات رأس المال إلى الخارج".
وحول الهيمنة التكنولوجية، أفاد التقرير بأن "الولايات المتحدة تسعى إلى ردع التنمية العلمية والتكنولوجية والاقتصادية للدول الأخرى من خلال ممارسة القوة الاحتكارية وإجراءات القمع والقيود التكنولوجية في مجالات التكنولوجيا الفائقة.. الولايات المتحدة تحتكر الملكية الفكرية باسم الحماية، وتجني أرباحا مفرطة من خلال هذا الاحتكار"، مشيرا إلى أنه في ثمانينيات القرن الماضي "ولاحتواء تطور صناعة أشباه الموصلات في اليابان أطلقت الولايات المتحدة التحقيق (301) وبنت قوة تفاوضية في المفاوضات الثنائية من خلال الاتفاقات المتعددة الأطراف، وهددت بأن اليابان تجري تجارة غير عادلة وفرضت تعريفات انتقامية، مما أجبر اليابان على التوقيع على اتفاقية أشباه الموصلات الأمريكية - اليابانية، ونتيجة لذلك تم طرد شركات أشباه الموصلات اليابانية بالكامل تقريبا من المنافسة العالمية وانخفضت حصتها في السوق من 50 بالمائة إلى 10 بالمائة، ودعمت الحكومة الأمريكية انتهاز عدد كبير من شركات أشباه الموصلات الأمريكية الفرصة واستحوذت على حصة سوقية أكبر".
ورأت الخارجية الصينية أن "الولايات المتحدة تقوم بتسييس القضايا التكنولوجية وتسليحها واستخدامها كأدوات أيديولوجية، وحشدت سلطة الدولة لقمع ومعاقبة شركة (هواوي) الصينية وقيدت دخول منتجاتها إلى السوق الأمريكية وقطعت إمداداتها من الرقائق وأنظمة التشغيل، كما اختلقت الولايات المتحدة عددا كبيرا من الأعذار لتضييق الخناق على شركات التكنولوجيا الفائقة الصينية ذات القدرة التنافسية العالمية ووضعت أكثر من 1000 شركة صينية على قوائم العقوبات.. كما تستغل الولايات المتحدة هيمنتها التكنولوجية لشن هجمات إلكترونية وسرقة البيانات والتلاعب بتطبيقات الأجهزة المحمولة واختراق الخوادم السحابية والسرقة عبر الكابلات الموجودة تحت سطح البحر".
وفيما يتعلق بالهيمنة الثقافية، أوضح التقرير أن التوسع العالمي للثقافة الأمريكية يعتبر جزءا مهما من استراتيجيتها الخارجية، إذ استخدمت الولايات المتحدة الأدوات الثقافية لتقوية هيمنتها في العالم والحفاظ عليها، مضيفا أن الولايات المتحدة ترسي القيم الأمريكية وأسلوب الحياة في منتجاتها مثل الأفلام والبرامج التلفزيونية والمحتوى الإعلامي.
وأشار إلى أن "الهيمنة الثقافية الأمريكية لا تظهر نفسها في التدخل المباشر فحسب، بل تظهر أيضا في التسلل الإعلامي، فتلعب وسائل الإعلام الغربية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة دورا مهما في تشكيل الرأي العام العالمي لصالح تدخل الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.. كما وتفرض الحكومة الأمريكية رقابة صارمة على جميع شركات وسائل التواصل الاجتماعي، واعترف إيلون ماسك الرئيس التنفيذي لشركة (تويتر) في 27 ديسمبر 2022 بأن جميع منصات التواصل الاجتماعي تعمل مع حكومة الولايات المتحدة لفرض رقابة على المحتوى".
وأضاف التقرير أن "الولايات المتحدة تمارس معايير مزدوجة بشأن حرية الصحافة، فهي تقمع بوحشية وسائل الإعلام في الدول الأخرى وتسكتها بوسائل مختلفة، كما تمنع الولايات المتحدة وأوروبا وسائل الإعلام الروسية السائدة مثل روسيا اليوم وسبوتنيك من دخول بلادهم. وتقيد منصات مثل تويتر وفيسبوك ويوتيوب بشكل علني الحسابات الرسمية لروسيا، كما أزالت نتفليكس وأبل وجوجل القنوات والتطبيقات الروسية من خدماتها ومتاجر التطبيقات. وتم فرض رقابة صارمة غير مسبوقة على المحتويات المتعلقة بروسيا.. كما تستخدم الولايات المتحدة المعلومات المضللة كرمح لمهاجمة الدول الأخرى، وقد بنت سلسلة صناعية لمجموعات وأفراد يختلقون القصص ويقومون بترويجها في جميع أنحاء العالم لتضليل الرأي العام بدعم غير محدود تقريبا".
واختتمت وزارة الخارجية الصينية تقريرها بالقول إن "ممارسات الهيمنة والاستبداد والبلطجة المتمثلة في استخدام القوة لتخويف الضعيف والاستيلاء على الآخرين بالقوة والحيلة تلحق أضرارا جسيمة، وقد أثارت ممارسات الهيمنة الأحادية والأنانية والرجعية هذه انتقادات ومعارضة متزايدة ومكثفة من المجتمع الدولي.. الدول تحتاج إلى احترام بعضها البعض ومعاملة بعضها البعض على قدم المساواة، ويجب على الدول الكبرى أن تتصرف بطريقة تليق بمكانتها وأن تأخذ زمام المبادرة في اتباع نموذج جديد للعلاقات بين دولة ودولة يتسم بالحوار والشراكة وليس المواجهة أو التحالف".
وأكدت الخارجية الصينية أن بكين تعارض كل أشكال الهيمنة وسياسة القوة وترفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وأنه "يجب على الولايات المتحدة إجراء بحث جاد عن النفس وأن تدرس بشكل نقدي ما قامت به وتتخلى عن ممارساتها المهيمنة والاستبدادية".