تحقيق: هبة عادل
المسرح الكنسي.. هو نشاط معروف ومشهود داخل جدران الكنائس.. بل إن بعضها يحتوي علي خشبة مسرح كتلك التي يقف عليها كبار النجوم وهي فرصة كبيرة لتفريغ طاقات واكتشاف مواهب شباب وشابات الكنائس.. في التمثيل والتلحين والترتيل.. إلخ.
ولما كانت السيدة العذراء هي أعظم شخصيات الكتاب المقدس بل والديانة المسيحية.. فإن تجسيد شخصها البديع هو أسمي ما تتمناه وتحلم به كل فتاة وتعتبره شرفاً كبيراً يدعوها للفخر ما إذا كانت تمتلك مقومات هذا الدور الصعب والراقي علي مستوي الشكل أو المضمون فمما لاشك فيه انه دور يتطلب مواصفات خاصة وقدرات يمنحها الله كهبة إلهية خالصة منه وهو ما تصبو إليه كل شابة وتزهو به كل من حالفها الحظ لنوال هذه البركة العظيمة.
حول بعض التجارب والنماذج التي قدمها البعض في هذا المجال نتحدث في السطور القادمة.
في بداية حديثنا حول هذه النقطة التي تبدو شائكة للبعض حيث الرفض المجتمعي الذي يفرضه الأزهر الشريف حول تجسيد شخصيات الأنبياء والقديسين .. وإمكانية ظهور هذا داخل الكنيسة يقول القمص صليب جمال.. كاهن كنيسة القديس أبي سيفين بمصر القديمة:
لا نمانع أبداً في تجسيد هذه الشخصيات العظيمة التي نكن لها كل الإجلال والاحترام والتقديس ولكننا حسبما نعتقد في المسيحية نري أن الأنبياء في نهاية الأمر هم بشر غير معصومين يصيبون ويخطئون ثم يتوبون ويتطهرون ونحن نتعلم من سيرة حياتهم كيف تكون هذه التوبة وكيف يكون الخلاص.
وعن العذراء القديسة مريم فقد نظر إله السماء لكل بنات الأرض فلم يجد أطهر منها لتحمل في احشائها السيد المسيح وهي العذراء البتول الحبلي بالروح القدس.. ولكن هذا لا يعوق إمكانية أن تمثلها إحدي الفتيات إذا ما توفرت لديها الشروط اللازمة التي تؤهلها لذلك وفي النهاية هى بشر، تمثل بشر لنتعلم من حياتها كيف نصل لقداستها وكيف يمكن أن يكون الدور نموذجاً وقدوة للجميع.
اختيار
وبالنسبة لي كانت لي تجربة أشرفت عليها في كنيستي وقدمنا حياة السيدة العذراء مريم في أوبريت كامل بعنوان «الحمامة الحسنة» وهو أحد ألقاب العذراء مريم وكانت بالطبع تواجهني صعوبة في اختيار هذه الفتاة التي تؤدي دورها وكان تفكيري أن تكون هذه الفتاة من غير شابات الكنيسة المعروفات للجميع حتي لا ينال وجودها المسبق وكلامها وضحكاتها أو «هزارها» مع زملائها من صورة الدور الرفيع الذي تلعبه ولكني أردت أن تكون فتاة من خارج المجموعة المعروفة وصليت من أجل هذا واتفقت مع المخرج علي ذلك، وبينما نحن نجلس في الكنيسة في يوم وجدت فتاة شديدة البراءة والاتضاع تدخل وتسجد أمام هيكل الرب وتمنيت أن تكون هذه الفتاة هي من تقدم دور العذراء مريم وبالفعل وجدت المخرج يخبرني بأنها الفتاة التي ستؤدي الدور فسعدت جدا وشعرت أن الله أرسلها لنا بنفسه وبعدما انتهينا من العمل عادت الفتاة لحياتها ولم نعد نراها وهو ما قصدته أن تكون وكأنها العذراء وقد تجلت قليلاً ثم مضت.
مشاعر
ويقول الشاعر والمؤلف رامز مؤنس: عندما أكتب أي عمل عن شخصية في الكتاب المقدس وقد كتبت عن موسي النبي والعذراء مريم وداود وآخرين فيجب حتي أكتب الكلام الذي ستنطقه هذه الشخصية أن أتلبس أنا تماما هذه الشخصية ومن ثم كانت الكتابة عن العذراء مريم مسألة مهولة ومرعبة طول فترة كتابتي عنها، فقد كنت أعيش حالتها وظروفها واحاسيسها ومشاعرها وكنت أتخيل أنها ناظرة لي ولكل سطر اكتبه عنها ومعايشة هذه اللحظات.. لم يكن أمراً سهلا أبدا ولا الاقتراب من قدس أقداس الديانة المسيحية مسألة بسيطة علي الاطلاق وكنت اتصور بخيالي دائما من ياتري هذه الفتاة التي تستحق تجسيد هذه الشخصية خاصة وأن العذراء مريم هي روح وفكرة قبل أن تكون جسداً وملامح وشكلاً وهي مثل أعلي لكل بنت في التواضع والعفة والجمال والهدوء ورقة ووداعة الابتسامة، وبالتأكيد يوم العرض المسرحي أكون أسعد إنسان وسعادتي هذه يصعب جدا وصفها وسر سعادتي يكمن في الشعور بنعمة ربنا التي أهلتني لنوال هذه الموهبة التي استطعت من خلالها رسم هذه الكلمات التي تليق بهذه الشخصية الفريدة في الحياة كلها.
إقناع
ويقول المخرج المسرحي عصام العبد: العذراء مريم المعروفة بالسلام ونقاء السريرة والملامح الهادئة والاتضاع الجم عندما نسعي لتجسيد حياتها علي خشبة المسرح أراعي جدا أن تقدم البطلة دورها تجسيداً وليس تقليداً فجمال الشكل ومسحة البراءة وحتي الحزن النبيل في ملامح العذراء أمر صعب الحصول عليه أو الوصول إليه والفتاة التي تقدم هذا الدور يجب أن تحمل في شخصيتها وملامحها الكثير من هذه المواصفات بجانب الموهبة التي نستطيع بها إقناع الجمهور القادم لرؤيتها في هذا الدور العظيم وذلك لأن خشبة المسرح تعد كمنبر ثان داخل الكنيسة وبالتالي نجاح هذه الأعمال التي تتناول شخصية العذراء يعتمد علي القدرة علي إقناع الجمهور أن العذراء موجودة في وسطهم.
صعوبة
وتتحدث الدكتورة الصيدلانية مونيكا إميل وقد جسدت دور العذراء مريم في عرض علي مسرح كنيسة مار جرجس المنيل وتقول: في كل عام في موسم عيد القيامة المجيد نقدم عملا مسرحيا بعنوان «درب الصليب» حيث الطريق الذي مشاه وخاضه السيد المسيح نحو الآلام والموت حسبما نعتقد في إيماننا الارثوذكسي ، وقد قدمت في هذا الاطار شخصية «ماما العذراء» وكان دوري كله صامتا فقط أمثل بعيوني وملامح وتعبيرات وجهي وفقا لتوجيهات زميلنا المخرج مينا عزت.
وكان من الصعوبة بمكان طبعا أن أعبر عن مشاعر أم تري ابنها الوحيد وهو يضرب ويجلد بالسياط ويموت وهو البرئ من كل خطية وكيف أنها مصدومة من كل الناس الذين ظلموه وخانوه وكأنها غير مصدقة لكل ما يجري حولها فكان أمراًَ صعبا طبعا أن اعبر عن أقسي مراحل حياة العذراء مريم وأقصي مشاهد حياتها ألما لكن الثقة التي وضعها أمامي المخرج وجميع من رشحوني لهذا الدور العظيم جعلتني أفخر وأشعر بسعادة بالغة تحدت كل هذه الصعوبات ودفعتنى طبعا لتقديم الموضوع كله بحب شديد.
حماس
أما مارولا أشرف (ليسانس آداب علم نفس) وهي فتاة شابة قدمت دور العذراء مريم بكنيسة الأنبا بيشوي بمحافظة بور سعيد وعن هذه الذكري الجميلة تقول مارولا: كنا نحضر لاحتفال عيد ميلاد السيد المسيح عام 2017 وكتبت صديقتنا الموهوبة مريم القس تيموثاوس سكتشاً عن ميلاد المسيح.. وفوجئت بخادمات الكنيسة يختارننى للمشاركة دون أن أعلم في البداية ما هو الدور الذي سأمثله.. وعندما عرفت أنه دور العذراء مريم كانت سعادتي بالغة رغم تقديري لصعوبة الموقف.. ورغم حماسي كنت قلقة جداً ورغم البروفات الكثيرة إلا أن توتري يوم العرض ازداد جداً لكن بمجرد دخولي أمام الجمهور الحاضر واندماجي في الشخصية زال التوتر وتقمصت شخصية العذراء بهدوئها ووداعتها وتواضعها وكانت تجربة من أجمل تجارب حياتي.
طفولة
وتحكي لنا السيدة نادرة حلمي عن تجربة ابنتها الطفلة إيريني إسكندر في عمل اسكتش عن رحلة العائلة المقدسة إلي مصر وقدم في إحدي ليالي رأس السنة ولعبت فيه ابنتها دور العذراء مريم وتقول نادرة: كانت سعادتي بالغة عندما اختار مؤلف ومخرج العمل أسامة رمزي ابنتي الطفلة إيريني لأداء دور العذراء مريم في خروجها من أورشليم ودخولها أرض مصر وأحضرت عروسة لها وحلقنا شعرها ولونا الرأس بقلم أسود لتحملها معها حيث الطفل يسوع ولأني أمثل في مسرحيات الكنيسة المختلفة فقد كنت احضر ابنتي للدور واحفظها وأدربها علي تمثيل دور العذراء وهي في هذا العمر الصغير وكيف تحملت مشقة السفر الصعب بصحبة يوسف النجار الذي لعبه الطفل روماني أمير، ويوم العرض كانت سعادتي لا توصف بأداء ابنتي.. وحتي خجلها كطفلة أمام الجمهور كان جميلاً متوافقا مع طبيعة العذراء النقية.. إيريني نفسها تتحدث وهي طفلة في العاشرة من عمرها وتقول: كنت «مكسوفة» لكن مبسوطة أني بمثل دور «ماما العدرا» وكنت قبل كده عملت دور ملائكة في مسرحية لكن دور العذراء حاجة تانية خالص.
شرف
وأخيراً وكما قلت إنه شرف عظيم لكل فتاة أن تلعب هذا الدور في حياتها فتحكي لنا المرتلة الشابة هبة منصور وتقول: شاركت بدور الراوي في أوبريت «الحمامة الحسنة» الذي قدم دور العذراء مريم وقمت بالترتيل داخل العمل وكان لي كل الفخر والسعادة وهي بشكل عام أيام مباركة نقضيها كإخوة داخل الكنيسة ويوم العرض نشعر وكأننا في السماء وننظر أمامنا كبنات لدور البنت التي تقدم العذراء بكل سعادة وكل واحدة تتمني طبعا أن تجسد هذه الشخصية الجميلة أم النور.
وتؤيدها المرتلة جورجينا صموئيل والتي شاركت في العمل ذاته بالقول: أجواء العمل في هذه الأعمال المقدسة تكون به بركة كبيرة لكل من يشارك فيها ودور العذراء مريم بالطبع هو فخر لكل بنت تؤديه وكنا لما نري زميلتنا التي قدمت الدور نشعر بسعادة وأنا شخصيا كنت أشعر «بقشعريرة» تهزني من الداخل عندما أري مثلا مشهد بشارة الملاك لها وأنها ستحمل السيد المسيح فكنت أنفصل عن دوري تماما واتعايش مع ادائها ورد فعلها لهذا الموقف الرهيب، والعذراء أمنا، سلام الرب عليها هي أجمل شىء ممكن تقدمه فتاة تمتلك موهبة التمثيل.