اليوم تحل الذكرى 44 لوفاة زعيم وقائد كردي، عرفه التاريخ بنضاله وحكمته وتواضعه، الأب الروحي للشعب الكردي الجنرال مصطفى بارزاني.
ولد في منطقة بارزان عرين الأسود في كردستان العراق، من عائلة دينية ووطنية عرفت بالزهد والتقوى والوطنية.
رجُلٍ رسّخَ حياتَهُ في سبيلِ حقوقِ شعبه، رجلٌ ثارَ ضد الظُلمِ، رجلٌ قادَ ثورةَ شعبٍ مغلوبٍ على أمره، لكنَ هذا الشعب لا يستسلم ولا يفقد الأمل، شعبٌ جَعل من الجبلِ صديقاً وجرى مع مياهِ وديانِ تلكَ الجبال، تلكَ المياهُ التي لطالما جَرَت معها الحياةُ ولم ترفضِ الهاربينَ إليها.
منذ صباه شارك في الثورات والحركات التحررية ضد الاستعمار والطغاة والمحتلين، شارك في ثورات بارزان ضد الاحتلال الإنجليزي، ومن ثم كواجب وطني ذهب إلى كردستان إيران لدعم ومساعدة أول جمهورية كردية في التاريخ (جمهورية مهاباد) بقيادة الخالد الذكر القاضي محمد ولكن هذه الجمهورية لم تستمر لأكثر من 11 شهرا حيث المصالح الاستعمارية قضت على أحلام الكرد، دافع الخالد مصطفى بارزاني بكل أمانة وإخلاص عن الجمهورية، وبعد القضاء على الجمهورية استطاع مع عدد من رفاقه بملحمة بطولية من عبور نهر آراس على الحدود السوفيتية (السابق) و الوصول إلى روسيا.
وخلال تواجده في روسيا لم ينس قضية شعبه بل طرق أبواب الكرملين لإيصال محنة شعبه، وخلال تواجده في الاتحاد السوفيتي والاعتداء الثلاثي على مصر، طلب بارزاني السماح له بالذهاب للقتال إلى جانب المصريين ومن الحكومية السوفيتية العمل من أجل إيقاف الحملة على مصر، وكان داعما لقضية الشعب الفلسطيني.
هكذا كان البارزاني يساند كل من طاله ظلم وكل الشعوب التواقة للحرية، كان إنسانا زاهدا عادلا متواضعا يساند المظلومين والفقراء ويدعم السلام والديمقراطية، مؤمنا بشريعة الله والقرآن الكريم، لا يفرق بين هذا وذاك إلا بالعدل والإنصاف.
عند عودته من منفاه الاختياري بالاتحاد السوفيتي السابق بعد ثورة 14 تموز في العراق، استقبله الزعيم خالد الذكر جمال عبد الناصر في القاهرة في أكتوبر 1958، وكان أول زعيم عربي يستقبل شخصية كردية ويدعم قضية الشعب الكردي، وحتى هذه اللحظة وللمستقبل لم ولن ينسى شعب كردستان استقبال الزعيم عبد الناصر للبارزاني وهذا أحد أسباب حب الشعب الكردي لمصر وشعبها.
بعد عودته إلى العراق تم بناء علاقات جيدة مع الزعيم عبد الكريم قاسم والاتفاق على منح الحقوق القومية والثقافية للشعب الكردي ضمن دولة العراق، إلا أن رجوع أركان الحكومة العراقية آنذاك عن وعودها اضطر البارزاني لإعلان الثورة ضد النظام جراء قيام السلطة بقصف مناطق كردستان، والتي عرفت بثورة 11 أيلول- سبتمبر لأنها اندلعت في هذا الشهر، وسرعان ما أصبحت ثورة عراقية، حيث التحقت بها أطياف الشعب العراقي كافة، وخلالها حققت إنجازات كبيرة منها اتفاقية 11 آذار- مارس 1970، حيث ولأول مرة تعترف الحكومة العراقية بالحقوق القومية و الثقافية للشعب الكردي.
عنه قال شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري: "صقر كردستان.. جاذبت من صقر الشمال وإنه
بالعز أمنع من مطار عقاب.. ومسحت غضبة قسور عن وجه
ولقطت من فمه مرارة صاب.. مستشرقا کبد السماء، جبينه
للنيران ، ورجله في الزاب"
وفيه قال الزعيم المصري جمال عبد الناصر: "كان البارزاني رجلا مهيب الطلعة، وأعظم ما كان فيه عينان نافذتان تزيدان من قوة وتعابير الخطوط الحازمة لوجه صارم نبه".
وقال عنه الرئيس المصري الأسبق المرحوم حسني مبارك: "وأنا أتابع مراسيم دفن مصطفى البارزاني، في ذلك اليوم من أيام ربيع 1979 تبين لي بوضوح أن جموع المعزين لم يقوموا بإلقاء نظرة على جثمان الزعيم الكردي، بل إنهم كانوا يقوموا بتوديع أهم شخصية كردية سياسية وعسكرية على مدى التاريخ منذ صلاح الدين الأيوبي".
وقال المفكر والأديب المصري محمد حسين هيكل: "إن فضائل البارزاني من طراز الشجاعة القديمة، حتى أن الإنسان ليعجب بسموها إلى درجة كبيرة، عاش يقود ثورة بأساليب زعيم محنك، ولكن بلا غاية، سوى الكبرياء والاستقلال".
رغم مرور 44 على وفاة البارزاني إلا أن روحه لاتزال تعيش بين شعوب المنطقة، ويستمد الكرد من نهجه فكرة مواصلة النضال من أجل الديمقراطية والعدالة والتآخي، واليوم؛ الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة الزعيم مسعود بارزاني يسير على هذا النهج الزعيم مسعود بارزاني في بناء علاقاته مع كافة الشعوب المحبة للسلام وأولها الشعب المصري، ربما السطور هذه رسالة تذكرة لكل من لا يدرك قيمة الزعماء الحقيقيين وتاريخهم وشهادات القادة بحقهم.