الأحد 19 مايو 2024

الجد والحفيد وأمهات وآباء الفيس بوك

29-8-2017 | 12:44

بقلم : إيمان حمزة

أعز من الولد ولد الولد, كلمات محفورة في وجداننا وتوراثنا من أمثالنا الشعبية تجسد مدى حب الأجداد والجدات للأحفاد وفرحتهم بوصولهم للدنيا, والتي تجعلهم يبذلون كل طاقاتهم وقدراتهم في دعم هولاء الصغار الذين هم امتداد لأحب وأغلى الناس لديهم وليعينوهم على تلبية احتياجاتهم وعظم هذه المسؤلية الجديدة عليهم مع كثرة أعباء هذه الحياة, وعن هذه المشاعر الإنسانية الجميلة يقول كاتبنا الكبير أحمد بهاء الدين في حديث سابق: جاء حفيدي إلى تحمله ابنتي بعد ولادته بشهور.. كم سعدت بخبر ولادته ولكن فرحتي برؤيته كانت أكبر من أن يسعها قلبي, لقد أخذني معه هذا الرضيع الملائكي إلى دنيا أخرى لونت أيامي وحياتي بكل ألوان الربيع المبهجة بعد أن خلا البيت علي وأمهم بعد زواج الابن والابنة وانشغالهم بحياتهم الجديدة والسفر.. ولكن ها هو حفيدي يحيل سكون بيتنا القاتل إلى ضجيج محبب إلينا بضحكاته وصراخه وشقاوته البريئة ليتعلم الحبو والمشي ليستكشف كل ما حوله, ونلهث وراءه لنحميه قبل أن تسقط فوقه الأشياء التي يجذبها بيديه الصغيرتين, أو أن يضع في فمه كل ما تصل إليه يديه ليكتشف ما هو, فهى وسيلته الوحيدة للتعرف على الأشياء, أصبح محور دنيتي.. وجعلني أعيش أجمل أيام حياتي من جديد.. ولكن للأسف جاءت ساعة الرحيل عندما عادت ابنتي لتأخذك من جديد بعد أن أنهت رسالة الماجيستير وأصبح لزاما عليها السفر مع زوجها كدبلوماسيين لبلد آخر لتبدأ مأساتي أنا برحيله, ووجدت نفس لا أتقبل حياتي السابقة, ورفضت سكونها الموحش بعد أن خلت من متعة وجود حفيدي, والغريب أنه رحل عنا كاتبنا القدير بعد كتابه هذه السطور بسنوات قليلة.

هذه الواقعة تؤكد مكانة الحفيد في قلب الجد والجدة, ولكن آباء وأمهات هذه الأيام لم يعودوا في احتياج لوجود الجدات والأجداد في حياتهم من أجل أن يستمدوا منهم الخبرات, فنحن في زمن النت وجوجل والفيس بوك وكل ما قد يحيرهم ويتساءلون عنه فيما يخص هذا المولود الصغير يجدون له الإجابات الوافية بضغطة من أناملهم على أجهزة المحمول الحديثة أو اللاب توب وغيرها, مما أصبح متاح تحت أيديهم ويصلهم بما يبحثون عنه من معرفة وخبرات وتجارب السابقين من أبناء وبنات جيلهم من الشباب الذين يماثلونهم في أسلوب حياة هذا العصر الذي يعيشونه بأسلوب مختلف عن الكبار, أصبحوا يجدون كل شيء حاضرا في دقيقة واحدة عن طريق النت من الإجابات الطبية العلمية والنفسية المتخصصة في الطفولة, وكيفية التعامل مع كل صغيرة وكبيرة في حياة المولود بدءا من كيفية رضاعته وتغذيته ونظافته الشخصية وكيف يكون تعاملهم وقت بكائه, أمور كثيرة كان لا غنى عن الأجيال السابقة معرفتها إلا عن طريق تدخل الجدات بخبراتهن.. أصبح الزمن غير الزمن كل شىء أصبحوا يجدونه من خلال تكنولوجيا التواصل الحديثة, يتعرفون على كيف يتابعون نمو الصغير ومتى يبدأ بالابتسامة الجميلة, ومتى يبدأ أولى كلماته, وكيف يعينونه على النطق بكلمات جديدة ويستكشفون كل ما حولهم, كل شىء له إجابات وافية من المتخصصين, المشكلة الأكبر هي اختلاف أسلوب التربية الحديثة لاختلاف الأجيال, فالأجيال الجديدة من أبنائنا يريدون أن تعود تنشئة الصغير وتربيته لهم في كل صغيرة وكبيرة, وكل شيء يريدون أن يمارسوه بأنفسهم ولا يريدون لأحد أن يسلبهم متعة هذا الإحساس بالأمومة والأبوة حتى لو كان الجد والجدة, وعلينا ككبار أن ندرك ونتفهم هذا الحق بالنسبة لهم, وأن نتفهمه ولا نتدخل إلا في حدود الاحتياج لنا, ونتفهم خوفهم من أن يفسد تدليلنا الزائد والذي نغدق معه كل حبنا الجارف عليهم, المهم أن لا نبتعد ونغضب ونتدخل بالحب المتزن والدعم للحفيد ولأبنائنا وبناتنا بكل ما نوفره من أوقاتنا فنرعى أحفادنا في عدم وجودهم وعدم توفر البديل الآمن الموثوق فيه, ونأخذهم للتطعيم في أوقاته إن حالت ظروف العمل وصعوبة أجازات الأبناء, وأن نصحبهم إلى الطبيب أو مرافقتهم للنادي والتدريبات الرياضية, أو اصطحابهم للحضانة أو المدرسة.

والجميل أن الأجيال الكبيرة من الأجداد والجدات أصبحوا يتعلمون من الأحفاد الصغار الذين يخرجون للدنيا وهم يجيدون التعامل مع أحدث أجهزة المحمول المتطورة والكمبيوتر المحمول, يعلمون الكبار كل هذه الوسائل الحديثة ليتواصلوا معهم إذا باعدت بينهم المسافات ببرامج التواصل الاجتماعي, وإن كنا لا ننكر أن أجداد وجدات هذا الزمن أصبحوا يجدون في هذه الوسائل ما يبعدهم عن الشعور بالوحدة من خلال دائرة التواصل مع الجميع, وليصبح الجد سر حفيده, والجدة سر حفيدتها بعد أن زادت مسئوليات الآباء والأمهات مع هذا العصر الحديث.

لتصبح الحقيقه المؤكده انه لا غني لجميع افراد العائله عن بعضهم البعض لتسود السعاده و يتعلم الاحفاد صله الرحم و القيم الاصيله.