الخميس 23 يناير 2025

الروائي محمد إبراهيم: الكتابة الروائية في أزهى عصورها

  • 29-8-2017 | 14:43

طباعة

محمد إبراهيم طه قاص وروائي، من مواليد مركز بنها القليوبية 19/3/1963، ويعمل طبيبًا لأمراض النساء والتوليد بمستشفى بنها التعليمي، وعضو اتحاد الكتاب ونادي القصة وجمعية الأدباء، وعضو لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة، من كتّاب جيل التسعينات في مصر، ويمثّل الريف والطب والموروث الشعبي والثقافي والديني أهم روافده القصصية والروائية، كما أنه يتبنّى سردًا ينضح بالعذوبة والشعرية، وأماكن روائية تتسم بالسحر والأسطورة، آخر إصداراته هي رواية "باب الدنيا".. وكان لـ«الهلال اليوم» معه هذا الحوار :

- أكثر من ثلاث سنوات تفصل "طيور ليست للزينة" عن روايتك الجديدة "باب الدنيا"، لماذا تأخرت كل هذه المدة ؟
الكتابة الروائية تعاند صاحبها أحيانًا، وهذا ما حدث معي، فقد ظللت لسنوات أحاول الكتابة عن صديق حميم هزّني موته، لكن الصعوبات كانت تواجهني على المستويات الفنية، من قبيل ماذا ستأخذ وماذا ستترك من حياة استمرت أربعة عقود ونصف، وهل تكتب عنه وحده أم تكتب عن نفسك أيضا؟ وهل تكتب كل ما تعرفه عنه، أم تكتفي بأشياء؟ وهل ستلتزم بالجزء الواقعي الذي اخترته أم ستضيف أحداثًا متخيلة.

كنت أكتب فتخرج الكتابة واقعية بها درجة من العادية، والمباشرة، والتسجيلية، إلى أن عثرت على هذا البناء الروائي الذي يعرف فيه القارئ من الصفحة الأولى أن فتح الله الشحات مات بالأمس، وبالتالي لم أعد مهتما بتصاعد الأحدث، ولم يعُد أمامك ككاتب سوى أن تتأمّل بحريّة في جدلية الحياة والموت، وأن تناقش وتطرح أسئلة الوجود الكبرى وتعيد النظر في قوانين الحياة، وتراجع الحدث في هذه الرواية إلى الخلفية، وصارت الأولوية للفكرة.

وساعدتني تقنية التداعي الحر في التأمل في مصائر الشخوص، وإعادة النظر ومراجعة واكتشاف العالم بأن يتكلم السارد عن فتح الله وعن نفسه، وعن العالم، وأن يتوقف في تأمّلاته أمام مراحل ومحطات في حياتهما تشير إلى فكرة المصير المشترك بينهما، فصار الراوي المشارِك إبراهيم جبر كأنه الوجه الآخر لشخصية فتح الله، وساهم ضمير المتكلم والمخاطب الذي لجأت إليه في الرواية على إضفاء مزيد من الحميمية، وإحداث حالة من الحضور، فصار فتح الله هو الغائب الحاضر في هذه الرواية، وهو محورها رغم تعدد شخوصها.


ـ يُقال إن مهنة الطب تجعل الطبيب المُرهف يتحسّس بيديه جدليّة الحياة والموت، الأمر الذي يثير خياله ويشحذه .. هل هذا صحيح؟
هذا صحيح، وبنظرة واحدة على عشرات الأطباء الذين يكتبون السرد الآن في مصر تتأكد هذه المقولة.

ومن المؤكد أن العظيم يوسف إدريس هو من تسبب في هذه المقولة حين فتح بإبداعه بابًا بين الطب والأدب، وجدلية الميلاد والموت تبدو ممثلة بشكل يومي في حياة الطبيب ربما أكثر من غيره من أصحاب المهن الأخرى، لا لشيء إلا لأن الطبيب يتعامل مع مريض، مع إنسان، ويتعرف على مواجعه وآلامه ومخاوفه، من ثم يكون لدى الطبيب معلومات أكثر، ومشاهدات في هذا الشأن، فالإنسان محور اهتمام الطب، كما هو محور اهتمام الأدب.


-كروائي وقاص.. أي الجنسين الأدبيّين تشعر أنه يتسع لطاقاتك الفنية أكثر، الرواية أم القصة؟ لحظة الكشف الخاطفة.. أم الاسترسال الجامِح؟
رصيدي من الكتب ثمانية؛ أربع مجموعات قصصية، وأربع روايات، كل مجموعة قصصية يعقبها رواية، الترتيب غير مقصود، لكنه حدث، وبالتالي، فمنزلة كلا النوعين عندي متساوية وإن كان فرحي بالرواية أكبر، لأنها كائن كبير، ويأخذ مني مجهودًا كبيرًا وزمنًا طويلًا حتى يخرج إلى النور، وآليات الكتابة فيها مختلفة قليلًا عن كتابة القصة القصيرة التي لا تقبل كلمة زائدة، وأي خطأ في كتابتها يظهر كعيب فادح، بعكس الرواية التي يمكن لها أن تستوعب العالم أكثر من القصة القصيرة، ويمكن أن تكون ميدانًا فسيحًا لاستعراض قدرات وإمكانيات الروائي الفنية.


-ارتقيت في روايتك الأخيرة من الواقع إلى الخيال والميتافيزيقا بعض الشيء، البعض يقول إن إنتاجك القادم ستغلُب عليه نزعة التصوّف.. كيف ترى ذلك؟
قلت لك إن الواقع وحده لا يكفي لكتابة رواية مدهشة، ولابد من الارتفاع فوق الواقع قليلًا بالخيال، أو الأسطورة، أو الميتافيزيقا، بهدف التخفيف من صرامة الواقع، وما الذي يضير لو غلبت على الكتابة نزعة التصوف؟ رؤية العالم من منظور صوفي قد تكون مطلوبة الآن لأنها الرؤية التي تولي الجوهر كل اهتمامها وتنأى عن المظهر ومن ثم هي الرؤية الأكثر تسامحًا والأكثر قبولًا للآخر، والأكثر قدرة على قبول العالم بتناقضاته الفادحة.

-ماذا تمثّل لك ورشة الزيتون؟ وهل ترى أنها مازالت صاحبة دور ثقافي فاعل ومتميّز؟
تمثّل ورشة الزيتون المتنفَّس الوحيد لي خارج عملية الإبداع، فالورشة أحد المنتديات الأدبية العريقة في القاهرة، ولا يوجد مثقف حقيقي ولا ناقد ولا كاتب إلا ودخل هذه الورشة التي يرى صاحبها ومؤسسها شعبان يوسف أنها كالإسعاف والمطافي، لا تعرف الإجازات، وتعمل في كافة الظروف، ويرتادها الباحثون والنقاد بلا تحفظ، وقد استطاعت أن تخلق من بين روادها نقادا يجمعون بين النقد والإبداع، وأعلت من الذائقة النقدية لروادها فصارت ذاكرة حقيقية للأدب في مصر، ومؤسسة تضطلع ـ بلا تمويل ـ بدور ثقافي لا تتمكن المؤسسة الرسمية من تقديمه بهذه الدرجة من الإتقان والبراعة، معتمدة في هذا النشاط على العلاقات والاتصالات والعمل التطوعي، فالناقد والمبدع والحضور متطوعون لا يدفعهم إلى المجيء سوى وجه الأدب. ومن ثم صارت السلطة الثقافية والأدبية التي حازت عليها الورشة سلطة حقيقية، تؤهلها لخوض المعارك الثقافية والتفاعل مع القضايا الثقافية الراهنة.

-كيف اختلف العالم في نظرك في هذه اللحظة الإبداعية مقارنةً ببداياتك ؟
ربما لم يختلف العالم، بقدر ما اتضحت الصورة أكثر، وازدادت الخبرة، ولكل مرحلة جمالها، فالبدايات دائما متدفقة، فتيّة، وتمتلك عنفوانها الخاص، لكنها لم تكن ترى من العالم أكثر من موضع القدم، بينما العالم الإبداعي في المرحلة الحالية يتسم بشيء من الثقة والهدوء، والتأمل، وتتضح فيه علامات الحكمة، خاصة بعد أن تم الاستقرار على شكل الكتابة، وعلى الأسلوب وعلى اللغة، الآن صار يحكمني الوعي، والقدرة على اتخاذ قرار، وأصبح للتراكم الإبداعي دور في وضوح ملامح مميزة للمشروع الأدبي والروائي، حيث اتضحت الفلسفة الرئيسية جنبا إلى جنب مع الملامح العامة للكتابة التي أضفت نوعا من الخصوصية لي وصارت حدود مشروعي الروائي واضحة المعالم، بالطبع لم أكن في بداية الطريق مدركا لكل ذلك، لكن الرؤية بالتراكم اتضحت شيئا فشيئا، واتخذت الكتابة عندي شكلا معينا وسيطرت عليها موضوعات بعينها، بما يمكن أن يشير في النهاية إلى إطار واضح لمشروع أدبي يخصني ويميزني عن روائيين مجايلين لي، وأيضا عن روائيين من الأجيال السابقة.
- كيف ترى الأدباء الشُبّان؟ وهل تتوسّم الخير في الجيل الأدبي الصاعد؟
الكتابة الروائية في أزهى عصورها، وهناك اتجاه كبير إلى كتابة الرواية والقصة القصيرة، خاصة من الشباب، وهذا أمر مبشر جدا، القليل منها كتابات عالية المستوى يمكن الرهان عليها، وأكثرها كتابات عادية تسعى إلى مجرد حجز مقعد في الساحة الإبداعية، يعني التواجد، لكن كتابات الشباب في معظمها لم تصل إلى رسم ملامح خاصة تتسم بها لا من حيث طرائق الكتابة ولا موضوعاتها، وهو ما يعود بالطبع إلى حداثة السن وقلة الخبرة، ويحتاج الحكم على هذا الجيل إلى وقت حتى تنضج هذه التجربة وتبين ملامحها الفنية مع العمل الثاني والثالث لكل أديب، وتتضح من ثم ملامح مشروعاتهم الأدبية.


-هل لديك مشروع أدبي جديد حاليًا ؟
أنا الآن بصدد وضع اللمسات الأخيرة لمجموعة قصصية بعنوان "أيام العباءة الفوشيا"، وهي مجموعة قصصية تلتقط المرأة الأثيرية، أو المرأة الحلم في كوادر قصصية أثيرية أيضا ومخملية تضفي على المرأة الواقعية مزيدا من التحليق والشفافية وتجعلها أقرب إلى المرأة المستحيلة أو المرأة الحلم التي تقيم في منطقة الشغف عند الرجل، وهي المنطقة الفاصلة بين العقل والقلب، بين الوعي واللاوعي.

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة