السبت 18 مايو 2024

الرئيس الفرنسي يرسم "خريطة طريق" لتعزيز الشراكة مع إفريقيا

الرئيس الفرنسي

عرب وعالم1-3-2023 | 12:21

دار الهلال

يبدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم جولة إفريقية تستمر حتى الخامس من مارس، تشمل أربع دول هي الجابون وأنجولا والكونغو وجمهورية الكونغو الديموقراطية، في فرصة لإثبات "استراتيجيته الجديدة للشراكة مع إفريقيا" والتي أعلن عنها في خطاب ألقاه أول أمس الاثنين أوضح فيه الخطوط العريضة لسياسة بلاده الدبلوماسية والعسكرية في القارة السمراء. 

وكان ماكرون قد أعلن في خطابه عن تلك الاستراتيجية الجديدة تشمل خفض أعداد القوات الفرنسية المتواجدة بعدة دول إفريقية، ويأتي ذلك على خلفية تراجع نفوذ فرنسا على الأراضي الإفريقية، حيث تواجه تحديا أمام صعود قوة الصين وروسيا بشكل رئيسي، وبالتزامن أيضا مع تزايد المشاعر المعادية لباريس في القارة.

وفي حديث خاص لمراسلة وكالة أنباء الشرق الأوسط في باريس، يرى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي ميشال أبو نجم ، أن ما أعلنه الرئيس الفرنسي إن كان على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو العسكري هو بمثابة "خريطة طريق لفرنسا لكي تتأقلم مع الأوضاع الإفريقية الجديدة"، حيث أن الجميع يعلم أن هناك منافسة قوية حتى في الدول التي كانت حقيقة مستعمرات فرنسية سابقة.

وأوضح أبو نجم أن هناك منافسة تأتي من الصين وهي منافسة اقتصادية ومالية بالدرجة الأولي، وهناك منافسة روسية وهي منافسة أمنية، فضلا عن المنافسة التركية حيث أن تركيا تسعى إلى مد نفوذها إلى القارة السمرء وبالتالي لم تعد القارة الإفريقية حكرا على الفرنسيين، الأمر الذي يدفع فرنسا إلى إعادة النظر ليس فقط في حضورها وإنما أيضا في استراتيجية تعاملها الجديدة. 

وأكد أنه "إذا استمرت الأمور على نفس الحال وبعد ما شاهدناه من أن فرنسا اضطرت إلى أن تسحب قواتها قوة برخان الفرنسية من مالي وهي كانت موجودة منذ عام 2014، ومن بوركينا فاسو حيث كانت لها قوة كوماندوز مهمتها ملاحقة الإرهابيين، هذا كله يدل على أن فرنسا إن لم تغير نهجها وتغير سياستها واستراتيجيتها فستكون هي الخاسرة، الأمر الذي يبين الأهمية التي يعطيها الرئيس ماكرون قبيل وصوله إلى القارة الإفريقية لشرح استراتيجيته الجديدة والتي يمكن وصفها بأنها خريطة طريق".

وردا على سؤال حول ما إذا كان هذا التغيير يصب في مصلحة الدول الإفريقية أم في مصلحة فرنسا فقط، قال المحلل السياسي إن المتعارف عليه في العلاقات الدولية أن هناك دفاعا عن المصالح وهو ما يشكل الهم الأول بالنسبة للسلطات أكانت فرنسا أو خارجها، وبالتالي فإن فرنسا من خلال تغيير استراتيجيتها أو سعيها إلى تغيير استراتيجيتها فهي تسعى بالدرجة الأولي للدفاع عن مصالحها، وهذا كان واضحا في خطاب الرئيس ماكرون، حيث قال إن علينا أن ندافع عن المصالح الفرنسية ولكن بطريقة مختلفة. 

وبالنسبة لإفريقيا، أضاف ميشال أبو نجم أنها اليوم واعدة على المستوى الاقتصادي ليس فقط لان النمو البشري والسكاني بها هو الأعلى في العالم، ولكن أيضا لأنها تمتلك إمكانيات عديدة من مواد خام أو إمكانيات الاستثمار وما إلى ذلك، وبالتالي إفريقيا تحتاج إلى الدول المتقدمة ومنها فرنسا كما أن فرنسا تحتاج إلى هذه الأصوات وبالتالي هناك مصلحة مشتركة للطرفين. 

لكنه شدد على أهمية ما سيتم ميدانيا وليس في التصريحات والإعلانات، مشيرا إلى أن "فرنسا تعاني في العديد من العواصم الإفريقية من موجة عدائية ومن دعاية سياسية تتهم فرنسا بأنها مستمرة في ممارسة السياسة الاستعمارية وكأن زمن الاستعمار لم ينتهي بعد، وبالتالي فإن رغبة الرئيس ماكرون في إظهار أنه يريد شراكة مع إفريقيا وليس مساعدات وليس فقط أصوات، وإنما يريد أن تكون إفريقيا شريكا لفرنسا في كافة الأمور الاستثمارية والمالية والعسكرية والاستراتيجية".

وأضاف نجم "إن قول ماكرون بأنه يريد تحويل القوات العسكرية الفرنسية المنتشرة في ست دول إفريقية، من قواعد عسكرية إلى أكاديميات عسكرية مهمتها تنشئة القوات المحلية والتدريب والمناورات المشتركة، يريد من ذلك كله أن يظهر أن فرنسا فهمت الرسالة وإنها تعمل بوحي ما فهمته من هذه الرسالة". 

وتابع أن بذلك فرنسا في المستقبل ستكون إلى جانب الدول الإفريقية وبناء على طلب الدول الإفريقية إن كان على المستوى الاستثماري أو المستوى الاقتصادي والتجاري أو الأمني والعسكري على وجه الخصوص. 

وأشار الكاتب الصحفي إلى استخدام ماكرون عبارات جديدة في الخطاب، ليحاول تغيير السياسة، قائلا : "هذه هي المرة الأولي التي يستخدم عبارات بهذا الشكل لأن سابقا تحدث عن الاستعمار وعن أسف فرنسا وعن رغبتها في التعويض عن ما حدث في سنوات الاستعمار ولكن في خطابه الأخير، تحدث عن قارة إفريقيا ككل وعرض خطته لهذه القارة".

وأفاد نجم أن من تابع مسار الرئيس الفرنسي منذ ولايته الأولي يرى أنه يريد أن ينتهي من الإرث الاستعماري، "نحن نرى ذلك من خلال حرصه كلما ذهب إلى بلد إفريقي بأن يكون له لقاء مع منظمات المجتمع المدني ومع الشباب والنساء وما إلى ذلك، لأنه يريد إيجاد علاقة قوية، بمعني أن علاقات فرنسا ليست فقط مع الحكومات القائمة في إفريقيا وإنما علاقاته أيضا بالمجتمع والسكان وبالأفارقة بشكل عام، وبالتالي ترجمة هذا التوجه الجديد يمر عبر اللغة واستخدام العبارات والكلمات التي تبين حقيقة الرغبة في التغيير". 

وردا على سؤال حول ما إذا كان هذا الحديث يمكن أن يقلل من حدة مشاعر المعاداة تجاه فرنسا، والتي تتأجج في بعض الدول الإفريقية، قال أبو نجم إن "خطابا وحيدا لن يغير من الأمور شيء، ولكن المهم ما سوف يكون بعد هذا الخطاب وبعد أن تعمل فرنسا إلى ترجمة التوجهات إلى خريطة الطريق وإلى أعمال فعلية ملموسة على أرض الواقع، على جميع الأصعدة"، مشيرا إلى أن الخطاب الفوقي هو خطاب سيء جدا وسبق أن استخدمه رؤساء سابقين، لذا هذا الخطأ يريد ماكرون أن يتحاشاه". 

وحول أهمية هذه الجولة الإفريقية وإذا سيكون لها نتائج على روسيا، قال المحلل السياسي ميشال أبو نجم إن البلدان الأربع التي سيزورها ماكرون ثلاثة منها لم تصوت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على القرار الذي دعا موسكو إلي انسحاب قواتها من أوكرانيا ، وبالتالي فإن ماكرون سيسعى إلى تفسير وشرح أهمية أن تقف هذه الدول إلى جانب المواقف التي تدافع عنها فرنسا والغربيون وغيره من الغربيين بشكل عام، حول خطورة أن تعمد دولة ما كبرى كانت أو صغيرة إلى فرض إرادتها العسكرية على دولة أخرى. 

وأضاف: "ما يهم ماكرون أيضا في جولته هذه هو ما يسميه الأزمة الغذائية العالمية والتي يعتبر أن الحرب على أوكرانيا هي السبب الرئيسي ، وبالتالي أطلقت باريس منذ العام الماضي ومنذ بداية العمليات العسكرية الروسية، مبادرة من أجل توصيل الغذاء للدول الهشة وغالبيتها من الدول الإفريقية". 

ومن المنتظر أن يصل ماكرون اليوم إلى العاصمة الجابونية، وهي المرحلة الأولى من رحلته التي ستقوده بعد ذلك إلى أنجولا والكونغو وجمهورية الكونغو الديمقراطية. 

ففي ليبرفيل، سيشارك في "قمة الغابة الواحدة" المكرسة للحفاظ على غابات حوض نهر الكونغو، حيث يمثل 220 مليون هكتار من الغابات ويعد ثاني أكبر مساحة للغابات والرئة البيئية الثانية على كوكب الأرض بعد الأمازون. 

ويتوجه ماكرون بعد ذلك إلى لواندا لإطلاق شراكة إنتاج زراعي بين فرنسا وأنجولا ومنها إلى برازافيل، عاصمة الكونغو، وبعد ذلك يتوجه إلى المحطة الأخيرة من رحلته إلى كينشاسا، عاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث تستهدف زيارته "تعميق العلاقات الفرنسية الكونغولية في مجالات التعليم والصحة والبحث العلمي والثقافة والدفاع"، حسبما ذكرت الرئاسة الفرنسية. 

الاكثر قراءة