السبت 20 ابريل 2024

الصحافة ما بعد مرحلة «الذكاء الاصطناعي»

مقالات2-3-2023 | 09:15

لا تتغير قواعد الصحافة المهنية بتغير التقدم التكنولوجي وثورة المعلومات، لكن ما تقدمه ثورة المعلومات من أدوات حديثة تتناسب والوسائط الجديدة التي تحمل لنا «الخبر والتقرير والتحقيق و مقالات الرأي»، هي سلاح ذو حدين إما أن يساعد في الوصول إلي الحقائق بدقة، و يمنح الفرصة للقارئ أن يعبر عن رأيه في المحتوي المنشور علي المنصات الصحفية، أو يتحول إلي أداة للخداع تستخدم في نشر مواد مضللة للترويج لوجهة نظر بعينها أو صناعة رأي عام يخدم مصالح فئة بعينها. 

وللصحافة قواعد أساسية، تبدأ من مصداقية المعلومات، وتقديمها في حياد تام دون انحياز لأي طرف، وتوازن يضمن تواجد طرفي المعلومات ومنحهم نفس الوزن النسبي في التعبير عن وجهات نظرهم وان اختلف الصحفي مع أحد الطرفين، علينا إدراك أن الضمير المهني هو ما يحكم أداءنا وأن ما يضمن استمرارية المهنة هو العقد الأخلاقي المبرم مع القارئ، واحترام عقله والتعبير عنه بكل أمانة لدي مؤسسات صنع القرار. 

في نهاية نوفمبر 2022 كان ميلاد «تشات جي بي تي» وهو روبوت صنعته شركة «أوبن أي آي» يستخدم تكنولوجيا فهم اللغة الطبيعية، ويمكنه كتابة المقالات و القصص، و الاجابة علي الأسئلة العلمية، وفقا لما تداولته وسائل الإعلام المتخصصة في مجال التكنولوجيا، أما المصدر الذي يعتمد عليه هو الكتب المدرسية و المواقع الإلكترونية، وتمكن من جذب 100 مليون مستخدم نشط شهريا، بل أن هناك عدد من الشركات العملاقة في مجال التكنولوجيا تستعد لطرح أدوات مماثله له مثل جوجل التي تستعد بأداة «بارد» و تستعد شركة «بايدو» عملاق التكنولوجيا الصيني بطرح أداة ممثلة خلال مارس الجاري وفقا لوكالة رويترز. 

وبقدر ما تتوافر تلك الأدوات، ستكون المعلومات والتحليلات متاحة بشكل غير مسبوق أمام الصحفيين والقراء في آن واحد، لكن ما يمنح الصحافة الأفضلية هو التزامها بالمعايير المهنية، والضمير المهني، وقبل كل ذلك العمل بحرية، لأننا نشهد، حالة من غزارة طرح المعلومات، المدعومة بالصور والفيديوهات التي تصل للمستخدم في توقيت الحدث، بل إن أدوات الذكاء الاصطناعي سوف تتنافس حول دقتها، وتحسين أدوات الصياغة، بغية وضوح المحتوي وقدرتها المتقدمة في الإجابة على أسئلة تتعلق بالحدث محل طلب المعلومات. 

وفي ضوء تطور أدوات و وسائط عرض المحتوي الصحفي، يجب أن يتم تحديث مناهج كليات الاعلام، و تغير استراتيجيات المؤسسات الصحفية، وأجندتها التي يجب أن تعتمد على صناعة محتوي حقيقي يهم المتلقي، و ابداع قوالب جديدة، تستوعب قدرات الذكاء الاصطناعي، بمعني أكثر دقه خلق شخصية صحفية متميزة بالمصداقية، الحياد و التوازن، يمكنها أن تحمل رسالة ذات مستوي معرفي، بعيدا عما يتم تداوله في بعض المنصات الصحفية، من فيديوهات لا تحمل أي قيمة صحفية بحجة «الجمهور عاوز كده»، لأن الدور الحقيقي للصحافة هو دور تنويري. 

ويمكن للمتابع للتكنولوجيا وتطوراتها المتسارعة، أن يدرك تلك المرحلة التجريبية الحالية لأدوات الذكاء الاصطناعي، وما يصاحبها من تطور في صناعة الإعلام الغربي، وهنا لا أتحدث عن الشكل التقني، لكن عن تطور المحتوى وأساليب المعالجة وإتاحتها بشكل سريع للمتلقي، مما يساهم في خفض تأثير المحتوى المزيف والمضلل على صناعة الرأي العام.