الثلاثاء 16 ابريل 2024

"تلك آثارنا"(2) مركب الشمس

مقالات4-3-2023 | 14:33

أطلق المهدنس المصري العبقري الوزير "حم ايون" على الهرم الذي بناه ليكون قبراً للملك "خوفو" اسم "آخت خوفو" بمعنى "أفق خوفو" أو "مشرق خوفو"؛ لأن الملك كان يعتبر نفسه، ويعتبره المصريون القدماء، الإله "رع" إله الشمس على الأرض، شبيهاً للإله رع في السماء أو ممثلاً له، وبهذا تكون مقبرته هذه، أو هذا الهرم، هو الأفق الذي سيستقل منه الملك الإله، أو الإله "رع" الملك، مركب الشمس كي يبحر بها وتجدّف له النجوم، ويقتل بمجاديفها الأرواح الشريرة في العالم الآخر، فيقضي على الشر ويقدسه شعبه.

وهذا هو السر في العثور على مركب كبيرة في حفرة مسقوفة عند قاعدة الهرم الأكبر الجنوبية عام 1954، سميت مركب الشمس عثر عليها الآثاري المصري كمال الملاخ، وكانت مكتملة الأجزاء فلا ينقصها أي جزء ولكنها مفككةً إلى 1224 قطعة خشبية.

تم ترميم أجزاء المركب، وتجميعها، على أيدي خبراء ترميم مصريين، كان أشهرهم والمشرف عليهم الحاج أحمد يوسف رحمة الله عليه، واستغرق العمل في ترميم أخشابها، وتركيب أجزائها، وإعادة بنائها، 10 سنوات تامات. وبعد الانتهاء من العمل وجد أن طول المركب بلغ 43متراً تقريباً، وأقصى عرض لها كان 5.5 متراً تقريباً، وهي تشبه مراكب البردي، التي كانت شائعة في مصر القديمة وفي الصور الجدراية، ذات مجاديف مصنوعة من خشب الأرز الذي كان مجلوباً من لبنان، وتتكون المركب من مقصورة، وخمسة أزواج من المجاديف، واثنين من زعانف التوجيه، وسقّالة للرسو على الشاطيء.

سُميت المركب بمركب الشمس، وسُميت أيضاً سفينة خوفو، ووضعت بعد ترميمها في متحف خاص بها عام 1982 بجانب الهرم سُمِّي بمتحف مركب الشمس بجوار الهرم. وعثر في حفرة ثانية على مركب أخرى كاملة ومفككة عام 1987، وشُرع في استخراج أجزاء المركب الثانية من حفرتها في يونيو 2013م وربما ترى النور قريباً.

وعم مراكب الشمس، تروي الاسطورة المصرية القديمة أن الإله "رع"، الذي هو قرص الشمس، يكون طفلاً عن شروقه "خبري"، ثم رجلاً كاملاً عند الظهيرة "رع"، ثم عجوزاً في المساء "أتوم"؛ وأنه يركب مركبين، مركب بالنهار وأخرى بالليل، فيركب مركب النهار لتبحر به عبر السماء فيعبر بها النهار حيث يعلو في السماء، ثم يختفي عن الأنظار وقت الغروب، ويبدأ بعدها رحلة البحر السماوي خلال الليل في مركب الليل التي تبحر به في العالم السفلي، قبل شروقه مرة أخرى في يوم جديد.

والجدير بالذكر أن عبادة الشمس "رع" كانت منتشرة في شمال مصر بداية من عهد الملك "خوفو"؛ وتقديساً لـ"رع" نب الملوك أنفسهم إليه باعتبارهم أبنائه، وذلك منذ عهد الملك "خفرع" واستمر هذا التقليد في الألقاب الملكية حتى نهاية التاريخ المصري الفرعوني.

كان المقر الرئيس لعبادة "رع" في مدينة عين شمس "هليوبولوس" شمال البلاد، حيث كان يرأس التاسوع المقدس باسم "آتوم"، أما في الجنوب فكانت تغلَّبت عبادة المعبود "آمون"، ومع الوقت تم توحيدهما معاً في عبادة واحدة ومعبود واحد هو "آمون-رع". خلال الأسرة الثامنة عشر  (1550-1292ق.م تقريباً)، اتخذ أمنحوتب الرابع "اخناتون" من قرص الشمس إلهاً واحداً اسماه "آتون" وهجر عبادة "أمون-رع"، ورمز له بقرص الشمس الذي تخرج منه الأشعة لتهبَ الناسَ الخير، وذلك إلى أن مات وانتهت معه عبادة "آتون" فعاد الناس إلى عبادة "آمون" و"آمون-رع".

أما عن صناعة السفن في مصر القديمة فيمكن القول أن الملاحة كانت جزءاً أساسياً من حياة المصري القديم؛ باعتبار أن النيل هو شريان الحياة، وأن حدود مصر الشرقية والشمالية ما هي إلا مسطحات مائية تحتاج في ركوبها إلى السفن. وخلال العصور المصرية القديمة، كانت هناك أماكن دائمة لصناعة وبناء السفن تستعمل أخشاباً من مصر نفسها وأخشاباً من أرز لبنان، ونُظِّم النقل بالسفن بعناية، فكانت الجيوش، والغلال، والماشية، والأخشاب، والأحجار، والحجاج، ومواكب الجنازات، تُنقل بالسفن فى النيل والبحيرات والترع. وكانت هناك القوارب والسفن الصغيرة المصنوعة من حزم البردي منذ أقدم العصور، كما كانت لديهم سفن جميلة للنزهة مزودة بمقاصير وتدفعها عدة مجاديف. تسير تلك السفن بالمجاديف، مجموعة منها على كل جانب، وشراع على هيئة شبه منحرف مثبت بحبلين، ويعمل من المؤخرة بحبلين رئيسيين فوق سارية مزدوجة أو مفردة قابلة للطى غالباً. ويعمل مجداف واحد مثبت فى المؤخرة، عمل الدفة، أو يحل محلها مجدافان واحد على كل جانب من مؤخرة السفينة، ويرتكزان على المؤخرة كما لو كانا رافعتين.

ويعرض المتحف المصري قاربين للملك سنوسرت الثالث، عثر عليهما في دهشور. وعثر بمقبرة الملك توت عنخ آمون على 35 نموذجاً خشبياً لقوارب متنوعة؛ بعضها بمقاصير ملونة لراحة الملك وحاشيته.كما تحتفظ العديد من المتاحف العالمية مثل المتحف المصري بالقاهرة، ومتحف الفنون الجميلة ببوسطن، والمتحف البريطاني، ومتحف المتروبوليتان بنيويورك، بالعديد من نماذج خشبية للمراكب والقوارب في مصر القديمة أغلبها يعود إلى عصر الدولة الوسطى (2050-1710 ق.م تقريباً).