نعاه الزعيم جمال عبدالناصر بقوله: «استشهد المقاتل الذى يمتلك همة الأبطال»، وأصدر ناصر قرارًا باعتبار يوم استشهاده «9 مارس» يوم للشهيد، تكريمًا له ولكل شهداء الوطن.
54 عامًا مرت على وفاة الجنرال الذهبى عبدالمنعم رياض الذى استشهد وسط جنوده وفى المواقع الأمامية على خط المواجهة الأول لا يفصله عن العدو الإسرائيلى سوى 150 مترًا عرض قناة السويس عند نقطة المعدية رقم «6» بالإسماعيلية أثناء حرب الاستنزاف ضد إسرائيل.
انفجرت قنبلة العدو الإسرائيلى عندما كان يتابع مع جنوده الاستعدادات العسكرية ومعارك حرب الاستنزاف يوم 9 مارس 1969. واليوم المفترض أن نحتفل بالعيد الذهبى ليوم الشهيد تخليدًا لكل الشهداء وعلى رأسهم الجنرال الذهبى، وذلك بمناسبة مرور 51 عامًا، حيث استشهد الرجل الذى كان يخطط، وهو رئيس لأركان حرب القوات المسلحة، من أجل تدمير خط بارليف بعد أن ساهم فى بناء الجيش المصرى عقب هزيمة 67، هذا النموذج للمقاتل المصرى والبطل الذى يستشهد وسط جنوده فى الميدان وفى الخطوط الأمامية ثابتًا.
وارتفع اسم عبدالمنعم رياض عاليًا باعتباره أبوالشهداء المصريين لكونه نموذجًا فريدًا، حيث شارك فى معارك مصر الوطنية أعوام 48 و56 و67 وحرب الاستنزاف، كما استحق بجدارة أن يحصل على مجموعة من الأوسمة العسكرية لتكريم مواقفه، منها «وسام الجدارة الذهبى عام 1984، وسام الأرز الوطنى والكوكب الأردنى باعتباره قائد القوات العربية الموحدة، فضلًا عن وسام نجمة الشرف العسكرية.
وقد أُطلق عليه «الجنرال الذهبى» لجسارته وعزيمته وهو ابن الفلاح المصرى وقرية سبرباى بمحافظة الغربية، وقد خلّده الشعب المصرى العظيم بإطلاق اسمه على عدد من الميادين فى محافظات الإسماعيلية، وبورسعيد، والبحر الأحمر، وسوهاج، والأقصر، والقاهرة.
كما قدم له التحية الكابتن غزالى بالسويس من خلال أغنية فرقة أولاد الأرض التى قال فيها «رياض مامتش وعن مبادئه مفيش رجوع.. عاش الشعب المصرى ثائر يكره الدموع».. كما أُطلق اسم عبدالمنعم رياض على العديد من المدارس فى عدد كبير من المحافظات، منها الإسكندرية، والبحيرة، والبحر الأحمر.. وغيرها، ويقف تمثاله الرمز فى الميدان الذى يحمل اسمه بجوار ميدان التحرير «ميدان الثورة»، وقد خرج الشعب المصرى فى جنازة شعبية وعسكرية مهيبة لوداعه.
إن قيمة الجيش المصرى العظيم ستظل غالية باعتباره الدرع والسيف والمدافع عن الوطن تأكيدًا للمادة 200 من الدستور التى تنص على أن «القوات المسلحة ملك الشعب مهمتها حماية البلاد والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها»، وستظل عظمة القوات المسلحة أنها متفردة بأهدافها طبقًا للدستور، مدافعة عن الوطن، وتعمل بانفراد وطنى راقٍ فى حماية البلاد وحتى مقاومة الإرهاب، وهذا ما يميز قواتنا المسلحة، أنها متفردة بأهدافها بعيدًا عن الحياة السياسية والحزبية.
إن شهداء الوطن من أبناء الشعب المصرى المدنيين والعسكريين من القوات المسلحة أو الشرطة المصرية، باعتبارها هيئة مدنية نظامية مسئولة عن الأمن الداخلى للبلاد وحماية الشعب والسهر عليه من أجل الأمن، وسيظل الشهداء الذين قاموا بدورهم دفاعًا عن الوطن ضد الأعداء من الخارج وضد الإرهاب والتطرف قيمة غالية.
إن منزلة الشهداء قد ذكرها الله فى القرآن الكريم بمكانة عالية، كما أن الدستور المصرى فى المادة «16» قد أكد حقوق الشهداء حينما ذكر: «تلتزم الدولة بتكريم شهداء الوطن ورعاية مصابى الثورة والمحاربين القدماء والمصابين وأسر المفقودين فى الحرب وما فى حكمها ومصابى العمليات الأمنية وأزواجهم وأولادهم وتعمل الدولة على توفير فرص العمل لهم»، وقد اهتم العديد من الشعراء والأدباء بتقدير الشهداء بالكثير من القصائد والأعمال الأدبية والفنية من خلال السينما المصرية، وهنا نتذكر قصيدة الشاعر الفلسطينى محمود درويش:
عندما يذهب الشهداء إلى النوم أصحو
وأحرسهم من هواة الرِّثاء
أقول لهم
تصبحون على وطن
من سحابٍ ومن شجر
من سرابٍ وماء
أهنِّئُهُم بالسلامةِ من حادثِ المُستحيل
ومن قيمة المذبح الفائضة
وأسرقُ وقتًا لكى يسرقونى من الوقتِ
هل كُلُنا شهداء؟
وأهمس
يا أصدقائى اتركوا حائطًا واحدًا
لحبال الغسيل
اتركوا ليلةً للغناء
اُعلِّق أسماءكم أين شئتم فناموا قليلًا
وناموا على سلم الكرمة الحامضة
لأحرس أحلامكم من خناجر حُراسكم
وانقلاب الكتاب على الأنبياء
وكونوا نشيد الذى لا نشيد له
عندما تذهبون إلى النوم هذا المساء
أقول لكم
تصبحون على وطنٍ
حمّلوه على فرس راكضة
وأهمس
يا أصدقائى لن تصبحوا مثلنا
حبل مشنقةٍ غامضة.
ونحن نحتفل بيوم الشهيد فإننا لا بد أن نؤكد على:
1- أن يتحول العيد الذهبى ليوم الشهيد المصرى إلى يوم لاحتفال حقيقى فى جميع مدارس الوطن، خاصة طابور الصباح، تخليدًا لهم وإرساء لقيم الإيثار وحب الوطن.
2- أن يتم نشر مجلد يشمل أبرز شهداء الوطن من المدنيين والعسكريين جيشًا وشرطة.
3- اهتمام الإعلام المصرى بقيمة هذا اليوم من أجل نشر قيم المعارك الوطنية والذود عن الوطن.
4- الاهتمام الواقعى بأسر الشهداء والمصابين فى العمليات الحربية والثورة إنفاذًا لحق الشهداء المنصوص عليه دستوريًا.
5- تطوير الشوارع والميادين والمدارس التى تحمل أسماء الشهداء بالتجميل والنظافة المناسبة لمنزلة الشهداء.
6- وضع سيرة ذاتية للشهداء فى مداخل كافة المدارس التى تحمل أسماء الشهداء حتى يتعرف الجيل الجديد عليهم ولأنه من العار والعيب أن يجهل طلاب المدارس أسماء شهداء المدارس التى يتعلمون فيها.
7- أن تهتم المحليات فى جميع المحافظات والقرى بإنشاء سجل شرف لشهداء كل محافظة على أن يكون فى متناول أبناء كل محافظة ويتم طباعته شعبيًا.
8- الاهتمام بمتاحف الشهداء وما أطلق عليه حدائق الشهداء بالمحافظات بشكل لائق، سواء بوضع صور الشهداء أو تماثيل نصفية لهم مع تطوير تلك المتاحف أينما وُجدت فى المحافظات.
وبعد.. فإنها قيمة الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من أجل أن نحيا جميعًا ويبقى الوطن خالدًا. ولعلنا جميعًا نتذكر قول الله تعالى: «وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ» صدق الله العظيم.