الخميس 16 مايو 2024

سلوم فى الصين!

30-8-2017 | 17:32

 

علاقتى بالشيشة علاقة حتى النفس الأخير، ليس هذا جيدا، وينصحنى عمى صلاح منتصر بالاقلاع، التدخين مثل ذنب سألت الله ألا يغفره، ربنا يتوب علينا جميعا، وانصح بالإقلاع تمامًا وفورا، الشيشة فيها سم قاتل!

واتقفى الأبحاث والدراسات التى تهتم بالمعسل من باب العلم بالشيشة، وأصبحت ضليعا فى تاريخ التبغ المصرى، وأحفظ عن ظهر قلب قصة تاجر دخان اسمه محمد على باشا، فتى يتيم، ألبانى الأصل، وُلد فى مدينة «قولة» المقدونية، رباه عمّه ليكبر، ويعمل فى جباية الأموال قبل أن يصبح تاجرًا للدخان.

تاجر الدُخان الألبانى، أصبح فيما بعد محمد على باشا، بعد الضنى لابس حرير فى حرير، واليا على مصر، ومؤسس الأسرة العلوية، ومؤسس مصر الحديثة، لكن جودة التبغ المصرى لم تغادر خياشيمه، وأرباحه لم تخْفَ عن عين تاجر الدخان المُحنّك، لذا احتكر الصناعة فى أوائل القرن الـ١٩، وانتشرت زراعة التبغ فى أنحاء البلاد، وذاع حينها صيت التبغ المصرى عالميًا، وازدهرت صناعة السجائر فى مصر وإلى الآن.

وشهدت صبيا صناعة التبع الخام فى فرع الشركة الشرقية للدخان فى منوف، وزرت لاحقا المقر الرئيس فى مدخل شارع الأهرامات وقضيت أوقاتا مثيرة فى مصنع الدخان، وصحبت «الخرمنجية» الذين تخصصوا فى معايير ومقادير المزاج المصرى، ولهؤلاء قصة يطول شرحها.

وصرت مهتما باقتصاديات التبغ، وأكثر اهتماما باقتراح صديقى الدكتور محمود عمارة بزراعة التبغ فى الأراضى الجديدة، وكيف يمكن أن نكتفى استهلاكا ونصدر تبغا، واتقفى أرقام التصدير كل حين، هناك زيادة مضطردة، الشركة «الشرقية للدخان إيسترن كومبانى» تنشر أن إجمالى صادرات السجائر خلال عام ٢٠١٦/ ٢٠١٧ بلغت ١١٤ مليون سيجارة، و١٦٥٧ طن معسل، بـ١٠٣ ملايين جنيه تصديرا.

وصككت تعبير «القوى المعسلة» وهو تعبير يخص كاتب هذه السطور لم يسبقه إليه أحد المدخنين، والقوى المعسلة اخت غير شقيقة للقوى الناعمة، ولها قصة تستحق أن تروى تسجيلا وإهداء للمدخنين.

 القوى المعسلة (سجائر ومعسل) ضمن الحزمة التصديرية المصرية، القوى المعسلة تتوغل، تسيطر، ‏تهيمن مصريا، وتتسلل عالميا، لاتحدها حدود، ‏عابرة للقارات والبحار والمحيطات، تتمدد باتساع ‏العالم،‎ ‎وتغزو عواصم ومدنًا عتيدة من أسمرة جنوبا ‏إلى لندن شمالا، من نيويورك غربا إلى‎ ‎شنغهاى شرقا، وكلها تدخن «معسل مصرى»‎.‎

ما لا يخطر على قلب بشر من مدخنى «الشيشة» التى ‏يقال لها دلعا «أرجيلة»، أنها وصلت‎ ‎إلى الصين، وغزت ‏العاصمة بكين، وبلغت شنغهاى، وتُقدم فى مقاهى ‏شنغهاى العربية، على بابا وألف ليلة ‏وليلة (وللأخير فرع فى شنغهاى وآخر فى بكين).

‏والمقهى‎ ‎الشنغهاوى يمزج ما بين الشرقى والصينى فى ‏كل شىء من الطعام إلى الغناء وحتى الرقص‎ ‎الشرقى ‏حتى الصباح، الذى تقدمه فاتنات صينيات كل منهن ‏تطلق على نفسها اسم راقصة‎ ‎مصرية تيمنًا، فهناك ‏سهير زكى وانج يو، وهناك دينا يونج، وأخريات،‎ ‎الألبوم الأخير لعمرو دياب بتاع برج الحوت لم يصل بعد ‏إلى شنغهاى، وعلمت أنه فى طريقه إلى سور الصين العظيم‎.‎

فى شنغهاى تحس انك فى السيدة زينب، وكأنك على مقهى «حلاوة» فى المنيرة، يخيرك النادل ‏الصينى بين أصناف المعسل المصرى،‎ ‎الذى صار ذا ‏شهرة عالمية، وينطقها بلكنة صينية عجيبة، حروفها ‏مبتورة، تفاح أم سلوم،‎ ‎سلوم فى الصين، أحمدك يا ‏رب، القوى المعسلة تغزو العالم، الشيشة ‏المصرية تتألق،‎ ‎إذا كانت الصين تغزو مصر باللب ‏الصينى، شبيه اللب السورى، ويحقق مبيعات خرافية ‏فى‎ ‎ليالى الصيف المصرية، فإن معسل السلوم صار ‏علامة تجارية فى المقاهى الصينية فى‎ ‎تكرار وبنفس ‏السيناريو الذى حدث فى المقاهى الباريسية واللندنية ‏والنيويوركية‎ ‎والرومية (نسبة إلى روما)، وإن كانت ‏الأخيرة لاتزال تعيش مرحلة معسل التفاح‎ ‎بأنواعه، لم ‏يصلها السلوم بعد وعلى وعد‎.‎

القوى المعسلة تحقق لمصر ‏مكاسب تصديرية كما اسلفنا ١٠٣ ملايين جنيه، ‏الرقم لا يساوى شيئا مقارنة بـ٩٩٠ مليون جنيه تبغا مستوردا، سجائر وبفرة ومعسل بأنواعه، المصريون ‏حطموا الأرقام القياسية فى استهلاك التبغ،‎ ‎وينفردون ‏بالمعسل صناعة وتدخينا دون سواه، صار المعسل مرغوبا فى أماكن ‏يصعب الوصول إليها، ليس‎ ‎أغرب من وجود المعسل ‏فى أسمرة فى إريتريا فى مقاهى الميدان الشهير «حنتى مكسيموس اسكوير»، يعنى ‏ميدان الفاتح‎ ‎من سبتمبر فى وسط العاصمة، كما أنه ‏متوافر فى روما القديمة، وأيضا فى مقهى «كايرو» فى‎ فريجينيا ‎ضواحى واشنطن العاصمة‎.‎

الحكومة البريطانية تتسامح مع مقاهى ‏الشيشة فى ايدجول رود (شارع المقاهى‎ ‎العربية) وإن كانت منعت التدخين خارج المقاهى على ‏الرصيف، ‏الشيشة‎H‎ايضا غزت الرصيف الباريسى منذ زمن بعيد‎.‎

القوى المعسلة تغزو العالم ‏بأسره شرقا وغربا، أخيرا جاءتنا فرصتنا لغزو الغزاة، ‏والتأثير فى المزاج العالمى، ‏وكما غزونا بالمارلبورو كيف رعاة البقر الامريكان فلنغزوهم بالسلوم كيف العناتيل المصريين.

 لابد من تسجيل معسل السلوم عالميا حتى لا يتم‎ ‎السطو ‏عليه، كما سطت اليابان على الملوخية الخضراء، أخشى ‏أن يخرج علينا أحدهم ويسجل‎ ‎معسل السلوم ويعيد ‏تصديره إلينا بأرخص الأسعار، أخشى أن هناك «معسل صينى» بلغ القاهرة، حتى المعسل اخترعوه فى معامل بكين!