• جمعت الهيئة المصرية للكتاب أعمال بيرم التونسى فى 12 مجلدًا، وعلى الرغم من ذلك، فإنها لم تضم الأعمال الكاملة لأن بعض كتاباته على مدار رحلة حياته لم توثّق بشكل كامل
• نشرت جريدة الأهالي قصيدة «المجلس البلدى» فساهمت فى زيادة توزيع الجريدة لآلاف النسخ، رددت جماهير الإسكندرية قصيدة بيرم وصار اسمه حديث الناس فى المدينة
• كان بيرم يضطر عند عزوف الصحف عن نشر كتاباته، إلى أداء بعض المهن الأخرى، مثل قيامه بصنع الحلويات والطواف بها على الباعة لاكتساب القوت
• ما إن وصل بيرم التونسى إلى القاهرة حتى تقدم بالتماس إلى القصر بواسطة مدير دار الأوبرا الملكية، الفنان سليمان بك نجيب، فصدر العفو عنه مقابل أن يكتب زجلا في مدح الملك
« أنا المصري كريم العنصرين.. بنيت المجد بين الأهرمين.. جدودى أنشأوا العلم العجيب.. ومجرى النيل في الوادى الخصيب.. لهم في الدنيا آلاف السنين.. ويفنى الكون وهما موجودين.. وأقول لك على اللي خلاني.. أفوت أهلى وأوطاني.. حبيب أوهبت له روحي.. لغيره لا أميل تاني».
كتبها بيرم التونسى، وغناها سيد درويش في الأوبريت الغنائي «شهرزاد»، بعد أن منعت الرقابة اسمها الأول «شهوزاد»، في إشارة لشهوات العائلة المالكة فى مصر.
عُرف بيرم التونسي (1893-1961) بـ«شاعر الشعب وهرم الزجل»، واستطاع بإتقانه الشديد وموهبته القوية الفياضة التي غزت قلوب الناس من جميع الفئات من مثقفين وعامة الشعب، أن يخيف شعراء الفصحى ويقلقهم، لدرجة أن أمير الشعراء أحمد شوقي قال عنه «أنا لا أخاف على الشعر العربي طغيان أحد أو شىء إلا بيرم وأدبه الشعبى».
ربما كان من أهم ما يميّز بيرم ليس فقط غزارة إنتاجه وإنما تنوعه، سواء من ناحية الموضوعات التي تناولها في أشعاره أو من ناحية تمايز القوالب التي استخدمها لتوصيل أفكاره للناس بين الشعر والسيناريو وحتى الكتابة الصحفية.
تنوع إنتاج بيرم الفنى ما بين أغانى الحب والكتابات التي تدعم النضال الوطني والأشعار التي تنتقد الأحوال المعيشية، إضافة إلى وجود جزء كبير من كتاباته مرتبط بالتراث الشعبى. فمن أشهر أعماله، ملحمة «الظاهر بيبرس» وأوبريت «يا صلاة الزين» المستوحى من السيرة الهلالية عن قصة عزيزة ويونس، الذي ما زال يتردد على ألسنة الناس حتى يومنا هذا. وإضافة إلى ذلك، كان أول من كتب فوازير رمضان في العالم العربى كله والتي قدَّمتها آمال فهمى فى الإذاعة المصرية وأول من كتب المسحراتى لمحمد فوزى، ومن بعده سيد مكاوى، فكان العملان من علامات شهر رمضان في مصر على مدار عشرات الأعوام وحتى الآن.
ترك بيرم التونسي إرثًا كبيرًا من كلماته التي ما زال كثير منها باقيًا في وجدان الناس حتى الآن. جمعت الهيئة المصرية للكتاب أعمال بيرم التونسي في 12 مجلدًا، وعلى الرغم من ذلك، فإنها لم تضم الأعمال الكاملة لأن بعض كتاباته على مدار رحلة حياته لم توثّق بشكل كامل.
المجلس البلدى
كان بيرم صاحب العشرين عامًا قد أسس للتو تجارته -محل صغير للبقالة– في حي الأنفوشي بمدينة الإسكندرية، عندما هاجمه «لصوص المجلس البلدى»، الذي كان أغلب موظفيه من الإنجليز، فارضين عليه وعلى جيرانه من الباعة وأصحاب المحال الصغيرة، الضرائب التي قصمت ظهورهم، وامتصت عرقهم.
انفجر محمود محمد مصطفى بيرم الحريرى، والذي سيعرف بعد ذلك بـ«بيرم التونسى»، منشدًا قصيدته الأولى -«المجلس البلدى»- والتي عَرفت جمهور الإسكندرية بل وجمهور مصر كله على شاعر سيكون ولعقود طويلة المُعبر الأصدق عن أوجاعهم:
إذا الرغيفُ أتى فالنصفُ آكُلُهُ
والنصفُ أتركُه للمجلس البلدي
وإنْ جلستُ فجَيْبِي لستُ أتركُهُ
خوفَ اللصوصِ وخوفَ المجلسِ البلدى
وما كسوتُ عيالى في الشتاءِ ولا
في الصيفِ إلاَّ كسوتُ المجلسَ البلدى
كَــأنَّ أٌمّى بَلَّ اللهُ تُربتها
أوصَتْ فقالت: أخوك المجلس البلدى
يا بائعَ الفجلِ بالمِلِّيـمِ واحدةً
كم للعيالِ وكم للمجلسِ البلدى»
نشرت جريدة «الأهالي» في صفحتها الأولى قصيدة «المجلس البلدى» فساهمت في زيادة توزيع الجريدة لآلاف النسخ، رددت جماهير الإسكندرية قصيدة بيرم وصار اسمه وأشعاره، حديث الناس في المدينة.
لم يكن هؤلاء الناس سوى الفقراء الذين كان بيرم واحدًا منهم، فلمس بشدة مشكلاتهم، وأوجاعهم التى عرفت طريقها إلى قلبه الصغير، منذ وفاة والده وهو في الثانية عشرة من عمره، واستيلاء أبناء عمه على حقه في مصنع الحرير الذى أسسه جده التونسى الأصل، والذى طاب له المقام فى مصر مستقرا بالإسكندرية.
لم يكن قد حل بعد، منتصف عام 1919 حتى قرر بيرم التونسى، ترك الإسكندرية والانتقال إلى القاهرة، ليصدر العدد الثاني من جريدته «المسلة» من وسط العاصمة، وخلال أكثر من 10 أعداد هاجم أعداء الثورة وأعداء زعيمها سعد زغلول، ابتداء من الشيخ محمد بخيت مفتي الديار المصرية الذي عارض سفر سعد زغلول لمفاوضة الإنجليز من أجل الجلاء، إلى مهاجمة الاستعمار والسلطان فؤاد.
القرع والمنفى!
مع انتشار جريدة «المسلة» ونجاحها، سطع نجم بيرم التونسى، فطلب منه سيد درويش تأليف رواية لتقدمها فرقته، فكتب له مسرحية «شهرزاد» التي تنتقد الأسرة المالكة، في الوقت الذي واصل فيه أعداد جريدته بأشعاره ومقالاته اللاذعة للسلطان والإنجليز، فأمر السلطان فؤاد بإغلاقها، ليواصل بيرم تحدى السلطان ويصدر جريدة جديدة تحت اسم «الخازوق» وينشر فى صدرها قصيدة بعنوان «البامية الملوكى والقرع السلطانى».
اعتبر السلطان فؤاد قصيدة «البامية الملوكي والقرع السلطاني»، التي تتحدث عن شهوات الأسرة المالكة وبذخهم وعربدتهم، خوضًا في عرض ابنته الأميرة فوقية، وكان حساب بيرم قد ثقل عند السلطان فقرر نفيه.
عند صدور قرار نفي بيرم ونتيجة لكونه من أصول تونسية، كان خاضعًا للحماية الفرنسية وليس للسلطة المصرية أو لسلطة الإنجليز الذين كانوا يحتلون مصر وقتها. وبناءً على ذلك، صدر قرار بنفيه إلى فرنسا، فانتقل إلى تونس.
خلال إقامته في تونس أعمل بيرم قلمه، وأشفى غليل الناس من الاستعمار بما كتبه من مقالات سياسية جريئة، تناولت بالنقد المباشر وغير المباشر السلطة الاستعمارية وأعوانها من أجانب وتونسيين، فجعل بذلك الجرأة والإقدام والنضال من مبادئ الكتابة، ومن صفات الكاتب ورجل الفكر، وشد أزر جميع المواطنين التونسيين، وجاهر بموالاته لأهم حزب تونسى وطني مكافح وهو الحزب الدستورى الحر.
وفي الإجمال، ظهر إنتاج بيرم الأدبي في الصحف والمجلات التونسية التي أشرف عليها أو أصدرها أو ساهم في تحريرها كثيرًا أو قليلًا، وهي على التوالي صحف ومجلات: «الزمان»، و«السرور»، و«الشباب»، و«السردوك»، و«القلم الحُر» ومجلة «الجامعة».
وبينما نجد معظم إنتاجه يتركز في جريدة «الزمان» التي كان ترأس تحريرها فترة طويلة من الزمن، وجريدة «الشباب» التي أصدرها بنفسه، نجد بعض إنتاجه الآخر موزّعًا بين «السردوك» التي شارك في تحرير عددين من أعدادها فقط، وجريدة «السرور» التي شارك في كتابة بعض المقالات والمقامات القليلة فيها. في المقابل، لم ينشر في جريدة «القلم الحُر» ومجلة «الجامعة» إلا عملين أدبيين، صدر أحدهما في «الجامعة» بعد إبعاده عن تونس ببضعة شهور، وصدر الثاني بعد رحيله عن تونس بنحو السنة.
ويمكن الرجوع في تفاصيل أعمال بيرم التونسي الأدبية وغيرها في تونس، إلى كتاب د. محمد صالح الجابري «محمود بيرم التونسي في المنفى: حياته وآثاره» (دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1987).
والمتأمل في الإنتاج الوافر المتعدد الجوانب لبيرم التونسي في منفاه، يتراءى له ما يلي:
1- أن فترة إقامة بيرم في تونس كانت حافلة بالعطاء الفكري والأدبي، وأنه لم يكن يتيح لنفسه فرصة الراحة أو الاستجمام، وقد يكون مرد هذه الوفرة أن الكاتب كان مجبرا على الإنتاج المتواصل؛ لأنه مورد رزقه الوحيد، وأنه كان يضطر عند عزوف الصحف عن نشر كتاباته، أو استكتابه فيها يأبى الكتابة فيه من موضوعات لا تتماشى وأفكاره إلى أداء بعض المهن الأخرى، مثل قيامه بصنع الحلويات والطواف بها على الباعة لاكتساب القوت، أو العكوف على كتابة الأغانى، والأزجال والمسرحيات والسيناريوهات السينمائية، وإرسالها إلى بعض الفنانين المصريين للحصول منهم على بعض المال الذي كان بحاجة إليه للتغلب على صعوبات العيش.
2- الشاهد أن بيرم تغلغل منذ الوهلة الأولى لوجوده في تونس في أعمق أعماق هذا الشعب وتعرف على أخص خصائصه، وشام بحدسه الملهم تطلعاته ولمس جراحه وتحسس مواطن عطبه، وتكشف عن أسباب تخلفه وعوامل نكبته، فعمل جاهدًا من خلال ما كتب وأنتج على تخفيف هذه المحنة، عبر ما اتسم به هذا الإنتاج من سخرية، وفكاهة وإضحاك، ما أدى إلى إشاعة البسمة، وبث التفاؤل وشحذ الهمم.
3- على أن بيرم الذي كرس كل إنتاجه للشعب والدفاع عنه، لم يكن يُحجم أو يتهيب في كثير من الأحيان من مواجهة الشعب نفسه، وتوجيه سهام نقده لضروب الانحرافات التي كان يلمسها ويشاهدها في الحياة العامة للناس، وكان يعدها من أهم العوامل التي أفقدت الشعب قدراته وإرادته، وشلت عزيمته. ومثلما كتب عن الزعماء والأبطال والفنانين والممثلين، ورجال الدين، وتعرض للمجتمعات والعائلات، وصف لنا وصفًا دقيقًا حارات تونس وأحياءها وطرقاتها، وحرف الناس وصنائعهم وتجارتهم، بما في ذلك مواخيرها وبؤرها، وإشارات المرور، وحراس الليل، وكُناس الشوارع.
رحلة المعاناة
مع ذلك، ضاقت عليه تونس، ليسافر إلى فرنسا.
في فرنسا، تنقّل بيرم بين باريس ومارسيليا وليون وأمضى في منفاه فترة عصيبة من حياته وصلت لما يقرب من 16 عامًا.
عاش بيرم سنوات صعبة، لم يشهد مثلها في مصر رغم فقره ويتمه منذ كان في الثانية عشرة من عمره، فعمل في مصنع للحديد في ليون، لكنه تركه بعد إصابته، ومن عمل إلى آخر لا يدوم لأسابيع أو شهور، عانى بيرم من الضعف والبرد والجوع.
يخبرنا بيرم في مذكراته ببعض ما مر به:
«كنت أثناء الجوع أمر بمراحل لا يشعر بها غيرى من الشبعانين، كنت في البداية أتصور الأشياء وأستعرضها في ذاكرتي، هذا طبق فول مدمس، وهذه منجاية مستوية، وهذه يا ربي رائحة بفتيك تنبعث من عند الجيران، ثم أصل بعد ذلك إلى مرحلة التشهي، أثناءها تتلوى أمعائي، ويبدأ المغص، ويطوف الظلام حول عيني، وأتمنى من الله أن ينقلني إلى الآخرة فهي أفضل من هذا العذاب الأليم».
كاد أن يذهب الجوع بعقل بيرم، فيقول: «وأخيرًا تبدأ مرحلة الذهول وخفة العقل، فأطيل النظر إلى اللحاف الذي يغطيني، وتُحدّثني نفسي أن أكل قطنه أو أبحث عن بذرة للغذاء تحتوي على زيوت، وكان لا ينقذني من تلك الحال سوى معجزات، عندما أنهض كالمجنون أبحث في كل أركان الحجرة عن أي شيء فأعثر بالصدفة على كسرة خبز، أو بصلة».
يُعبِّر بيرم عما لقاه من فقر ومطاردة في مصر ـ وطنه الذي عاش فيه وأحبه، وخرج منه منفيًا، وما واجهه في موطنه الأصلي تونس من نكران الأهل وقسوتهم، وما شهده من مذلة وجوع في فرنسا، فينشد:
«الأولة: آه.. والتانية آه.. والتالتة آه
الأولة: مصر.. قالوا تونسي ونفوني
والتانية: تونس.. وفيها الأهل جحدوني
والتالتة: باريس.. وفي باريس جهلوني
الأولة: مصر.. قالوا تونسي ونفوني جزاة الخير
والتانية: تونس.. وفيها الأهل جحدوني وحتى الغير
والتالتة: باريس.. وفي باريس جهلوني وأنا موليير»
عودة العاشق
في عام 1922، رجع بيرم إلى مصر بعدما تلاعب في جواز سفره وأجرى تعديلًا على الاسم، ما مكنه من ركوب السفينة المتجهة إلى بورسعيد دون أن يلحظه أحد.
عاد بيرم إلى الإسكندرية خائفًا، فاختبأ لشهور، ثم ظن أنهم غضوا الطرف عنه فسافر إلى القاهرة، وواصل الكتابة في عدد من الجرائد باسم مستعار، ليتكسب بضعة جنيهات كل شهر يعيش بجزء منها ويرسل الجزء الآخر إلى أبنائه، بعد أن طلبت زوجته الطلاق وهو في المنفى وتزوجت بآخر.
لم يدم مقام بيرم في مصر، فقد شعرت السلطات بوجوه في البلاد، فتعقبته وألقت القبض عليه بعد عودته إلى مصر بحوالي 14 شهرًا. قررت السلطات ترحيله مرة أخرى إلى فرنسا، ليعمل شيالًا في ميناء مارسيليا، قبل أن يجد عملًا في شركة للصناعات الكيماوية، أصيب جراء العمل فيها بمرض الربو الذي ظل مصاحبًا له حتى وفاته.
انتقل بيرم إلى باريس، حيث بدت الأمور تسير إلى الأفضل، فهناك التقى بالفنان عزيز عيد الذي كان يزور فرنسا، فعرض على بيرم كتابة رواية مسرحية مقابل مبلغ أخذه مقدمًا فكتب رواية «ليلة من ألف ليلة»، التي نجحت نجاحًا كبيرًا، فاتفق معه عزيز عيد على كتابة أعمالٍ أخرى. وكتب بيرم المسرحية الثانية لفرقة عزيز عيد بعنوان «عقيلة» وأرسلها إلى القاهرة وانتظر خطابًا من عزيز عيد، لكن من دون جدوى.
ويقابل بيرم الملحن زكريا أحمد فى باريس فيعده ببذل كل جهده لإعادته الى القاهرة. ويعود بيرم إلى الكتابة للصحف المصرية فيراسل صحيفة «الفنون»؛ إذ كتب لها رائعته «يا بنت البلد لمي هلاهيلك.. والبرقع اللي انخرم ويا خلاخيلك.. ما شفت زيك سجين ساكت ومتاوي.. غلبت أقول للرجال خلوا المرة حُرة».
وحينما قرأ أحمد شوقي هذا الزجل علَّق عليه: «هذا زجل فوق مستوى العبقرية».
عانى بيرم التونسي في هذه الفترة من قلة المال، رغم هذا أنجز كتابين غاية في الأهمية أثناء إقامته في باريس هما: «السيد ومراته في باريس»، و«السيد ومراته في مصر». الأول من خلال حكاية قصة ابن الحارة المصرية الذي اصطحب زوجته إلى باريس، حيث يصطدمان بمظاهر الحضارة الحديثة، ويسخر بيرم من عيوب المجتمع المصرى والهوان الاجتماعى الذى يعيشه المصريون. أما الكتاب الثاني «السيد ومراته في مصر» فيدور حول ماذا سيحدث للزوجين عقب عودتهما من باريس إلى منزلهما في جزيرة بدران بشبرا؟ هل يغيران من سلوكهما بعد هذه الرحلة؟
في عام 1932 تم ترحيل بيرم التونسى من فرنسا إلى تونس بعد قيام فرنسا بطرد الأجانب وإعادتهم إلى ديارهم. وفي عام 1938 تنقل بيرم ما بين لبنان وسوريا واتصل به الزجال المعروف رمزى نظيم من بيروت،
وطلب منه مراسلة جريدة «الصاعقة»، فكتب لهم أول زجل بعنوان «غاندى» قال فيه: «السلام لك والسلامة.. من هنا ليوم القيامة.. يا اللي أظهرت الكرامة.. بعد عهد المرسلين.. ».
ويبدو أن نشاط بيرم التونسي في سوريا في ذلك الوقت لم يعجب السلطات الفرنسية فقررت إرساله إلى أى بلد في شمال إفريقيا لكي تستريح من كتاباته الساخرة.
وفي طريق المنفى وقفت الباخرة أمام ميناء بورسعيد، ونجح بمساعدة أحد البحارة في التسلل إلى داخل مصر في 8 أبريل 1938، وهي الفترة التي صاحبت انتخابات البرلمان الجديد، وكان الملك فاروق تربع على عرش مصر.
ما إن وصل بيرم التونسي إلى القاهرة حتى تقدم بالتماس إلى القصر بواسطة مدير دار الأوبرا الملكية، الفنان سليمان بك نجيب، فصدر عفو عنه.
وافق الملك في مقابل أن يكتب فيه بيرم زجلًا في مدحه، فكتبها بيرم على مضض.
وأصدرت وزارة الداخلية أمرًا بالعفو عنه بعدما نشر قصيدة بجريدة «الأهرام»، غلبت عليها المظلومية والشكوى من سنوات المنفى.
جاء العفو، فانفتحت أبواب الفنانين على أشعار بيرم، والتقى بالسيدة أم كلثوم، وقدَّما معًا أجمل أغانيها في الأربعينيات والخمسينيات مثل «شمس الأصيل»، و«الورد جميل»، و«أنا في انتظارك»، و«أهل الهوى يا ليل»، و«يا صباح الخير ياللي معانا ياللي معانا»، و«القلب يعشق كل جميل» التي وصف فيها رحلته لزيارة مكة المكرمة وأداء شعائر الحج.