الأربعاء 15 مايو 2024

بيرم التونسى.. عشق كل جميل


د. وفاء علي

مقالات10-3-2023 | 15:07

د وفاء علي

وصلت كلمات بيرم بسهولة ويسر إلى قلوب وأذهان كل الناس و كل طبقات المجتمع بعبقريته و بساطته، وأعجبت قصائده العامية كل من تعودوا على غناء القصائد الفصيحة من كوكب الشرق

تميز بيرم بغزارة إنتاجه وتنوعه من ناحيه الموضوعات وقوالب أشعاره حتي يستطيع توصيل أفكاره ورؤيته للناس شعراً كانت أو سيناريو فيلم أو حتى الكتابة الصحفية

لاشك أنها مصر الكبيرة الراقية هى أم الدنيا والكل يفسر أمومتها كيف يشاء، فهناك من يفسرها بشكل فسيولوجي أو أيدلوجي لكن المتحقق بالمثل يدرك معنى أمومة مصر التى تحتضن الكل والتى تبنت مئات الإبداعات عبر التاريخ الثقافى الطويل و لابد أن يكون المبدع حقيقياً كى يظهر وسط آلاف المبدعين فى أرض المحروسة فالكل يأتى إلى قلب التفرد والإبداع والتميز و مصر هى الفرازة التى تغربل الإبداعات، لقد أتى إلينا كثير من المبدعين العرب وفى مصر الكبيرة تذوب كل الفوارق والأصول وتبقى مصر الكبيرة الراقية تحتضن كل المبدعين سواء من داخل مصر أو خارجها وأحد أهم هؤلاء المبدعين بيرم التونسي ذلك العبقرى الذى زجل بشعر العامية و أشاد به أمير الشعراء أحمد شوقى وعبر عن كل موقف من مواقف الحياة بشكل ساخر بديع مما دفعه فى بعض الأحيان في مشاكل انتقاده بطريقة شعره العامى الساخر، أن هذا الشاعر لا يغيبه الموت وإنما حاضر في ذهن الناس بكلماته السلسة. ودوما هو من يخاطب أهل الهوى ليسألهم هو صحيح الهوى غلاب.

لا شك أن أى شخص فى مصرنا الغالية أو الوطن العربى تكلمه عن العامية شعراً أو تصف جمال العامية إلا قال إنه هرم الزجل بيرم التونسى الذى يعتبر رائداً لشعر العامية فى مصر و خطى على خطواته كل شعراء العامية من بعده ومنذ بدء بزوغ أوج فنه عام ١٩١٩ و ما بعدها والتي شهدت عظمة هذا الثنائي التاريخي الوطنى بيرم التونسى وسيد درويش الذى اندمج مع الحياة السياسية الوطنية فى هذه الحقبة المهمة من تاريخ مصر أم الدنيا. 

شهدت رحلة حياته أزمات عديدة جعلته وجعلت منه هذا الشاعر الحى بيننا إلى الآن فقد تم نفيه من مصر لمدة قاربت ١6 عاماً بعد أزمته مع الملك فؤاد بسبب أشعاره الذى كتبها لينتقد سياسات هذه الفترة ولكن لم يمنعه النفى من استمراره في الكتابة وألف فى منفاه أروع ما نسج من أشعاره وبعد ثورة ١٩٥٢ حصل بيرم التونسى على الجنسية المصرية عام ١٩٥٣ وقد كان من أشد المؤيدين لثورة يوليو وألقى بالإذاعة المصرية أول أشعار الثورة وعلى الرغم من مرور السنوات على رحيله إلا أن كلماته حاضرة فى الأذهان فى مصر والوطن العربى خصوصاً ما غنت به السيدة أم كلثوم کوکب الشرق بآهاتها لقد استحسن سماعها الجميع، لقد أبهر بيرم التونسي بأشعاره أمير الشعر العربى والشعراء أحمد شوقى الذى لم يخف على شعر الفصحى إلا من شعر العامية وصاحبه بيرم التونسى لسهولته، وتسربه إلى القلوب قبل العقول لقد شاءت الأقدار أن تصل أشعاره إلى وجدان الناس حتى يومنا هذا.

يقولون عنه بيرم التونسي وهو ليس بتونسى خالص وإنما ولد عام١٩٨٣ فى حى السيالة بالإسكندرية لأسرة ذات أصول تونسية تعلم فى الكّتاب أول أبواب العلم ثم التحق بالمدرسة الابتدائية ولكن لم يعط له القدر أن يكمل تعليمه وإنما اضطرته الظروف أن يبدأ العمل بعد وفاة والده وهو مازال فى سن مبكرة وكانت ملامح اهتمامه بالأدب والشعر واضحة فقد قرأ أمهات الكتب ومع ذلك عندما كتب عاميته الأولى كانت بعنوان المجلس البلدى التى ذاع صيتها بالإسكندرية كلها وطبع وقتها منها ٤ آلاف نسخة وهو عدد لا يستهان به فى ذلك الوقت ومن هنا برعت موهبة بيرم التونسى إلى كل الناس ومن بعدها توالت أعماله و ظهرت مطبوعته الجميلة المسلة إلا أن كلماتها لم تعجب السلطة آنذاك وانتقل بعدها إلى القاهرة ليبدأ مرحلة الإبداع الفذ بينه والعبقرى سيد درويش فقد سبقا عصرهما وكتبا أوبريت شهر زاد الذى لاقى نجاحاً وظلت كلماته فى قلوبنا إلى الآن. 

 أنا المصرى كريم العنصرين/ بنيت المجد بين الاهرمين

جدودى انشأوا العلم العجيب/ ومجرى النيل فى الوادى الخصيب

وإذا تحدثنا عن مراحل الازدهار فى حياه عملاق العامية فهى تقع فى مرحلة اللقاء الفنى بينه وبين السيدة كوكب الشرق وأثمرت إبداعاتهم الفنية عند 33 أغنية شدت بهم السيدة أم كلثوم وحققت الأغانى نجاحاً ساحقاً من شمس الأصيل إلى وهو صحيح الهوى غلاب ومن أهل الهوى إلى أنا فى انتظارك والحب كده وحبيبي يسعد أوقاته وكل الأحبة حتى بعد وفاته بعشر أعوام غنت له أم كلثوم القلب يعشق كل جميل عام 1971، لقد غير بيرم التونسى من مسار أغانى كوكب الشرق التى كانت مشهورة بقصائدها الفصحى ولكن مع بداية الأربعينيات تغير شدوها بأغانى بيرم التونسى التى أعجبت الصفوة والطبقة الراقية أيضاً والمثقفين والمهتمين بالفنون الذين تعودوا على غناء القصائد من كوكب الشرق ولكن بيرم بعبقريته وبساطته وصلت كلماته بسهولة ويسر إلى قلوب أذهان كل الناس وكل طبقات المجتمع ووثقت به الست وكتب لها سيناريو فيلمها سلامة وكذلك أغانى الفيلم. 

لقد تميز بيرم التونسي عبقرى زمانه فى العامية بغزارة إنتاجه وتنوعه سواء من ناحيه الموضوعات أو قوالب أشعاره حتي يستطيع توصيل افكاره ورؤيته للناس سواء شعراً أو سيناريو فيلم أو حت الكتابة الصحفية، لقد أحب بيرم التونس التراث الشعبى مثل ملحمة الظاهر بيبرس وأوبريت يا صلاة الزين المستوحى من السيرة الهلالية وكتب للإذاعة المصرية أول فوايز مصرية قدمتها المبدعة السيدة آمال فهمى وهو صاحب كلمات المسحراتى للفنان محمد فوزى ومن بعده الفنان سيد مکاوى والتى أصبحت من علامات شهر رمضان في مصر حتي الآن. 

لقد دفع بيرم التونسي بصديقه سيد درويش لمسارات إبداعية جديدة وتشهد عليه نشيد دقات طبول الحرب فى أوبريت شهر زاد . 

إنها حكاية بيرم الذى لم يكابر الذي لبى نداء الإيمان و كتب أغنية توبته القلب يعشق كل جميل وقد حدثه ربه طاوعنى يا عبدى طاوعنى أنا وحدى ما لك حبيب غيرى لا قبلى ولا بعدى.

سيظل بيرم التونسي فارس العامية الذى يعيش بيننا ونتذكره دوماً وعاشت مصر الحاضنة للإبداعات والمواهب والتى لا تفرق بين هذا أو ذاك إنها الكريمة الراقية مصر واجهة الحضارة والفنون والآداب