الأحد 24 نوفمبر 2024

مقالات

عزيز عيد.. المجدد والمطور والمظلوم في المسرح المصري


  • 10-3-2023 | 22:04

عزيز عيد

طباعة
  • عرفة محمود

عزيز عيد هو أول من اهتم بالمسرح بطريقة علمية صحيحة وتعامل معه على أنه فن له أصول وقواعد وضوابط ،كما اهتم بتفاصيل دقيقة مثل الديكور والإضاءة والصوت وغيرها

عزيز عيد أحد أعمدة المسرح في الثلث الأول من القرن العشرين ،فقد تتلمذ على يده الكثير من أساتذة المسرح المصري مثل نجيب الريحاني ، استيفان روستي ، محمود المليحي وفاطمة رشدي

قدم عزيز عيد مع فرقه رمسيس العديد من المسرحيات، وكان هو من يتولي تصميم الملابس والإشراف على الإضاءة، وأيضاً كان يختار الروايات التي تقدمها الفرقة

 

 

مع بداية شهر أكتوبر الماضي عُرض مسلسل "الضاحك الباكي" عن قصة حياة الفنان الكبير نجيب الريحاني أبو المسرح المصري بطولة عمرو عبد الجليل وفردوس عبد الحميد ومن إخراج محمد فاضل وتأليف محمد الغيطي ،ورغم حالة الجدل التي أُثيرت منذ أولي حلقاته (سواء من عدم المنطقة في أداء فردوس عبد الحميد وتجسيدها لدور أم الريحاني في جميع مراحل حياتها أو في إستظراف عمرو عبد الجليل الواضح أو المغالطات في كثير من الأحداث والتي لم تتطابق مع عصر الريحاني ) الا أن العمل لفت الإنتباه دون أن يدري إلى مجموعة من الشخوص في دائرة نحيب الريحاني لا نعرف عنهم الكثير رغم تأثيرهم المباشر والواضح ليس فقط على مشوار نحيب الريحاني وحده وإنما على الحركة المسرحية في مصر والوطن العربي بشكل عام

من ضمن هؤلاء يأتي الفنان والمخرج الكبير عزيز عيد الذى بصدد الكتابة عنه الأن ، ربما كان تواجده في مسلسل "الريحاني" غير كاف لنتعرف على هذا الرجل الذى أثرى الحركة المسرحية في مصر ،ومن الطبيعي أن يكون كذلك بالمسلسل عن نحيب الريحاني لكن مما لا يدع مجال للشك فإن عزيز عيد أحد أعمدة المسرح المصري بدون جدال ويمكنك أن تعتبره إمام الحركة المسرحية ومجددها فدورة معروف للجميع ،وحتي لا نطيل في المقدمة عن هذا المجدد المسرحي (المظلوم)وهنا أقصد الكلمة بمعناها ،لانه لم يحصل على التقدير المناسب لما قدمه سواءا في حياتة أو بعد وفاته ،دعنا نقول أنه أول من أهتم بالمسرح بطريقة علمية صحيحة وتعامل معه على أنه فن له أصول وقواعد وضوابط ،كما أهتم بتفاصيل دقيقة مثل الديكور والإضاءة والصوت وغيرها ،قبلة كان العمل على خشبة المسرح يعتمد بشكل كبير على الارتجال ،لا قواعد ولا إهتمام باي عناصر من عناصر العمل المسرحي الأخري ،أضف الي ذلك يحسب له أنه أول من أدخل وطور وظيفة "الإلقاء" على خشبة المسرح فلها قواعد وأصول لابد أن يعتد بها وسنعود الي تلك النقطة فيما بعد ،كان يعتبر أن المسرح هو الحياة وأن الإلقاء لا يجب أن يحيد عن هذا الاتجاه نهائيا ،بل يجب أن تبدأ كل كلمه معه وتنتهي معه أيضاً 

قالت عنه روز اليوسف في مذكراتها أنه رجل أفني حياته للفن ،بك كان فنانا حتي في علاقاته الخاصة ومع الآخرين ،هو أحد أعمدة المسرح في الثلث الأول من القرن العشرين ،فقد تتلمذ على يده الكثير من أساتذة المسرح المصري نجيب الريحاني ، استيفان روستي ، محمود المليحي وفاطمة رشدي وغيرهم 

أسس أكثر من عشر فرق مسرحيه ،سبعة منها قبل أن ينضم إلى فرقة رمسيس التي تعتبر اهم مرحلة في حياته من حيث الاستقرار الفني ، لكن قبل أن نبدأ فى الحديث عن هذة الرحلة الممتعة والشاقة أيضا لابد أن نلقي الضوء على نشأة هذا الرجل فدائما ما يكون البدايات تأثيرها على تكون الشخصية بشكل عام 

 

عزيز جرجس عيد هو من أبناء كفر الشيخ ولد عام 1884 لوالد من أصول لبنانية، هاجرت أسرته الى مصر وعاشت بكفر الشيخ وقد كان والده من أثرياء الإقليم بالغربية لذلك تعلم ابنه عزيز في المدارس الفرنسية حتى أجاد اللغة كواحد من أبناء باريس وبعد حصوله على التجهيزية التوجيهية ثم الثانوية العامة بعد ذلك أرسله والده الى لبنان حيث أكمل دراسته الجامعية هناك ،لكن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن ،فقد خسر والدة كل أمواله في مضاربات تجارية وأصبحت حالتهم صعبة بعد ما كانوا بة من نعيم 

فما كان من عزيز سوي ان يقبل بوظيفة في أحدي بنوك التسليف وهنا قابل نجيب الريحاني ونشأة بينهم علاقة صداقة قوية، فحلمهم وأحد وهو المسرح وبالفعل اتجها إلى الأوبرا وشاركا في العديد من الأعمال المسرحية كممثلين كومبارس ومع شغف عزيز بالمسرح تم فصلة من الوظيفة ومعة صديقة نجيب الريحاني

 وقتها كانت هناك مجموعة من الفرق السورية التي كانت قد استقرت في مصر بعد حالة الركود الفني فى الشام بشكل عام وكانت تقدم أعمالاً باللغة العربية وقد كان عزيز قد أجاد اللغة العربية والفصحي واتقنها فما لبث أن انخرط وسطها ،لكنه بعد فترة ليست بالطويلة قرر أن يكون اولى فرقة المسرحية والتى قرر أن يكون مخرجا لها بعد أن تعلم ذلك من الفرق الفرنسية التي عمل بها و ورغم انه كان ممثلا بارعا إلا أنه برع في الاخراج وبعدها انظم لفرقة الشيخ سلامة حجازي ممثلا ومخرجا على الطريقة الغربية في الاخراج وكان من أعماله مع الشيخ سلامة حجازي عواطف البنين والتيتجان والولدان الشريدان والطواف حول الأرض وطائر الفن المحترق، بعدها استعانت به بعض الفرق الأخرى لإخراج مسرحياتها مثل فرقة الشيخ أحمد الشامي الذي يملك فرقة جوالة تجوب أقاليم مصر وتقدم أعمالا سبق لكبار الفنانين ان قدموها

بعدها قرر عزيز عيد أن يكون فرقة أخري تقدم مسرحا من نوع خاص وهو مسرح للجاليات الأجنبية في مصر وأطلق على هذة الفرقة(الفرقة الفرنسيه)وكانت تضم كل من يجيد اللغة الفرنسية مثل نجيب الريحاني وبشارة واكيم واستفان روستي وقدموا عدة روايات نالت اعجاب الاجانب مثل الأب ليونار غير أن نشوب الحرب العالمية الثانية كان لها واقع وخيم على عزيز وفرقته والفن بشكل عام وبعدها قبل عزيز عيد الانضمام إلى فرقة جورج أبيض فرغم ما يملكه من موهبة متفردة في الاخراج إلا أن ظروف السوق فى هذا التوقيت تجعله يقبل العمل في اي شيء وهنا نتحدث عن راس المال أو المنتج الذى يتحكم في المسألة برمتها 

أما عزيز عيد لم يكن يملك سوى الموهبة كممثل هزلي متميز ومخرج ناجح يستطيع تحريك الممثلين على الخشبة بشكل جيد مما جعل جورج أبيض يوظف موهبته هذه دون أن يتحقق الانسجام الكامل بينهما. بل أكثر من ذلك حاربه مادياً ولم يلتزم بإعطائه أجوره المتفق عليها.

بعدها ترك عزيز عيد فرقة جورج أبيض وهو يفكر بتقديم الرواية المصرية النابعة من أعماق الحياة المصرية وبقي على تفكيره رغم التشرد والإفلاس حتى التقى عام 1917م بأمين صدقي وكونا سويا فرقة الكوميدي العربى والتى كانت معنية بتقديم مسرحيات خفيفة مثل 

خلي بالك من روميلي ،ياست متمشيش ،وغيرها. وزاد من نجاح الفرقة انضمام سلطانة الطرب منيرة المهدية الى الفرقة وكانت أول مصرية تقوم بالتمثيل على المسرح وقد استفاد عزيز عيد من تواجد منيرة معه فهى مطربة التخت المصرية الأولى وكانت تقيم حفلات غنائية في كازينو سانتي بحديقة الأزبكية كما كانت لها مكانة خاصة عند عظماء مصر وكانت تعرف معظم وزراء مصر في ذلك الزمن وكانوا حريصين على متابعة أعمالها وبهذا الثلاثي تمكنوا من تقديم دراما ريفية مصرية من فصل واحد كان أسمها (الوردة الحمراء) مثل فيها عزيز عيد وتلميذه نجيب الريحاني ،لكن رغم ذلك لم تستمر هذة المسرحية سوي أسبوعان فقط فقد كانت العروض الرخيصة والاسفاف يسيطر على الفن المصري بشكل عام . ليعود عزيز عيد إلى حالة الإفلاس مرة أخرى ومع ذلك لم ييأس عزيز عيد من تقديم ما يحلم بة مسرح مصري حقيقي يعبر عن حال المصريين فكون ما يعرف بمسرح الهواء الطلق بشارع الفجالة 

حيث كان الحضور يحضرون معهم الكراسى الخاصة بهم لمتابعة العروض ،غير أن ظروف الطقس حالت دون استمرارية المشروع خاصة فصل الشتاء وما يتبعة من سقوط مطر مما جعل عزيز عيد يقترض من صديقة نجيب الريحاني مبلغا كي يستمر فى حلمة بتقديم مسرح محلي مصري حر وكان ثمرة هذا التعاون أن التقى عزيز عيد بالكاتب محمد تيمور التركي الأصل ليؤلف له رواية / العشرة الطيبة / التي وضع ألحانها الخالدة سيد درويش.وقد حققت تلك المسرحية إقبالا منقطع النظير 

 

لكن هذة المسرحية أيضا لم تستمر طويلا فقد توقف الدعم لها من نجيب الريحاني وغيرة وحوربت ليعود عزيز عيد من جديد يراجع حساباته بعد أن توقف عرضه الناجح 

هنا تأتى محطة يوسف وهبي وقصة مسرح رمسيس، قبلها كان عزيز عيد قد سافر إلى إيطاليا بصحبة مختار عثمان لإقناع يوسف وهبي بالعودة إلى مصر والعمل سويا وبالفعل اقتنع الرجل ورجع الثلاثي ليكونا (مسرح رمسيس ) عام 1923م الذي قدم المسرحية المعروفة (غادة الكاميلية ). ورغم احتجاج الممثلين على طريقة أداء يوسف وهبي التي لا تصلح إلا للأدوار الشاذة على حد تعبيرهم لضخامة صوته وعدم استجابته لتغيير نمط أدائه بالشكل الذي ينسجم مع الدور الذي يمثله. ولعدم رضوخ يوسف وهبي لآرائهم النقدية. كان عزيز عيد يدربه ويهذب له ألفاظه لتنسجم مع الاحداث وحتي لا يخسره فهو الممول الرئيسي للمسرحية

قدم عزيز عيد مع فرقه رمسيس العديد من المسرحيات وكان هو من يتولي تصميم الملابس والإشراف على الإضاءة، وأيضاً كان يختار الروايات التي تقدمها الفرقة لكن علاقته بها لم تستمر طويلا وحين انفصلت فاطمة رشدي عن فرقة رمسيس انفصل بدوره عنها، وتزوجها بعد أن أشهر إسلامه وغير اسمه الى محمد المهدي وانجب منها ابنتهما الوحيدة عزيزه وأسسا معا فرقة فاطمة رشدي، وقدمت الفرقة مجموعة من الروايات لاقت نجاحاً ساحقاً في مصر، ووصولاً إلى عام 1930 أصبحت فرقة فاطمة رشدي بقيادة عزيز عيد غير أن هذه الزيجة لم تستمر طويلا بسبب غيرته المفرطة وبعدها تزوجت من المخرج كمال سليم غير أنها لم تكمل معه عندما شعرت أنه يريد اهانه زوجها واستاذها عزيز عيد عندما أسند آلية دور عربجي حنطور في أحدي أفلامه فحدث الطلاق بينهم 

 

الاكثر قراءة