الإثنين 29 ابريل 2024

بيرم التونسي وطنيا


بيرم التونسي

مقالات10-3-2023 | 22:04

أ.د. نبيل أحمد أبو رفاعى

كان لبيرم دور كبير في ثورة ١٩١٩، والتي اعتقل فيها سعد زغلول ورفاقه، ونفوا إلى جزيرة مالطا، فقد شحذ فقد علا صوته بالكلمة التي تشحذ الهمم، وتثب بالأرواح؛ لتنال المعالي 

سخَّر بيرم موهبته وسن قلمه؛ ليدافع عن مصر ضد المستبدين، من خلال أزجاله التي كتبها بطريقة سردية بسيطة تتناسب وعقول كل الطبقات

قام بيرم بدور كبير من خلال معجمه الشعري الرصين، ونغمه الأصيل، في شحذ همم المصريين؛ ليهبوا من رقدتهم ويدافعوا عن وطنهم الذي تهون الروح من أجله

استطاع بيرم من خلال ألفاظه الجزلة، وعباراته الرشيقة، وأساليبه السلسة أن يصل إلى قلب كل مواطن؛ ليصور مدى غايتنا من مقاومة المستعمر

 

أعلم أني لست أول من كتب عن بيرم التونسي، فقد كتب عنه كثيرون، ولا تزال مائدته ممدودة لجوعى العلم والقراءة؛ فنتاج الرجل من الناحية الفنية يحتاج لكل أريب واع يستخرج من مكنون درره ما يختلف عن السابقين له في التناول.

من باب النافلة أن نعرف بالرجل، فهو قامة وقيمة في دنيا الأدب، خاصة في الشعر العامي، والأزجال، إلا أن أمر التذكير ضروري بين الفينة والأخرى.

 محمود محمد مصطفى بيرم الحريري 23 مارس 1893 – 5 يناير 1961 وشهرته «بيرم التونسي» شاعر مصري، ذو أصول تونسية، ويُعد من أشهر شعراء العامية المصرية ولد الشاعر بيرم التونسي لعائلة تونسية، كانت تعيش في مدينة الإسكندرية، بحي السيالة في ٢٣ مارس ١٨٩٣م، دخل بيرم مجال الصحافة حيث أصدر صحيفة «المسلة»، تبعها بعد ذلك بالعمل في عدة صحف مصرية. وتم نفي بيرم التونسي عدة مرات؛ فقد نُفي من مصر إلى تونس ثم إلى باريس، لتبدأ حياته كشاعر منفي يحن إلى وطنه وظهر ذلك في أعماله التي كان يقوم بها وهو في المنفى. وقامت ثورة 1952 في مصر ففرح بها بيرم وأيدها وقال فيها الأشعار والأزجال وفي عام 1954 حصل بيرم على الجنسية المصرية. ثم دخل بيرم المجال الفني فألَّف الكثير من الأغاني والمسرحيات الغنائية، كما قدم العديد من الأعمال الإذاعية، وهو ما دفع الرئيس جمال عبد الناصر إلى منحه جائزة الدولة التقديرية عن جهوده في الأدب والفن عام 1960. ولم يمر عام على تقدير الدولة المصرية له حتى رحل عن الدنيا في مايو 1961، بعد معاناة مع مرض الربو، تاركا للأجيال التالية إرثًا كبيًرا من الأزجال والقصائد والمسرحيات وتجربة عريضة مليئة بالدروس، خاصة في مجال النضال الاجتماعي من أجل الوطن، مما جعله يستحق عن جدارة لقب فنان الشعب، وشاعر العامية، وهرم الزجل. 

(كان لبيرم أخت واحدة من والده وكانت تكبره بحوالي عشرين عامًا، وكان والده يمتلك مع أبناء عمومته دكانًا لبيع الحرير، فكان مثل باقي التجار يريد تعليم ابنه، فما لبث أن أرسله وهو في الرابعة من عمره إلى كُتّاب الشيخ جاد الله، إلا أن بيرم كان ضعيفا خاصة في الحساب الذي كان لا يجيد أن يفرق فيه بين السبعة والثمانية).

 محاولات مضنية من الوالد باءت في النهاية بالفشل، مما اضطره لإخراجه من الكتاب؛ ليعمل في دكان الحرير مع أبناء عمومته.. كاد بيرم أن يقنع تمامًا بعمله الجديد، إلا أنه فوجئ بالمجلس البلدي. يحجز على بيته ويطالبه بمبلغ كبير كعوائد لهذا البيت، هنا تحدث نقطة التحول الكبرى، النقطة الفارقة في حياة بيرم، والتي تدل على مكنون نفسه، وتمثل رغباته الحقيقية، بل وتدل على موهبته الفطرية التى نمت وترعرعت بالاكتساب، والتجارب الحياتية؛ لذا نراه يكتب قصيدة ساخرة تعلن عن مولد مبدع يملك قدرة فنية فائقة، فلا التجارة مجاله، ولا التعليم بطريقته النمطية، وإنما الإبداع في فن الشعر، يقول ساخرا من المجلس البلدي: 

يا بائع الفجل بالمليم واحدة

 كم العيال وكم للمجلس البلدي

سخر بيرم في هذه القصيدة من المجلس البلدي الذي كاد أن يقاسم الناس قوت يومها فلم يترك حتى الطبقة البسيطة التي يمثلها هنا بائع الفجل، بل وصل الأمر بالمجلس أن يقاسمه تركته وكأنه شقيقه، واصل في سخريته المتمثلة في خوفه أن يشاركه هذا المجلس عروسه، وأن يدّعي أبوة ابنه القادم، من خلال هذه الألفاظ والعبارات البسيطة في شكلها، القوية في معانيها، استطاع أن يصور لنا حال البلاد والعباد في هذه الفترة القاسية. أراد بيرم أن يكون أكثر قربا من الناس؛ فترك الشعر بشكله العمودي واتجه إلى الأزجال التي أقرب إلى عقول الناس وأفهامهم، بل التي أكثر تسويقها لهم، وشدا لانتباههم؛ لأنه يشعر بقضيته التي يريد الوصول بها إلى الناس، وهي العيوب التي أحلت بالمجتمع وسيطرت عليه. (صدر الأمر بإبعاد بيرم التونسي من مصر، ونفيه إلى وطن أجداده في تونس يوم 25 أغسطس عام 1920؛ بسبب غضب الملك فؤاد عليه بسبب قصيدته «البامية الملوكي والقرع السلطاني»، وبتوصية من زوج الأميرة فوقية ابنة الملك فؤاد حيث هاجمه في مقال تحت عنوان «لعنة الله على المحافظ» حيث كان آنذاك محافظًا للقاهرة). في تونس لم يجد من يقبل به؛ خوفا من البطش؛ فغادرها بعد مدة وجيزة متجها إلى فرنسا التي شعر فيها بألم ومرارة وقسوة الغربة عن الأوطان، وهنا تبدو لنا محبته لوطنه، وعشقه له. كادت آهاته أن تقتله؛ فخرجت منه زفرة عبّر من خلالها عن آهاته في ثلاث جمل، قال:

(الأولة مصر قالو تونسي ونفوني

والتانية تونس فيها الأهل جحدوني

والتالتة باريس وفيها الكل نكروني)

 

بيرم التونسي ودوره الوطني

لم يكن بيرم في طفولته مدركا لما يقع على الناس في مجتمعه من ظلم وقهر، إلا أنه كان مدركا لمدى البؤس الذي كان فيه الناس، وهي الصورة التي علقت بذهنه منذ الصغر، صور لنا هذا البؤس من خلال الصورة التي ذكرها لحي من أحياء القاهرة، يشبه الحي الذي عاش فيه في باريس عند نفيه، يقول: (عشت في حي صورة طبق الأصل من عشش الترجمان القاهرية.. كنت أرى رجالاً تُرقص القرود.. ونساءً يتجولن في الأزقة بمعيز ترعى القمامة.. وأطفالاً يجمعون السبارس.. وكانت أكثر المباني مؤلفة من عشش الصفيح المرقعة بالخيش والأبراش التي يعلوها الدجاج والمعيز.. وكان قسم كبير من هذه العشش يمتد في شارع رأس التين الموصل إلى السراي العامرة حتى يشاهدها السفراء والقناصل في كل تشريفة).

ليس أدل على الحالة المتدنية التى كانت تسود المجتمعات آنذاك من هذه الصورة التي تدل على التفاوت الطبقي، بل لا أكون مبالغا إن قلت يستبعد فيها أهل الوطن، ويدلل فيها المستعمر، هذه الصورة لا يعبر بها إلا من جادت قريحته بحب الأوطان، بل تلبست روحه بالأوطان، وحلت في جسده.

أما عن دوره في ثورة ١٩١٩، والتي اعتقل فيها سعد زغلول ورفاقه، ونفوا إلى جزيرة مالطا، فقد كان لبيرم دور كبيرعن طريق الكلمة التي تشحذ الهمم، وتثب بالأرواح لتنال المعالي، يقول:

(اشتركت في الثورة على طريقتي الخاصة، لم أقذف بالحجارة، ولم أحطم مصابيح النور، وإنما نظمت مقطوعات، فكانت أشد وأقوى من الحجارة، بل ومن القنابل أيضاً). قمة الوعي؛ لأنه يعلم أن أى تدمير، أو تخريب ضرره لاحق بنا وليس بهم؛ لأنها أوطاننا، فلا يصح لنا أن تقذفها بالحجارة، أو نطفئ مصابيحها، وإنما يحدد المقاتل هدفه الذي هو إلحاق الضرر بهم، وكان قتال بيرم هنا عن طريق الكلمة التي أشد من وقع النبل على نفوس الأحرار.    

لبيرم أبيات يهتز لها الوجدان؛ لأنه يتألم كما يجب أن يتألم كل حر من أفعال هذا المستعمر الذي ينهب ثروات البلاد ثم يبتاعها لهم، يسخر من هؤلاء الذين لا ضمير لهم، يقول:

(اتركونا ننتفع من خير بلادنا

مش بلادكم، واسمحوا نسبك حديدنا

مش حديدكم، والسماد عايزين سمادنا مش سمادكم، ياللي ناويين تدبحونا).

استطاع بيرم من خلال ألفاظه الجزلة، وعباراته الرشيقة، وأساليبه السلسة أن يصل إلى قلب كل مواطن؛ ليفهم هدف المستعمر الذي يصبو إليه، وليصور مدى غايتنا من مقاومة هذا المستعمر، نعم قضيتهم الطمع في ثروات البلاد وخيراتها؛ لذا يطلب منهم أن يعلموا أن البلاد بلادنا، وعلى استعداد أن نهديها أرواحنا؛ لتظل شامخة، فما أجمل عباراته التي يدعوهم فيها أن يتركونا وشأننا، دعونا ندفع عجلة التقدم للأمام يا من تستأثرون لأنفسكم بكل ما يؤدي إلى التقدم والنمو في الوقت الذي تحجبونه عن غيركم، وهو في ذلك يشير إلى الصناعة، وأيضا إلى الزراعة مؤكدا من خلال ذلك على هدفهم الدنيء المتمثل في إزالتنا من على وجه الأرض لو استطاعوا، علما بأن هدف بيرم من وراء ذلك بث روح القوة والعزيمة والثبات في نفوس المصريين، وعليهم أن يعرفوا هدف عدوهم الخبيث.

لم يترك بيرم ثورة مصرية ضد مستعمر إلا وكان له دور مؤثر فيها، ففي عام ١٩٥٢عندما قامت الثورة، وسمع بخبرها، شعر في نفسه بالحرية؛ فذهب إلى الإذاعة؛ ليعبر عن ذلك بزجلية عبر فيها عن فرحته بالحرية، يقول: 

(العيد ده أول عيد عليه القيمة، مافيهشي تشريفة ولا تعظيمة

صابحين وأعراضنا أقله سليمة، والقيد محطم، والأسير متحرر

مرمر زماني يا زماني مرمر).

وضح لنا أن (بيرم) سخر موهبته، وسن قلمه؛ ليدافع عن مصر ضد المستبدين، وذلك من خلال أزجاله التي كتبها بطريقة سردية بسيطة تتناسب وعقول كل الطبقات، وهي تشبه طريقة القص التي رويت بها سيرة أبي زيد الهلالي، وغيرها من القص الذي يلاقي قبولا عند كثير من الناس، خاصة البسطاء منهم، ولم يكن هدفه من وراء ذلك التسلية، أو الحكايات التي تقضى بها الأوقات، وإنما كانت كلماته بمثابة شحذ للعزائم، وقوة دافعة للأمام لكل من رضي الخنوع، أو الخضوع والاستكانة.

قال في الشعب المصري:

(يامصري ليه ترخي دراعك.. والكون ساعك.. ونيل جميل حلو بتاعك.. يشفي اللهاليب.. خلق إلهك مقدونيا.. على سردينيا.. والكل زايطين في الدنيا.. ليه انت كئيب.. ماتحط نفسك في العالي..وتتباع غالي.. وتتف لي على اللي في بالي.. من غير ماتعيب).

ما أروع هذه الفقرة التي يذكر فيها الشعب المصري بأمجاده، وعظمة أجداده الذين سجل التاريخ أسماءهم في سجل العظماء، يبين في سلاسة، وبساطة أن السبب الوحيد في الحالة التي عليها الناس هو الإنسان ذاته، فالكون كله مسخر له، يظهر ذلك في الأسئلة التي طرحها على الناس، ليه ترخي دراعك؟ من يملك نيلا جميلا كنيلك الذي هو شريان الحياة؟ وكأنه يقول للمواطن لو بقيت على حالتك الساكنة، فقد يحجب النيل عنك عطاؤه؛ لأنه لا يمنح الذين رفضوا الهوان والسكون. استطاع بيرم أن يعبر عن حالة المجتمع من خلال الأسئلة التي طرحها على المواطن الذي رضي حياة الكآبة، ولم يطلب العلا مخالفا لفطرة الإنسان الحر وطبيعته، كان الشاعر موفقا في اختيار طريقة السؤال التي توقد الذهن، وتحفز العزيمة، وتثير الدهشة عند البعض، بل ويستطيع السائل أن يحصل على رؤى متعددة ومتنوعة تضع حلولا لبعض المشكلات أو الأزمات.    

أغانيه الوطنية 

(يتعرّف بيرم بـ"سيد درويش" ويكتب له أول قصيدة وطنية فيقول:

وكل ما يصرخوا، سنّي سكاكينك

اليوم يومك يا جنود

متجعليش للروح تمن

يوم المدافع والبارود

مالكيش غيره في الزمن

هيا أظهري عزم الأسود

في وجه أعداء الوطن

عارٌ على الجندي الجمود

إلا إذا لفّه الكفن(.

ها هو يقدم الرؤية الثاقبة من خلال الكلمة التي أشد من وقع النبل على العدو، بل وعلى الخانعين من أبناء الأمة، محذرا لهم من التوقف عن القتال إذا سمعوا الصرخات، فلا هوادة ولا رحمة مع من يعتدي، يدعوهم لانتهاز الفرصة، من خلال جملة (فاليوم يومكم)، وجملة (لا تجعلوا للروح ثمن) إنه يوم المدافع، يدعوهم ألا يكونوا أناسا عاديين، بل أسود تزأر في وجوه أعدائها، ثم يختم كلامه بجملة تحرك الصخر وهى أن الجمود لا يكون مع الإنسان إلا في حالة واحدة هي (حالة الموت التي يلف فيها بالكفن) وفي هذا تأكيد على أن حياة الأوطان يقابلها خروج الأرواح من الأجساد. وفي الأوبريت الذي كتبه مع سيد درويش، والذي يبث فيه روح الحماسة، والفخر، والاعتزاز في المواطن المصري، يقول:

أنا المصري كريم العُنصرين

بنيت المجد بين الأهرمين

جدودي أنشئوا العلم العجيب

ومجرى النيل في الوادي الخصيب

دعوة إلى الاعتزاز بالشخصية، فمجدك تشهد عليه الأهرام الشامخة التي تدل على عظمة أجدادك، فلا أقل من أن تكون شامخا متشبها بها، وبأجدادك الذين كتبوا وأبدعوا في شتى مجالات العلم،كن كالنيل في عطائك لوطنك، وليكن هذا العطاء بلا حدود لتحيا الأوطان.

لم تقف وطنية بيرم عند حدود مصر، وإنما تعدتها لتشمل أرض العرب يقول:

أرض العرب وحدها فيها الدمار جاريه

من بعد مصر الجريحة تنضرب سوريا

متحسبوناش يا عالم حتّه من كوريا

واحنا اللي بنحب عيسى وستنا ماريه

يندهش من الأوضاع السيئة التي لا تجري إلا على أرض العرب، فمن بعد مصر تضرب سوريا، إلا أنه يحاول تذكير العدو بالنسب والصهر الذي بيننا؛ فنحن نؤمن بعيسى عليه السلام ونحبه، ومارية هي أمنا وزوج نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام، أراد بذلك أن يؤكد على وجود روابط لو بحث عنها الناس ما وجدت ضغينة ولا طمع.

أما أبياته التي تحدث فيها عن العدوان الثلاثي عندما أتى إلى مصر، فقسمهم إلى ثلاث طوائف؛ فمنهم المستعمر، ومنهم المتجبر، ومنهم الأجير، أو المرتزقة، وفي ذلك إشارة إلى شرزمتهم، فلا تحسبوهم جميعا، بل قلوبهم شتى، ولتعلموا أن فرقا كبيرا بين من يقاتل ليستعمر، أو من هو مستأجر ليقوم بمهمة بمقابل، وبين من يقاتل من أجل وطن يعيش بداخله، ويقاتل من أجله لينال إحدى الحسنيين، إما النصر وإما الشهادة، وكانت النتيجة النصر الذي جعل العدو يجر أذيال الخيبة، ولا أدل على ذلك من هيبتهم في عدم استطاعة التقدم خطوة واحدة من بورسعيد الصامدة التي جعلت العالم يتعجب من بأسنا؛ لأننا هزمنا عزهم في الشرق كله. 

(عدونا لما اعتدى قدمنا أرواحنا فدا

واستعجبت من بأسنا كل الأمم

تلات أمم يا بورسعيد متقدمة

بدبابات وطيارات تملى السما

تلات أمم الأولة داخلة البلاد مستعمرة

والتانية بعد الانكسار متجبرة

والتالتة على العرب متأجرة

هدموا البيوت قتلوا النفوس

وانما احنا هزمنا عزهم فى الشرق كله

ومجدهم

بورسعيد ولا قدم)

ما أجمل هذه الصورة التى رسمت لنا صورة السماء المليئة بالطائرات، والأرض المليئة بالدبابات، والأمم التي اتحدت؛ لتقهر أمتنا، ومع ذلك كله كانت الكلمة للمصري الذي جعل العالم يتعجب من بأسه وقوته، أي عزيمة بعد هذه التي تبثها كلمات بيرم في أرواح ونفوس الشعوب، إبداع بالكلمات يفوق كل وصف.

وأبلغ ما كتب أيضًا من أزجاله، أثناء العدوان، ما قاله تحت عنوان "سنّي سكاكينك":

(قالوا يا إسرائيل احنا اللي باعتينك

واحنا اللي بالمال وبالصواريخ بنعينك

فـ المسلمين ادبحي واحد ورا التاني).

في هذه الأبيات يندد بأمريكا والغرب الذين يتباهون بإسرائيل، ويقدمون لها يد العون والدعم بالعتاد والعدة؛ من أجل قتل المسلمين، وفي ذلك إشارة إلى أن الحرب بالنسبة لهم حرب عقيدة، إلا أنه مؤمن برد كيدهم إلى نحورهم؛ لأنهم يقاتلون على باطل، ولا يمكن لباطل أن ينتصر على الحق أبدا، وتلك هي عقيدتنا، وهذا هو مبدأنا.

لقد استطاع بيرم أن يقوم بدور كبير من خلال معجمه الشعري الرصين، ونغمه الأصيل، في شحذ همم المصريين؛ ليهبوا من رقدتهم ويدافعوا عن وطنهم الذي تهون الروح من أجله، فإما حياة بكرامة، أو موت بعزة.

قالوا عنه:

(قال عنه الكاتب كامل الشناوي: «فنان ثائر، عاش طوال حياته يعاني العرق والقلق، وشظف العيش، وقد يتهيب -خاصة المثقفون- عندنا من الاعتراف به في حين كانت جامعات أوروبا تدرس آثاره وتعترف بموهبته الأصلية وفنه الرفيع». ومدح أحمد شوقي زجل بيرم حيث قال عنه: «هذا زجل فوق مستوى العبقرية». وقال عنه الدكتور طه حسين: «أخشى على الفصحى من عامية بيرم).

قولة حق، من المحن تحرج المنح، استطاع بيرم أن ينتصر على كل الأزمات التي تعرض لها، فما أثناه القهر والظلم عن غايته، ولا حالت الغربة بينه وبين هدفه وغايته، بل ظل صامدا يحمل سيفه البطار المتمثل في كلمته التي شحذت الهمم، وأيقظت النيام من رقدتهم، حتى وصل بهم الأمر أن يقدموا أرواحهم فداء لأوطانهم، لقد كان لبيرم دور وطني لا ينكره إلا جاحد، دور مؤثر في كل الطبقات، لأنه أبدع أدبا وصل به إلى كل الناس بمختلف طبقاتهم، ومستوياتهم الثقافية.

Dr.Randa
Dr.Radwa