توسم عزيز عيد فى فاطمة رشدى الموهبة والقدرات الفنية الكامنة فضمها إلى فرقة يوسف وهبى بمسرح رمسيس وتعهّدها بالمران والتدريب وتزوجها لتصبح نجمة فرقة رمسيس المسرحية
كانت النقلة الفنية فى مسيرتها عندما قامت بدور البطولة فى مسرحية النسر الصغير، وهى المسرحية التي قدمتها الفنانة العالمية سارة برنار لأول مرة، ومن هنا حصلت فاطمة رشدى على لقبها.. سارة برنار مصر
انفصلت فاطمة رشدى عن زوجها عزيز عيد بسبب غيرته الشديدة وبانفصالها عنه انفصلت عن مسرح رمسيس وكونت بعدها فرقتها المسرحية الخاصة الشهيرة التي حملت اسمها
توالت الأيام والسنوات ووجدت أجيالا لا تعلم ما قدمته الفنانة القديرة فاطمة رشدى التى تعد من رواد المسرح والسينما، ونقول إن فاطمة رشدى جاءت إلى الحياة الدنيا يوم 15 نوفمبر عام 1908 وكان مولدها فى محافظة الإسكندرية هذا العام الذى شهد تولى الزعيم محمد فريد رئاسة الحزب الوطنى يوم 14 فبراير خلفا للزعيم مصطفى كامل وجعل كل ثروته للقضية المصرية وأعلن أن مطالب مصر هي الجلاء والدستور وأنشأ أول نقابة للعمال عام 1909 وأيضا شهد عام 1908 افتتاح الجامعة المصرية ففى يوم 21 ديسمبر افتتحها الخديوى عباس حلمى الثانى وتعد أول جامعة أهلية في مصر وتعرف الآن بجامعة القاهرة وفي مطلع القرن العشرين ارتبط الكفاح الوطني ضد الاحتلال البريطانى بمعارضة سياساته التعليمية والمطالبة بتعليم وطنى يشمل كل المصريين.
فاطمة رشدى عشقت الفن منذ نعومة أظافرها وكان لها أختان فنانتان هما رتيبة وإنصاف رشدى، وعندما كانت فاطمة في العاشرة من عمرها زارت فرقة أمين عطا الله حيث كانت تغنّى أختها فأسند إليها أمين دورًا فى إحدى مسرحياته كما كانت تؤدى أدوارا غنائية ثانوية فى بدايتها وظهرت على المسرح مع فرقة عبد الرحمن رشدى.
قالت فاطمة رشدي عن نفسها : (أنا فاطمة رشدى خليل أغا قدرى من مواليد الإسكندرية توفي أبى وأنا صغيرة دون دخل ثابت فعملت أمى وشقيقتاى رتيبة وإنصاف رشدى بفرقة أمين عطا الله المسرحية وذات ليلة تشاجرت مطربة الفرقة مع صاحبها وتركت له المسرح فإذا بصاحب الفرقة يدعونى بأن أحل محلها ولإنقاذ سمعة الفرقة لبيت نداءه وغنيت طلعت يا محلا نورها ولحظتها كتبت ساعة ميلادى).
انضمت فاطمة رشدي بعد ذلك إلى فرقة الجزايرلى ثم تقابلت مع عزيز عيد فلقنها دروسا في القراءة والكتابة وأصول التمثيل وانتقلت بين مسارح روض الفرج حيث كانت تشهد تلك المنطقة الشعبية نهضة فنية واسعة وأخرجت الكثير من رواد الفن التمثيلى في مصر فعملت في مسرح روز اليوسف ثم فى فرقة رمسيس، وصارت بطلة للفرقة وفى عام 1921 شاهد موسيقار الشعب الفنان سيد درويش الفنانة الصاعدة فاطمة رشدى فأعجب بموهبتها ودعاها للعمل بفرقته التي كونها بالقاهرة وبدأت في فريق الكورس والإنشاد مع الفنانين سيد درويش ونجيب الريحانى.
ذات يوم من أيام عام 1923 كان اللقاء بين رائد فن المسرح عزيز عيد وفاطمة رشدى وللوهلة الأولى توسّم فيها الموهبة والقدرات الفنية الكامنة فضمها إلى فرقة يوسف وهبى بمسرح رمسيس وتعهّدها بالمران والتدريب وعلمها التمثيل كما أوكل مهمة تلقينها قواعد اللغة العربية إلى مدرس لغة عربية ثم تزوجها بعد ذلك لتصبح نجمة فرقة رمسيس المسرحية وفي عام 1924 كان الدعم الكبير للفنانة فاطمة رشدي لذا قامت بأدوار البطولة فى عدة مسرحيات من بينها الذئاب والصحراء والقناع الأزرق والشرف وليلة الدخلة والحرية والنزوات ثم كانت النقلة الفنية في مسيرة الفنانة فاطمة رشدى حيث قام عزيز عيد والسيد قدرى بتعريب مسرحية النسر الصغير التي كتبها أدمون روستان وتم تقديمها وقام بدور البطولة فاطمة رشدى وعزيز عيد وهى المسرحية التى قدمتها الفنانة العالمية سارة برنار لأول مرة ومن هنا حصلت فاطمة رشدى على لقبها (سارة برنار مصر).
انطلقت الفنانة فاطمة رشدي بفنها إلى الدول العربية الشقيقة ففى عام 1926 زارت فرقة فاطمة رشدى وعزيز عيد العراق شأنها في ذلك شأن العديد من الفرق المعروفة فى هذا الوقت ومنها فرقة جورج أبيض التي زارت بغداد وكذلك فرقة يوسف وهبى وفى عام 1929 زارت فرقة فاطمة رشدى وعزيز عيد العراق أيضا وأُعدَّ مسرح فى شارع أبو الأسود الدؤلى بالبصرة لتقديم العروض الفنية ومنها مسرحية مصرع كليوباترا لأمير الشعراء أحمد شوقى وأسرت فاطمة رشدى قلوب العراقيين بدورها فى المسرحية.
كانت لتلك الزيارات الأثر العظيم على المسرح العراقى والتحق حقى الشبلى المسرح العراقى بفرقة فاطمة رشدى وسافر معها إلى مصر ليتدرب ويستفيد من التجربة المصرية حيث كانت الفرقة بحاجة لممثلين عراقيين، وقد اقتنع كل من عزيز عيد وفاطمة رشدى بموهبته الفنية فاتفقا على انضمام الشبلى رسميا للفرقة بعد أن سعت فاطمة رشدى وتوسّطت عند الملك فيصل الأول شخصيا بالموافقة للسفر معها إلى القاهرة لزيادة خبرته وصقل موهبته وعلى حسابها الخاص وبالفعل غادر حقى الشبلى بغداد وحضر للقاهرة ومكث سنة كاملة وكان هناك محط اهتمام ورعاية الفنانة فاطمة رشدى وفي عام 1929 ذهبت فاطمة رشدى بفنها إلى بيروت لبنان وقدمت على مسرح صالة الأمبير عدة مسرحيات منها النسر الصغير وغادة الكاميليا وجان دارك ولسلطان عبد الحميد ويوليوس قيصر وقدمت فى الهواء الطلق على سطح الباريزيانا المسرحية الشهيرة مصرع كليوباترا لأمير الشعراء أحمد شوقى كما قدمت مسرحية العواصف تأليف أنطوان يزبك وحظيت بإقبال كبير ولقّبت بصديقة الطلبة وأقام لها الطلبة حفلة تكريميّة في أحد الفنادق الكبرى.
انفصلت الفنانة فاطمة رشدى عن زوجها عزيز عيد بسبب غيرته الشديدة وبانفصالها عنه انفصلت عن مسرح رمسيس وكونت بعدها فرقتها المسرحية الخاصة الشهيرة التي حملت اسمها وقدمت 15 مسرحية في سبعة أشهر وقدمت نجوماً إلى عالم الفن مثل محمود المليجي ومحمد فوزى الذى كان يلحن المونولوجات التي تقدم بين فصول المسرحيات وقدّمت فرقة فاطمة رشدى العديد من النصوص المترجمة والمقتبسة بالإضافة إلى بعض المؤلفات المحلية.
تعرضت الفنانة فاطمة رشدي لمواقف صعبة ففى عام 1928 خاضت أول تجربة سينمائية مع بدر لاما فى فيلم فاجعة فوق الهرم ولكنه لم ينجح وحظى بالنقد الفنى في تلك الفترة ثم أقنع المخرج وداد عرفى الفنانة فاطمة رشدي بأن يخرج لها فيلم تحت سماء مصر وهو من إنتاجها وبطولتها لكنه لم يحقق النجاح أيضا وفي هذا الصدد قالت فاطمة رشدى: ( تحملت الخسائر راضية ولم أعبأ بالمئات التى أنفقتها في فيلم تحت سماء مصر ذلك أننى أنشد الإجادة ولا يهمنى المال).
انصرفت الفنانة فاطمة رشدى إلى المسرح لعدة مواسم ثم عادت إلى السينما مؤلفة ومخرجة وممثلة وكان فيلم الزواج وتم عرضه عام 1933 ومثل أمامها محمود المليجى فى أول أدواره السينمائية ثم كان فيلم "الهارب" مع بدر لاما ثم فيلم "ثمن السعادة" ثم فيلمها العزيمة مع كمال سليم الذى حاز على نجاح كبير حيث تزوجت فاطمة رشدى من المخرج كمال سليم الذي أسند إليها دورها في هذا الفيلم المهم ويجب أن نتوقف مع فيلم العزيمة حيث تم تصنيفه من المراكز الأولى ضمن أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية وهذا الفيلم قصة وسيناريو وإخراج كمال سليم وحوار بديع خيرى وبطولة فاطمة رشدي (فاطمة) وحسين صدقي: (محمد) وأنور وجدى (عدلى) وزكى رستم (نزيه باشا) وعباس فارس (الباشا المدير) وعبد العزيز خليل (معلم عتر) ومارى منيب (والدة فاطمة) وحسن كامل (والد فاطمة) وثريا فخرى (والدة محمد) وعبد السلام النابلسى (صديق عدلى) وحكمت فهمى (فردوس) وعلي طبنجات (معلم شبك) ومختار عثمان (حاج روحي) وعمر وصفي (الأسطى حنفي) وآمال حسين ومختار حسين وأحمد شكرى وإنتاج وتوزيع استوديو مصر وتصوير فيرى فاركاش ومناظر ولى الدين سامح وموسيقى عبد الحميد عبد الرحمن ومونتاج كمال سليم وأخذت المناظر وتم الطبع والتحميض في استوديو مصر .
بعد ذلك شاركت فاطمة رشدى فى فيلم العامل وفيلم الطريق المستقيم مع يوسف وهبى وتتالت أفلامها بعد ذلك وهى "بنات الريف ومدينة الغجر وغرام الشيوخ والريف الحزين وعواصف والطائشة ودعونى أعيش والجسد" وبعد انفصال فاطمة رشدى عن المخرج كمال سليم تزوجت المخرج محمد عبد الجواد وعاشت بعيدًا عن الأضواء لسنوات طويلة ثم تزوجت رجل أعمال من الصعيد ثم تزوجت عام 1951 من ضابط بوليس ثم كانت مرحلة فنية أخرى في حياة الفنانة فاطمة رشدى حيث انضمت إلى المسرح العسكرى وأدت العديد من البطولات المسرحية وأخرجت مسرحية غادة الكاميليا ثم انضمت للمسرح الحر عام 1960 وقدمت من أعمال الأديب العالمى نجيب محفوظ بين القصرين ثم ميرامار عام 1969.
في أواخر الستينيات اعتزلت الفنانة فاطمة رشدى وانحسرت الأضواء عنها وكانت تعيش في أواخر أيامها في حجرة بأحد الفنادق الشعبية فى القاهرة وكتبت الصحافة المصرية عن حياتها البائسة التي تعيشها فتدخل الفنان فريد شوقى لدى المسئولين لعلاجها على نفقة الدولة وتوفير المسكن الملائم لها وتم ذلك بالفعل وحصلت على شقة إلا أن القدر لم يمهلها لتتمتع بما قدمته لها الدولة حيث فاضت روحها إلى بارئها يوم 23 يناير عام 1996 الموافق 3 رمضان 1416 هجريا تاركة للحياة والتاريخ ثروة فنية عملاقة تزيد على 200 مسرحية و16 فيلمًا سينمائيًا واعترافا وتخليدا لفنها أطلقت محافظة الجيزة اسم فاطمة رشدى على أحد شوارع منطقة الهرم فرحمة الله على روحها.