الأربعاء 27 نوفمبر 2024

عرب وعالم

غرف الدبلوماسية الفرنسية تتبدد وسط انتكاسات في عالم جيوسياسي متحرك

  • 12-3-2023 | 11:33

علم فرنسا

طباعة
  • دار الهلال

 جابهت الدبلوماسية الفرنسية، انتكاسات متتالية مع تآكل قوتها الناعمة وتراجع نفوذها، حتى في معاقلها التقليدية.

وزادت حدة هذا التراجع في خضم تشكل نظام عالمي جديد على ضوء تداعيات الحرب في أوكرانيا. ولعل أكبر صدمة تلقتها باريس في السنوات الأخيرة، كانت في سبتمبر 2021، حين ألغت أستراليا وبشكل مفاجئ "صفقة القرن" المتعلقة بشراء غواصات فرنسية بقيمة 56 مليار يورو، بعدما فضّلت كانبيرا غوّاصات أمريكية تعمل بمحركات نووية في إطار سُمي باتفاق "أوكوس" بين أستراليا والولايات المتحدة وبريطانيا.

وأحدثت الخطوة الأسترالية صدمة لدى دوائر صنع القرار في باريس التي رأت أن فرنسا تلقت طعنة في الظهر مس بهيبتها كدولة كبيرة. وبعدها تأزمت العلاقات بين باريس وبرلين في سياق الحرب في أوكرانيا. ففي الوقت الذي تسعى فيه باريس لبناء استقلالية عسكرية وأمنية أوروبية، بلورت برلين رؤيتها الخاصة واختارت التزود بالسلاح الأمريكي بالدرجة الأولى في إطار حزمة مائة مليار يورو لتحديث الجيش الألماني.

وفي منطقة أخرى، نقلت تقرير لتلفزيون دويتشه فيله الألماني أن الدبلوماسية الفرنسية واجهت معضلات بعدما فشلت في الحفاظ على علاقات متوازنة بين الرباط والجزائر، في وقت يشهد فيه العالم تقلبات جيوسياسية أعادت خلط الأوراق في المنطقة.

وهي نفس المعضلات يواجهها النفوذ الفرنسي في إفريقيا التي تشكك نخبها الشابة في جدوى التعامل مع باريس التي تعتمد في سياستها الإفريقية على شبكة نفوذ موروثة من المرحلة الاستعمارية. وسعى ماكرون - في هذا الصدد - إلى بلورة رؤية استراتيجية جديدة تجاه القارة السمراء في مواجهة تنافس شرس لقوى صاعدة كروسيا أو دول أخرى كالصين. ويُخشى أن تكون طموحات ماكرون مجرد خطابة ستتبدد أمام واقع إفريقي جديد لم تهضمه فرنسا بعد.

وفي خضم الجدل بشأن تراجع نفوذ فرنسا في العالم، أقدم الرئيس إيمانويل ماكرون على خطوة مثيرة للجدل تتعلق بحل السلك الدبلوماسي الفرنسي كهيئة مستقلة بما في ذلك المسار الخاص للعاملين في السلك الدبلوماسي.

وبدلًا من ذلك تم خلق مجموعة من حوالي 800 من كبار الموظفين من مختلف القطاعات، ومن ضمن تلك المجموعة سيتم اختيار الدبلوماسيين مستقبلًا، بمعنى أن من سيعين سفيرًا في المستقبل لن يبدأ مساره المهني بالضرورة في وزارة الخارجية العريقة المسماة أيضا بـ "الكيدورسي". وتعتبر هذه الخطوة قطيعة مع تقاليد راسخة لدبلوماسية تعتبر الثالثة في العالم من حيث تمثيلياتها بعد الولايات المتحدة والصين.

ورغم أن الدستور الفرنسي يعطي للرئيس سلطة القرار الدبلوماسي، إلا أن "الكيدورسي" لعب دائمًا دورًا مهمًا في رسم السياسة الخارجية للبلاد، دور اضمحل أكثر في عهد ماكرون الذي أعطى الانطباع بأنه يحتكر كل الملفات ويضيع أحيانًا في تفاصيلها. وبهذا الصدد كتبت صحيفة "تاغسشبيغل" البرلينية "لقد استولى قصر الإليزيه على عدة ملفات في السياسة الخارجية، لكنه أفسد الكثير منها بسبب.. الافتقار إلى المنهجية.

وعلى سبيل المثال هناك ملف لبنان، حيث تحرك ماكرون بعد انفجار ميناء بيروت ووعد بإصلاحات سياسية داخلية طال انتظارها في بلاد الأرز، وهي وعود بالطبع لم يكن قادرًا على تنفيذها". وفي مستهل جولة إفريقية، قادت ماكرون في محطة أولى، إلى العاصمة الجابونية ليبرفيل في الثاني من مارس، أعلن ماكرون رسميًا موت "فرنسا الإفريقية"، وأن فرنسا أصبحت الآن "محاورًا محايدًا" في القارة السمراء.

وقال "انتهى عصر فرنسا الإفريقية هذا وأحيانًا يتكون لدي شعور بأن الذهنيات لا تتطور بوتيرة تطورنا. عندما أقرأ وأسمع وأرى أنه ما زالت تُنسب لفرنسا نوايا ليست لديها ولم تعد لديها.. يبدو أيضًا أنه ما زال مُتوقعًا منها (أن تتخذ) مواقف ترفض اتخاذها وأنا أؤيد ذلك تمامًا. في الجابون كما في أي مكان آخر، فرنسا محاور محايد يتحدث إلى الجميع، ولا يتمثل دوره في التدخل في النازعات السياسية الداخلية".

وقبلها، قدم ماكرون في قصر الإليزيه بباريس في 27 فبراير، عرضًا رسم فيه معالم استراتيجية فرنسية جديدة في إفريقيا. وأوضح أن ما يسمى بالمربع الخلفي الفرنسي في غرب إفريقيا انتهى، ودعا إلى شراكات جديدة في القارة بعيدًا عن العلاقات المبهمة وعن دعم القادة الحاليين.

وبشأن وضع القوات الفرنسية في إفريقيا، أكد ماكرون أن الأمر ليس "انسحابًا ولا فك ارتباط، بل هي عملية تكييف" عبر إعادة تحديد "احتياجات" الدول الشريكة وتقديم "مزيد من التعاون والتدريب".

وكتبت صحيفة "نويه تسوريشر تسايتونغ" - الصادرة في سويسرا - "في جولته الإفريقية، دعا الرئيس الفرنسي إلى نهاية ما يسمى بفرانس أفريك (وهو توصيف للعلاقة التي نشأت بين فرنسا ومستعمراتها الإفريقية السابقة)، غير أن ذلك بدا كوعد غامض يفتقد للموثوقية والمصداقية، وربما تكون هذه الخطوة قد جاءت بعد فوات الأوان.. ويكاد ماكرون يكون ضيفًا دائمًا في إفريقيا التي يزورها للمرة الثامنة عشرة على التوالي منذ توليه منصبه في عام 2017. ومع ذلك، فإن جولته الأخيرة التي قادته إلى الغابون وأنغولا والكونغو، تختلف عن سابقاتها، وسعى من خلالها لتأسيس فصل جديد (للعلاقة مع القارة السمراء).

واضطر الجيش الفرنسي للانسحاب على التوالي من مالي ثم بوركينا فاسو بعد انقلابين عسكريين في البلدين. وتقول باريس إن روسيا تستخدم "عمليات تضليل إعلامي واسع"؛ لتغذية الشعور المعادي لفرنسا كقوة استعمارية سابقة، في منطقة باتت تشهد منافسة حامية الوطيس بفعل بروز قوى صاعدة جديدة. وعن العلاقات مع ألمانيا، فتوصف عادة العلاقات بـ"محرك الاتحاد الأوروبي" الذي أظهر للعالم نموذجًا للتعاون من أجل الازدهار والرفاهية المشتركة بين "عدويين قديمين" استنزفتهما حروب عديدة.

ورغم احتفال البلدين هذا العام بالذكرى الستين لمعاهدة الإليزيه التي أسست لعلاقة جديدة بينهما بعد الحرب العالمية الثانية، غير أن الخلافات تراكمت بين الجانبين في عدد من القضايا الرئيسية كالطاقة وشؤون الدفاع، ظهرت بشكل أساسي في أعقاب الحرب الروسية على أوكرانيا. وخيم سوء التفاهم هذا منذ أن خلف أولاف شولتس أنجيلا ميركل في نهاية عام 2021، حيث عبر كل منهما عن استيائه من مبادرات الطرف الآخر بدون استشارة مسبقة.

وقالت شبكة "إن.دي.إير" - تحت عنوان "التيار لا يمر بين ماكرونوشولتس": "رغم كل التصريحات التي تقول العكس، فإن العلاقات الفرنسية الألمانية في الحضيض.. من الواضح حقًا أن ماكرون وشولتس لا يتوفقان.. أحدهما رجل حركات والثاني رجل إيماءات. أحدهما يتحدث بصوت عال والآخر بصوت هادئ (لا يستطيع شولتس تحمل سياسة ماكرون الاستعراضية، وماكرون لا يتحمل ثقة شولتس بأنه يعرف كل شيء. حيث عمل ديجول وأديناور وجيسكار وشميدت وكول وميتران وشيراك وشرودر، وبدرجة أقل، ميركل ونظراؤها دائمًا، نشهد بين ماكرون وشولتس واحدة من أكبر الأزمات السياسية في أوروبا". 

 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة