يبدو أن نتائج ميلاد عالم جديد كانت أسرع مما يتوقعه البعض وأن تهاوي النظام العالمي القائم حاليا سيكون سريعا أيضا لكن لم يعلم أحد بعد كيف سيكون ثمنه وهل سيكون باهظا أم لا؟!
إن نجاح الوساطة الصينية بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية في إيران يؤكد أن هناك توافقا على إسقاط الهيمنة الأمريكية وإلغاء آثار انخراطها السلبي بين الدول وإشعالها النعرات الطائفية والحروب بين الدول في مختلف المناطق العالمية والشيء المهم الحفاظ على مصالح الأمريكان وليذهب الباقون إلى الجحيم.
يمكن أن يكون احتفال البعض بالاتفاق السعودي الإيراني مبالغا تحت ضغط هول التحول الجيوسياسي الذي أعلن عنه ميلاد ذلك الاتفاق بين البلدين الذي يدقعهم النظام العالمي القائم إلى خانة الاستنزاف في صراع أيديولوجي ملتهب شديد الانفجار.
ويمكن أن يكون احتفال البعض الآخر صامتا كإسرائيل أو باهتا كالأمريكان كما يمكن بناء آلاف السيناريوهات للآثار التي ستنعكس على المنطقة بعد بدء خطوات التقارب وسريان علاقات ثنائية طبيعية وأن بؤر الصراع المشتعلة ستتحول إلى مروج خضراء كله متوقع ومقبول.
التفسير الأكثر إحباطا لما جرى هو أن ذلك الاتفاق ما هو إلا خطوة تمهيدية لتهيئة مسرح العمليات لتوجيه إسرائيل ضربة شديدة للنظام الإيراني بحجة سعي إيران لامتلاك السلاح النووي.
ويدفع إلى تخيل ذلك السيناريو المحبط أنه جاء عقب جولة خاطفة ومهمة لوزير الدفاع الأمريكي للشرق الأوسط وكأنه يراجع ترتيبات نهائية لإجراء وشيك.
من هنا حرصت السعودية على ألا تكون جزءا من ضربة تعد وبقوة للنظام الإيراني وأنها لن تكون ممرا لطائرات تلك الضربة وأن أرضها لن تكون مصدا لصواريخها ردا على الضربة.
إذن نحن أمام تفسيرات متععدة المسارات أصدقها هو أن النظام العالمي الجديد ليس حديثا يفترى بل بات واقعا يثمر ويؤسس لمسارات على الأرض ليس في آسيا وحدها بل في أفريقيا أيضا وكلنا نرى كيف يتلقى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الإهانة وراء الإهانة في جولات محاولة تثبيت النفوذ الفرنسي في القارة والذي يتآكل اليوم لصالح روسيا والصين اللتين تحاصران النظام القائم بكل تؤدة واتقان فعلى صعيد المشهد الأوكراني لم يعد هناك إلا الدفع بجنود الحلفاء إلى ساحة المعركة بعد ان فشلت كل خطط حرب الوكالة في وقف التمدد الروسي أو حتى استعادة ما أخذ بل يفكر البعض في فتح جبهة جديدة من خلال بولندا أو مولدوفا، أما على صعيد آسيا فتتحرك الصين بشكل مدروس أما تزايد الوجود الأمريكي في المحيط الهادي ومحاولة شحن دوله بالعداء تجاه الصين كما يحدث بإمداد تايوان بالسلاح لدفعها إلى التمسك بالانفصال.
إن الاتفاق السعودي الإيراني يشير إلى زيادة نفوذ بكين في منطقة طالما كانت الولايات المتحدة الوسيط المهيمن فيها، ما يمكن أن يعقد جهود الولايات المتحدة وإسرائيل لتعزيز تحالف إقليمي لمواجهة طهران مع توسيع برنامجها النووي خاصة أن الاتاق جاء في الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة، التوسط في اتفاق سلام بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، وهو جهد يكتنفه الغموض، بعد الاتفاق السعودي الإيراني كما أن الصين قد أقامت علاقات اقتصادية أوثق مع إيران والمملكة العربية السعودية، وكلاهما مورد مهم للنفط لثاني أكبر اقتصاد في العالم.
ويمثل الاتفاق بالنسبة لطهران، تخفيفا للعزلة الدولية، التي تواجهتها منذ الانتفاضة الداخلية، وانهيار المحادثات الهادفة إلى استعادة الاتفاق النووي الدولي لعام 2015 أما بالنسبة للرياض، فإنها تمنح المملكة مزيدًا من النفوذ، في الوقت الذي تسعى فيه للحصول على ضمانات أمنية أمريكية جديدة من إدارة جو بايدن، وبالنسبة للصين، يتعلق الأمر بتعميق مشاركتها في المنطقة، وإظهار أنها ليست مجرد مستهلك للطاقة وعلي أية حال نحن أمام منعطف عالمي شديد الأهمية يترقب الجميع إلى أي مدى ستمتد تفاعلاته.