السبت 27 ابريل 2024

البركة في البكور .. والرزق فيه محفور

مقالات12-3-2023 | 15:46

كأحد سكان حي مصر الجديدة منذ الثمانينيات، وباعتباري بنت أبيها التي اعتادت تحمل المسؤولية منذ الصغر، والسعي بخطواته الحثيثة الدءوبة المجتهدة، فقد اعتدت قضاء مصالح الأسرة ومصالحي الشخصية أولاً بأول سواء بعد مواعيد العمل أو في أوقات العطلات، ولأنني ورثت عن أبي أيضاً الاستيقاظ المبكر بهدف حسن استغلال الوقت في قضاء أكبر قدر ممكن من المصالح، بديلاً عن الاسترسال في النوم والراحة التي لن تمنحني السكينة أبداً وأنا المهمومة المنشغلة بتحقيق أكبر قدر ممكن من إنجاز المهام.

ولهذا السبب، توجهت في عطلة نهاية الأسبوع إلى منطقة ميدان الجامع لقضاء عدة مصالح تجمعت معظمها في هذه البقعة التي أسميها "بجمهورية ميدان الجامع"، بالنظر إلى ما يحتويه هذا المكان من كم من المحال والورش والدكاكين التي لن يتسع المجال لذكرها، لكن على كل حال، فالأمر لم يتعلق معي بعدم قضاء أي من مهامي لعدم وجود أحد تخصصاتها، بل على العكس، كانت كل مصالحي لِتُقضَى بأية حال لولا أن كل المحال كانت مغلقة تماماً برغم تخطي الساعة للعاشرة صباحاً، وخاصة أنه كان يوم من أيام الإجازات الرسمية، أي أنه من الطبيعي والمعتاد تًوَقُع زيادة حركة التعامل والبيع.

كان ذلك من اللافت للنظر بالنسبة لي أنه حتى بسؤالي لأحد المخابز عن الموعد الذي يقوم فيه المحل المجاور له بفتح أبوابه (وهو سوري الجنسية)، فأجابني وهو يضحك بعد الظهر يا أستاذة، اتعلم مننا بقى هنعمل إيه!! كانت إجابة مؤلمة بالنسبة لي .. يا ليته يعلم وقعها.

إلى هذا الحد أصبحت كل عادة قبيحة .. عادة بديهية ومستدامة كما الماء والهواء!! وإلى هذا الحد أصبح تأثيرنا بكل الأشكال تأثيراً سلبياً على الآخر في حركات البيع والشراء على الأخص!! وهو القطاع الأكثر تعاملاً مع الجمهور وتأثيراً عليه.

في كل الأزمنة الماضية أخبرونا أن البركة في البكور، فتعودنا الاستيقاظ للصلاة وللمدرسة وللجامعة وللعمل، ولتنظيف المنزل وترتيبه، بل وللتزاور في بعض الأحيان كالأعياد، فرأيت فيما رأيت من بركات وابتهالات في المدينة المنورة أثناء زيارة قصيرة لي، وبعد قضائي لصلاة الفجر بالمسجد النبوي الشريف، ثم صلاة الضحى، توجهت مع بعض أقراني لشراء وجبة الإفطار، وإذ بنا نفاجأ بكل أصحاب المحلات العائدين من الصلاة وهم يقومون بفتح أبوابهم للجمهور، في أجواء يحفها الهدوء وسكينة المنتهين من صلواتهم، ونسمات من عليل الهواء، وحَمام المدينة يحيط بنا من كل جانب، علماً بأن معظم البائعين كانوا من جنسبات آسيوية معروفة، في أجواء تعبر بشكل عملي وعذب عن الآية الكريمة ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.

وحتى على سبيل توفير الطاقة واستغلال النور الرباني الجميل الذي سبقنا الغرب في استغلاله، فكنت ألاحظ تصميمات الأوروبيين لمؤسساتهم الحكومية والتعليمية التي تعتمد بنسبة كبيرة على إدخال أكبر قدر ممكن من الإضاءة النهارية إلى داخل قاعاتهم أو صالاتهم من باب توفير الكهرباء، هذا بالإضافة إلى بِدئهم لدوامهم اليومي في الساعات الأولى من الصباح التي تلي شروق الشمس، بما يعكس حسن اسغلالهم الكامل للأنوار الربانية، وتوحيد مواعيد غلق المحال التجارية بشكل يكاد يصل إلى مرحلة التقديس، لينام المعظم في أوقات مبكرة في انتظام موحد للمجتمع المنظم الدءوب العاشق لفضيلة العمل من باب التحضر لا التدين.

لمَ لا وهم شعوب آثرت الحقوق الإنسانية والمصلحة الجماعية على المتعة الشخصية والاستهتار الفردي، الكل يعلم الحدود الفاصلة بين الحقوق والواجبات ويطبقها في نَسَق متكامل دون شكوى أو ململة، مما يجعلني أتعجب مع ذاتي إلى جوار تلك التساؤلات بداخلي، ماذا حلّ بنا !! ومتى وكيف وصل بنا الحال إلى كل هذا التقاعس والتخاذل في حق أنفسنا وحق أعمارنا المُستَهلَكَة في ساعات طويلة من النوم الصباحي دون إنتاج يُذكَر أو عمل مُتقَن !! ثم نصحو في الظهيرة لنضع الآيات البينات من القرآن الكريم على أعلى درجة ليسمعها كل مارٍ ومتجول، ونردد بكامل قناعة "يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم" !!

Dr.Randa
Dr.Radwa