الإثنين 17 يونيو 2024

غياب روسى فى الأزمة

31-8-2017 | 19:19

بقلم – د. نبيل رشوان

جاء قرار الولايات المتحدة الأمريكية بتجميد جزء من المعونة الاقتصادية والعسكرية فى وقت تشهد فيه العلاقات المصرية ـ الروسية بعض التجاذب ونوعا من الفتور، وفى نفس الوقت تشهد العلاقات الأمريكية ـ الروسية توتراً ربما لم تشهده منذ انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتى .

أجمع المراقبون تقريباً على أن مسألة حقوق الإنسان التى ادعتها الولايات المتحدة كسبب لحجب جزء من المعونة يقدر بحوالى ٢٩٥ مليون دولار هى شماعة قديمة تستخدمها وتشهرها الولايات المتحدة فى وجه أى دولة عندما تقف هذه الدولة موقفا لا يتفق مع مواقف واشنطن من هذه القضية أو تلك، وربما يكون السبب الرئيسى، كما قالت العديد من وسائل الإعلام هى تعاون مصر مع كوريا الشمالية فى المجال العسكرى، وكما يزعم بعض المراقبين أن مصر طورت صواريخ متوسطة المدى كسلاح ردع فى مواجهة السلاح النووى الذى تمتلكه إسرائيل، وبعض المحللين يشيرون إلى أن الرسالة الأمريكية بحجز جزء من المعونات كان بسبب اتجاه مصر لتنويع مصادر السلاح وعقدت صفقات سلاح مع العديد من الدول مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا والتعاون العسكرى الوثيق مع روسيا، غير أن البعض ينفى هذا، فهذه الصفقات وقعت منذ فترة وكان يمكن للولايات المتحدة الاعتراض أو على الأقل إبداء عدم الرضا، خاصة أن الجميع يعلم بأن المعونة العسكرية الأمريكية كانت تحرمنا من استيراد أى نوع من المعدات العسكرية لفترة طويلة باستثناء تلك التى يقال عليها “ذات الاستخدام المزدوج” أو عمل عمرات لبعض الأسلحة الروسية القديمة أو غيرها الموجودة بالفعل فى القوات المسلحة.

ولذلك أنا أستبعد صفقات السلاح بصرف النظر عن مصدرها، وحتى روسيا التى بدت العلاقات معها واعدة مع تولى الرئيس السيسى لمنصب وزير الدفاع ثم رئاسة الدولة لم تعترض على قيام مصر بشراء طائرات الرافال من فرنسا، بل والإعلان عن تلك الصفقة أثناء زيارة للرئيس بوتين للقاهرة، ولم تتحسس روسيا من الأمر، وحتى بعد شراء مصر لحاملتى الطائرات الميسترال من فرنسا وكانتا مصنوعتين لروسيا وبتصميم روسى لحمل الطائرات المروحية التمساح لم تتأثر العلاقات مع روسيا، وعندما تقدمت مصر بطلب شراء هذا النوع من المروحيات وافقت روسيا، لأن روسيا تحترم السياسات الخارجية للدول فى علاقاتها بالغير.

وإذا كانت الولايات المتحدة كما يقول البعض إن مصر قدمت لكوريا الشمالية صواريخ سكود الروسية لتقليدها ومن ثم تطوير صواريخ متوسطة المدى وبعيدة المدى قضت مضاجع الولايات المتحدة أثناء الأزمة الأخيرة بين بيونج يانج وواشنطن، ولماذا لم تحتج روسيا على ذلك؟! رغم أن الصواريخ التى قدمت روسية، وليس سراً أن كوريا الشمالية استخدمت مالديها من سلاح سوفييتى لتطوير منظوماتها الدفاعية، ولم يحتج أحد، لكن عندما بدأت كوريا الشمالية فى تهديد القواعد الأمريكية فى اليابان وكوريا الجنوبية وجزيرة جوام، شحذت الولايات المتحدة همتها لفرض المزيد من العقوبات على كوريا الشمالية، ولماذا لم تحتج واشنطن لدى موسكو أو بكين وهما أصل أى سلاح كورى.

ما سبب احتجاز جزء من المعونة إذن، بالمخالفة للقانون الأمريكى، حيث إن المعونات تم إقرارها بمشروع قانون عقب توقيع اتفاقيات السلام مع إسرائيل، هل العقوبة نتيجة استقلال القرار المصرى فيما يتعلق بمشاركة مصر فى مناطق خفض التصعيد فى سوريا تحت المظلة الروسية، وليس تحت مظلة الولايات المتحدة التى قبلت ببقاء الرئيس الأسد على مضض، وتحت ضغط الانتصارات التى حققها الجيش السورى وحلفاؤه، ومع التواجد الإيرانى الكثيف فى سوريا والخشية من تقارب مصرى ـ إيرانى خاصة أن السعودية المتحالفة مع مصر تسعى الآن لتطبيع العلاقات مع إيران، فى الوقت الذى تفرض فيه الولايات المتحدة المزيد من العقوبات على طهران.

وهناك سبب فى تقديرى واهٍ، وهو كما يقول البعض بسبب توقيع مصر وقرب توريد مروحيات التمساح لمصر لحاملات الطائرات الفرنسية، وقرب توقيع عقد الضبعة، فكما هو معروف لا المروحيات ولا عقد الضبعة، فعقد المروحيات جرى التفاوض عليه منذ التعاقد على حاملتى الطائرات، وما جعل روسيا نفسها تتغاضى عن حاملتى الطائرات هو أن مصر لا بديل لديها سوى شراء الطائرات من روسيا لأن السفينتين مصممتان فى روسيا لهذا النوع من المروحيات. أما مشروع الضبعة فليس بجديد وتوقف فى السابق لأسباب سياسية مخافة أن يتطور الوضع لإنتاج يورانيوم مخصب ومن ثم سلاح نووى فى الوقت الذى تحرص الولايات المتحدة على أن تبقى الدولة الوحيدة التى تملكه هى إسرائيل. فهل أخطأت مصر فى حرصها على أن يكون لديها سلاح رادع، لا يهم مصدره أو بالتعاون مع من طورته كوريا الشمالية أو غيرها، أمام السلاح النووى الإسرائيلى.

ومع ذلك ورغم احتجاز جزء من المعونة، لم تلغ الولايات المتحدة مناورات النجم الساطع التى تشمل تدريبات مشتركة على مكافحة الإرهاب، كما أن باقى المعونة سوف تأتى فى موعدها وبقيمتها، وهنا يبرز سؤال وهو أساس موضوعنا هنا، هل تستغل روسيا التوتر البسيط التى خلفه حجب أو تجميد واشنطن لجزء من المعونة فى التقارب أكثر مع مصر، أو هل يغضب الموقف الأمريكى مصر، فترتمى فى أحضان الدب الروسى رغم الفتور النسبى فى العلاقات، فى تقديرى لن يحدث هذا لعدة أسباب، لأن هذا لو تم الآن فإن الولايات المتحدة التى تفرض عقوبات غير مسبوقة على روسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية والتى تحاول لملمة هذا الأمر وملزمة بحل الأزمة فى جنوب شرق أوكرانيا وعلى خلفية الادعاء الأمريكى بتدخل روسيا فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية ساهمت فى فوز ترامب سيزيد غضبها، كما أن الدب الروسى يئن تحت وطأة العقوبات وانخفاض أسعار النفط، وأضيف إليها محاولة الولايات المتحدة السيطرة على سوق الغاز فى أوربا حيث وصلت أول شحنة غاز إلى إحدى جمهوريات البلطيق وهى ليتوانيا بهدف دفعها للاستغناء عن الغاز الروسى. من المعروف أن روسيا تزود أوربا بما يقرب من ٤٠٪ من احتياجاتها من الغاز وهو ما يعطى روسيا وضعا متميزا فى أوربا أى أن الولايات المتحدة تحارب روسيا فى العمود الفقرى لاقتصادها. ولذلك استبعد ارتماء مصر فى أحضان الدب الروسى الذى يحتاج من يدعمه أمام العقوبات الأمريكية، كما أن زمن العلاقات الكيدية انتهى مع انتهاء الحرب الباردة وعصر الأيديولوجيات .أى أنه لن نستفيد الكثير من هذا الارتماء، وأقصى طموح الدب الروسى هو توقيع اتفاق الضبعة لإنشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء، الذى تراهن عليه موسكو لإعطائها وضعا جيوسياسيا متميزا فى مصر، وتطمح لما هو أكبر من ذلك!.

لم نسمع عن أى حلحلة من جانب روسيا كنوع من التقارب على خلفية الأزمة مع واشنطن،ففيما يتعلق بعودة الطيران الروسى، الأنباء متضاربة حتى الآن والذى لا يعلمه الكثيرون هو أن الجانب الروسى ينتظر نتيجة التحقيقات فى حادث سقوط الطائرة الروسية، لكى يقرر ما إذا كانت الحكومة المصرية ستدفع تعويضات فى حال وجود تقصير من الجانب المصرى أم لا، أو سيكون الأمر محل تفاوض، فتارة يقولون فى شهر أكتوبر ومرة أخرى فى ديسمبر، فيما قالت وكالة سبوتنيك الروسية أنه لا حديث عن عودة الطيران قبل نهاية العام الجارى رغم إقرار من قاموا بالتفتيش بأن المطارات المصرية آمنة، وربما تكون عودة الطيران مرهونة بالتوقيع على اتفاقية إنشاء محطة الضبعة النووية، ويعتقد الجانب الروسى أن التلكؤ هو من الجانب المصرى الذى يريد تحسين شروط التعاقد وتقصير مدة الإنشاء التى يعتقد أنها مبالغ فيها، وربما السعر والفوائد، فى الوقت الذى تستعجل فيه موسكو توقيع العقد، الذى سيمنحها وضعا متميزا فى جنوب البحر المتوسط لمواجهة “الناتو” الذى يزحف شرقاً، من جنوب المتوسط، خاصة بعد إنشاء الولايات المتحدة لقاعدة عسكرية فى أوديسا الأوكرانية لتكون فى مواجهة أسطول البحر الأسود الروسى فى القرم.

ورغم الأزمة الحالية مع واشنطن، أتصور أنه لا غنى لواشنطن عن الدور المصرى فى منطقة الشرق الأوسط لأنه لم تبرز قوى إقليمية لديها إمكانيات مصر فى القدرة على حل ملفات عالقة كبيرة ومزمنة، وخاصة فيما يتعلق بتسوية القضية الفلسطينية، وأضيف إليها الملف السورى الذى تغولت فيه إيران ولا يمكن وليس فى مقدور أى دولة عربية أخرى تحقيق التوازن فى سوريا سوى مصر، ناهيك عن دور مصر فى مكافحة الإرهاب وهو دور لا غنى عنه، بل إن الدور المصرى تحتاجه روسيا أيضاً التى أرهقها دور إيران وميليشياتها المتعاظم فى سوريا والمهدد لأمن إسرائيل لدرجة أن نتنياهو أعرب عن مخاوفه للرئيس الروسى بوتين فى زيارة قام بها مؤخراً لموسكو، ولكن الولايات المتحدة ورغم امتعاضها من أن مصر دخلت سوريا تقريباً تحت المظلة الروسية، غير أنها ترحب بالدور المصرى فى سوريا لتحجيم الدور الإيرانى.

على أى حال لا يستحق أمر حجب جزء من المعونة هذه الهيستيريا التى سادت وسائل الإعلام المحلية وفى اعتقادى، يجب أن يترك الأمر لأهل الاختصاص والقنوات الدبلوماسية. ففى الوقت الذى ارتفعت فيه الأصوات المتشنجة، كانت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية تتحدث عن الشراكة الاستراتيجية مع مصر، وكما قلت التدريبات العسكرية “النجم الساطع” فى موعدها، كما استقبل الرئيس السيسى مستشار الرئيس الأمريكى وبحث معه آفاق تسوية القضية الفلسطينية.

ولعل الولايات المتحدة استوعبت درس خلع الإخوان، وامتعاضها من ذلك، وهو الأمر الذى دفع مصر إلى تغيير وجهتها السياسية ، وواشنطن أن تدرك أن القاهرة تحاول خلق نوع من التوازن فى علاقاتها الخارجية ولن يكون التعاون مع موسكو على حساب واشنطن فكلا القطبين له دور لا تستغنى عنه مصر ولا تستطيع أى من الدولتين القيام بدور الأخرى فى الشرق الأوسط، وكلاهما يدرك أهمية الدور المصرى فى المنطقة.

فى اعتقادى أن الرئيس الأمريكى المتهم بمساعدة روسيا له فى الفوز بالانتخابات الرئاسية يتعرض لضغوط هائلة من منظمات المجتمع المدنى ومنظمات حقوق الإنسان، ولا يدرك الدور المصرى الحقيقى فى مكافحة إرهاب لو استشرى فى المنطقة لن يبقى ولن يذر، والدليل أن الرئيس ترامب اتصل هاتفياً بالرئيس عبد الفتاح السيسى وبحث معه كافة القضايا وأكد على الشراكة الاستراتيجية بين بلاده والقاهرة .