الأربعاء 5 يونيو 2024

إنها المصلحة .. وليست حقوق الإنسان

31-8-2017 | 19:32

بقلم – جمال أسعد

من المعروف أن العلاقات بين الدول لا تبنى ولا تتواجد بعيداً عن المصلحة فلا توجد علاقات أو مساعدات أو معونات لوجه الله ولا لسواد العيون. ولكن المصلحة وحدها هى التى تحدد هذه العلاقات. ولذلك نجد تعبير المصالح تتصالح هو التعبير السائد والعملى والواقعى بين الدول. والعلاقة بين مصر وأمريكا هى علاقة تثبت وتؤكد هذه المقولة ليس الآن ولكن منذ بداية هذه العلاقة دبلوماسيا فنجد العلاقة المصرية الأمريكية إبان ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ حيث كانت بريطانيا مازالت هى الإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس وكانت أمريكا تتحسس خطواتها بعد الحرب العالمية الثانية حتى تكون هى البديل لهذه الإمبراطورية ولقد كان خاصة بعد هزيمة العدوان الثلاثى عام ١٩٥٦ والذى كانت تشارك فيه بريطانيا لم تقف أمريكا ضد ٢٣ يوليو.

بل كانت تريد ومنذ اللحظة الأولى احتواءها والسيطرة عليها ولكن بطرق أخرى غير تقليدية وبعيداً عن شكل الاستعمار التقليدى وهو الاستعمار الاستيطانى فوجدنا أمريكا تقف مع مصر سياسياً ودبلوماسياً بالرغم من أن أمريكا هى ذاتها التى أوعزت للبنك الدولى بألا يمنح مصر منحة لبناء السد العالى الشىء الذى تطور وأدى إلى تأميم قناة السويس التى تبعها العدوان الثلاثى. حاولت أمريكا احتواء نظام يوليو بإنشاء حلف بغداد ولكن مصر ويوليو لم يخضعا لهذا الابتزاز الأمريكى وحدث نفس ما يحدث الآن وإن اختلفت الصور وتباينت الأشكال. وكان التهديد الأمريكى بمنع معونة القمح عن مصر وكان الرد المصرى أن تشرب أمريكا من البحر فكانت العلاقة المصرية السوفيتية ولكن كانت هناك المصلحة المشتركة ولصالح الدولتين وجاء السادات الذى طرد السوفييت بقرار منفرد والذى أعطى الضوء الأخضر بالخضوع الكامل للإرادة الأمريكية وكان شعار السادات «بأن ٩٩٪ من الأوراق بيد أمريكا» وكان من الطبيعى أن يتم ما يسمى بالسلام المصري الإسرائيلى بعد معاهدة السلام عام ١٩٧٩ التى كان من نتائجها ومحفزاتها تلك المعونة الأمريكية لمصر حفاظاً على تلك المعاهدة واستمرارا للعلاقة المصرية الإسرائيلية هذه العلاقة التى كانت بداية لانفراط العقد العربى والذى مازال ينفرط ولصالح إسرائيل حتى الآن. وكان مبارك وريثاً لهذه العلاقة فهو لا يهش ولا ينش وكان منفذاً جيداً للأوامر الأمريكية حتى فقد أسباب تواجده، فكانت ٢٥ يناير تلك الهبة الجماهيرية التى استغلتها أمريكا واختطفتها الجماعة لتحقيق المشروع الأمريكى الصهيونى فى المنطقة ولاعادة تقسيمها على أسس طائفية تنفيداً لمشروع الشرق الأوسط الكبير والذى مازال العمل يجرى على قدم وساق لتحقيقه. ولكن جاءت الأمواج بما لا تشتهى السفن وكانت هبة ٣٠ يونيه ٢٠١٣ والتى وقف فيها الجيش الوطنى مع شعبه لإسقاط الجماعة وللحفاظ على الهوية المصرية ولإسقاط هذا المخطط الجهنمى والذى مازالت آثاره تعمل. ولذا فإسقاط الإخوان قد أربك المخطط ولذلك وجدنا أمريكا وأوربا تأخذ ذلك الموقف المتعنت ضد نظام يونيه وبلا هوادة لولا يقظة الشعب ووقوفه صفاً واحداً مع القيادة خاصة يوم ٢٦/٧/٢٠١٣. فإدارة أوباما هى التى عجلت لإسقاط مبارك ولصالح الجماعة. فكانت الضغوط على نظام يونيه لا حدود لها وعلى كل المستويات سياسياً واقتصادياً وعسكريا. ولقد رأينا بعد ٣٠ يونيه قدم مجلس الشيوخ الأمريكى مقترحاً لخفض المعونة العسكرية لمصر من ١.٣مليار دولار إلى مليار دولار فقط وجدنا احتجاز الطائرات إف ١٦ فى أمريكا بعد رحلة صيانة. ولكن لأن لمصر دورها المقدر إقليمياً ودولياً مهما لاقت من مشاكل ومهما صادفت من تحديات. استطاعت مصر بشعبها مواجهة هذه التحديات ومازالت. فانفتح النظام على دول العالم وعلى كل القوى بلا استثناء. وتم تحديث السلاح وتنوع مصادره الشىء الذى جعل الجيش المصرى العاشر دولياً قامت مصر ومازالت تقوم نيابة عن العالم كله فى محاربة الإرهاب وهذا دور لا ينكره أحد مهما كثرت الأكاذيب وتعددت المغالطات. ولذلك رأينا عند عقد مؤتمر الرياض العربى الإسلامى الأمريكى الحرص الكامل على وجود السيسى فى المؤتمر وما كان لكلمته فى مواجهة الإرهاب من آثار ومواجهات كان لابد من حدوثها لكى يكون هناك صدق ومصداقية فى محاربة الإرهاب. كما أن مصر قد استطاعت تحريك دول الخليج «السعودية والإمارات والبحرين» فى مواجهة النظام القطرى لما كشفته مصر من دور مأجور تقوم به قطر ضد المصلحة العربية والخليجية ولصالح أعداء العرب حتى إن هذا الموقف الحازم من الدول الأربع فى مواجهة قطر. قد كشف زيف الأقوال وقد أظهر كذب الأفعال. فبالرغم من تصريحات ترامب ضد قطر واتهامه المباشر لها فى مساعدة الإرهاب نرى على الجانب الآخر الإدارة الأمريكية تساعد وتساند قطر مما جعلها فى حالة استقواء حتى ولو شكليا وهذه هى المصلحة ياسيدى. فالاستثمارات القطرية فى أوربا وأمريكا هى التى تحدد، والدور القطرى العميل هو الذى يحدد المصالح حتى إننا نرى الإصرار من الدول الأربع فى مواجهة تلك الرحلات الأمريكية والوفود الأوربية التى تحاول حل المشكلة لصالح قطر. فهل تعترف أمريكا علانية بهذه المواقف المناقضة التى تتخدها مصر والتى لا تصب فى المصلحة الأمريكية. بالطبع لا. ولكنه الالتفاف والابتزاز الذى اعتادت عليه هذه الدول الاستعمارية دائماً وأبداً وهنا نجد أمريكا وأتباعها يتسترون وراء شعارات كاذبة وأقوال خادعة ولكنها التغطية المكشوفة على أفعالهم الآثمة. رأينا حجة الديمقراطية وكذب أسلحة الدمار الشامل طريقا لسحق العراق وإرجاع قوى عربية وحضارة تاريخية عريقة إلى ما قبل العصور الوسطى. سمعنا أوباما شخصياً فى فبراير ٢٠١١ يقول لابد من إسقاط القذافى حيث إن وجوده ليس فى المصلحة الأمريكية وكأن إسقاط الأنظمة وسحق الدول شىء مشروع مقابل هذه المصلحة الأمريكية. وهنا نجد تلك الادعاءات الأمريكية ضد مصر تسير فى طريق آخر بعيداً عن الأسباب الحقيقية التى لا تتوافق مع أمريكا. فنرى أمريكا تستغل ومنذ زمن بعيد ورقة حماية الأقليات الدينية حتى تكون حجة ومبرراً للتدخل الأمريكى. حيث وجدنا ما يسمى بتقرير الحالة الدينية الذى يصدر من الخارجية الأمريكية كل نصف عام لتحاسب فيه أمريكا دول العالم كما تريد وكيفما تشاء على ما يسمى الحالة الدينية للأقليات لتوزع الاتهامات ولتنشر الأكاذيب لحين توفير المناسبة لتحديد شكل هذا التدخل ولتمديد أشكال الضغوط التى تمارسها. نجد أمريكا تزعم بنشر الديمقراطية وكأن هذه الديمقراطية هى سلعة أمريكية ما على الدول غير استيرادها من أمريكا واستعمالها على الطريقة الأمريكية حتى يحدث التقدم والرقى على خطى أمريكا وقد رأيناها في العراق مثلاً تتشدق بحقوق الإنسان وكأنها هى المفوض السماوى للحفاظ على هذه الحقوق. وهى فى الأساس تتعامل مع هذه الدكاكين الحقوقية كعملاء لها فى تنفيذ خططها والحفاظ على مصالحها وحتى تكون هذه الدكاكين ورقة ضغط عند اللزوم على الأنظمة. ولذلك نرى أمريكا تتدخل فى الشئون الداخلية للدول حتى فى إصدار البرلمان للقوانين التى يقرها الشعب مثل قانون الجمعيات الأهلية لأنها تريد أن يكون الطريق مفتوحاً للتمويل غير المشروع والذى يهدد سلامة الدول. ولذلك نرى أن هذه الدكاكين هى دكاكين الأوطان وليس حقوق الإنسان. مع العلم أن البرلمان فى طريقه لإصدار قانون المجلس القومى لحقوق الإنسان وهذه خطوة مهمة فى هذا الإطار. والغريب فى هذا الأمر أن أمريكا المتشدقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان ترى تلك الممارسات العنصرية ضد السود وترى تلك الجماعات النازية الشعبوية التى تعيد مناخ ما قبل مارتن لوثركينج. ترى ممارسات الشرطة الأمريكية ضد المواطن والسوشيال ميديا قربت الأمور وكشفت الأوضاع. وبعيداً عن تلك الأكاذيب وهذه الشعارات الديمقراطية والحقوقية ولكن للمصلحة الأمريكية حتى ولو على حساب هذه الشعارات. وجدنا قرار حرمان مصر من ٩٥،٧ مليون دولار وتأجيل صرف ١٩٥ مليون دولار، لهذه الحجج التافهة. ولكن الأساس هو أن الإدارة مازالت تعمل لصالح جماعة الإخوان والضغط لإرجاعهم لأنهم هم الذين سينفذون الأوامر. وإلا لماذا لم تعلن الجماعة إرهابية كما قال ترامب والكونجرس؟ لماذا تأوى أمريكا وبريطانيا الجماعة؟لماذا تساند قطر وهى المأوى والملجأ للجماعة؟ الأمور معلنة ولا حاجة للمواربة. ومصر أكبر من أى معونة والخاسر أمريكا حيث إن مصر بدورها فى المنطقة فى محاربة الإرهاب أو فيما يسمى بحل القضية الفلسطينية لا أحد يزايد عليها، والمعونة مهما كانت قيمتها هى شكل غير ملائم للتحرر الحقيقى ولاستقلال القرار المصرى. وشعب مصر تحمل وسيتحمل حفاظا على استقلاله وكرامته.

حفظ الله مصر وشعبها العظيم.