الأحد 29 سبتمبر 2024

9 ملاحظات على المعونة

31-8-2017 | 19:34

بقلم – محمد الشافعى

ومن بين كل هذه الدول تبرز الولايات المتحدة الأمريكية.. كدولة تصنع المشاكل لكثير من الدول.. التى تستقبل المعونات الأمريكية.. ولعل ما حدث الأسبوع الماضى من تخفيض الأمريكان للمساعدات التى يوجهونها لمصر بحجة عدم التزام مصر بمعايير حقوق الإنسان .. يستوجب مناقشة المعونات الأمريكية لمصر.. وهذه المناقشة تستلزم التوقف أمام العديد من الأمور يمكن أن نجملها فيما يلى:

أولاً: المعونات الأمريكية لمصر موجودة منذ سنوات طويلة.. ومرت بالعديد من المراحل منذ العصر الملكى.. مروراً بعصر ثورة يوليو لتصل إلى مرحلتها الأخيرة.. بعد توقيع الرئيس السادات معاهدة السلام مع الكيان الصهيونى.

ثانيا: من المعروف والمشهور موقف الرئيس عبدالناصر من تلك المعونة .. عندما أراد الأمريكان فرض قيود على القرار السياسى المصرى.. وكانت تلك المعونة تصل فى ذلك الوقت إلى ٥٠ مليون دولار.. خرج الزعيم جمال عبدالناصر فى خطاب شهير وقال جملته الصادمة(مستعدين نستغنى عن هذه المعونة على الجزمة.(

ثالثاً :تدخل الأمريكان لمنع مصر من تحقيق انتصار حاسم على الصهاينة فى حرب أكتوبر ١٩٧٣- وذلك بالمساعدات الكبيرة التى قدموها للجيش الصهيونى لتحقيق ثغرة الدفرسوار .. ثم تهديد كيسنجر للرئيس السادات بأن أمريكا لن تسمح بهزيمة سلاحها مرتين .. وذلك ليمنع السادات من تصفية الثغرة التى كانت تضم ثلث الجيش الصهيونى تقريباً.. بما يعنى أن تصفيتها تفتح الطريق إلى تل أبيب.. وبعد ذلك رعى الأمريكان مفاوضات فض الاشتباك بين الجيشين... ثم توسط الرئيس كارتر لعقد مباحثات مباشرة فى كامب ديفيد ... انتهت بتوقيع معاهدة السلام بين مصر والكيان الصهيونى عام ١٩٧٩.

رابعاً: قدم الأمريكان بعض المحفزات لمصر وللصهاينة لتشجيعهم على توقيع الاتفاقية.. ومن تلك المحفزات المعونات الاقتصادية.. والتى تحددت بمبلغ ٣ مليارات دولار سنويا للكيان الصهيوني.. ، ٢.١ مليار دولار لمصر .. تنقسم إلى قسمين الأول عسكرى وقيمته ١.٣ مليار دولار .. والثانى ٨١٥ مليون دولار معونات اقتصادية .. بشرط أن تتناقص المعونة الاقتصادية سنوياً.. حتى تقف عند مبلغ ٢٠٠ مليون دولار.

خامساً: المعونة العسكرية مشروطة بشراء معدات عسكرية أمريكية.. وقطع الغيار لهذه المعدات .. وعمل الصيانة عن طريق الخبراء الأمريكان.. ففى الفترة من ١٩٩٩ إلى ٢٠٠٥ .. حصلت مصر على معونات عسكرية بقيمة ٧.٣ مليار دولار .. واشترت فى نفس الفترة معدات عسكرية ثقيلة بقيمة ٣.٨ مليار دولار .. فإذا ما أضفنا إليها قطع الغيار والصيانة لارتفع المبلغ إلى ٥ مليارات دولار.

سادساً: المعونة الأمريكية تمثل رقماً صغيراً.. ولن نغالى إذا قلنا تافهاً بالنسبة للدخل القومى المصرى.. إلا أن الأمريكان يستفيدون أكثر من مصر بتقديم هذه المعونة .. وتأتى الاستفادة من التدريبات المشتركة مع الجيش المصرى.. والتنسيق السياسى فى العديد من القضايا الإقليمية والدولية.... إلخ.

سابعاً :لم ولن تتلقى مصر مساعدات من أى دولة.. مثل التى تلقتها من الاتحاد السوفييتى السابق .. الذى بنى المصانع والسد العالى وقدم السلاح.. ورغم كل هذا عندما غضب القادة السوفييت لقيام الزعيم جمال عبدالناصر .. باعتقال الشيوعيين .. وانتقدوا هذه الخطوة.. رد عليهم عبدالناصر بكل الحسم والعنف .. مؤكدا أن القرار السياسى المصرى أمر سيادى .. لا يخضع لأى مساومات أو مزايدات .. ولا يسمح بأى تدخل من أى إنسان مهما كانت متانة العلاقة معه .. وأمام هذا الموقف الحاسم تراجع القادة السوفييت.. والأهم واصلوا دعمهم لمصر ربما بأكثر من ذى قبل .. فعلى الأمريكان أن يعلموا أن حجم الاستفادة لهم من تقديم هذه المعونة.. أكبر كثيرا من حجم استفادة مصر.

ثامناً :حقوق الإنسان ليست اختراعا أمريكيا .. وليست احتكارا أمريكيا أيضا .. كما أنها ليست )عورة مصرية .. (لكى يتاجر بها الإنسان كل فترة.. نعم لدينا بعض التجاوزات فى ملف حقوق الإنسان .. ولكنها لا تقارن بتلك التجاوزات البشعة التى تحدث فى أمريكا .. ويكفى تلك العنصرية البغيضة التى مازالت حتى الآن تمارس ضد أصحاب البشرة السوداء.. ويكفى تلك النعرة المتطرفة لأصحاب البشرة البيضاء.. ويكفى تلك الممارسات البربرية التى يمارسها ضباط الشرطة البيض ضد المواطنين السود.. ويكفى ما حدث فى معتقل جوانتانامو.. ويكفى تلك الهمجية التى يمارسها الأمريكان فى العراق وسوريا وأفغانستان وغيرها من دول العالم .. فإذا كانوا يهددوننا بـ ) عورة حقوق الإنسان(.. فلماذا لا ننتهج معهم سياسة (الفضح والتجريس) .. بالطبع لن نطلب ذلك من جمعيات حقوق الإنسان المصرية .. لأنها تتلقى معونات أمريكية.. ونعلم أن من (يدفع للزمار يختار اللحن).. ولكن هذه مسئولية أجهزة ومؤسسات الدولة الرسمية.. وعلى رأسها المجلس القومى لحقوق الإنسان .. فعلينا أن نفضح تلك الممارسات البربرية والإرهابية التى يمارسها الأمريكان.. وعلينا أن نصدر تقارير دورية بكل التجاوزات التى ترتكبها الشرطة الأمريكية فى حق مواطنيها..

تاسعاً: عاشت مصر قروناً طويلة دولة غنية تقدم المنح، والمعونات .. كنا سلة غلال العالم القديم.. وكنا نقدم المنح والمعونات لأشقائنا فى الخليج.. وخاصة فى الجزيرة العربية.. وحتى نعود كما كنا يجب وضع استراتيجية متكاملة للتصنيع والإنتاج، لتحقيق نهضة اقتصادية كبيرة.. تمنع عنا ذئاب القروض والمعونات.

وفى النهاية فلدينا خياران لا ثالث لهما زيادة الإنتاج ونهضة الاقتصاد والاستمرار على التعامل بندية مع الأمريكان .. وإذا رفعنا فى وجوههم(راية الاستغناء) والندية ..سوف يجرون خلفنا لزيادة تلك المعونة الملعونة