الجمعة 24 يناير 2025

مواسم الوفاق .. مواسم الريبة القاهرة وواشنطن.. على حافة أزمات ترامب!

  • 31-8-2017 | 19:54

طباعة

بقلم – عـزت إبـراهيم

رئيس تحرير الأهرام ويكلى

 

أعادت التطورات الأخيرة فى ملف العلاقات المصرية -الأمريكية إلى ذاكرتى، مشاهد الارتباك فى تصنيف طبيعة العلاقة بين البلدين بعد توترات حادة فى شتاء عام ٢٠٠٤.. كنت وقتها زميلا زائرا فى الكونجرس ومؤسسة بروكينجز للأبحاث أرى وأسمع تفاصيل مثيرة وجديدة وأتلمس طريقى وسط ردهات واشنطن، التى كانت تموج بحوارات ومشاحنات لا تتوقف عن فشل الولايات المتحدة فى العراق وبداية تكشف الصورة كاملة عن مهمة لم تكتمل رفع فى بدايتها رئيس الدولة العظمى شعار Mission Accomplished ثم انفتح بئر الأكاذيب الذى لم يتوقف وكان الحل فى الاستمرار فى برنامج الترويج للديمقراطية ودفع الأصدقاء فى المنطقة إلى واجهة التوترات وجاءت مصر فى فوهة المدفع تماما..

كان تركيز كوندوليزا رايس مستشار الأمن القومى على الضغط على القاهرة فى اتجاهات ومسارات مختلفة، بغية تحقيق جملة من الأهداف أولها المهادنة فى ترتيبات إقليمية ترفع الحرج بعد مأزق العراق وآخرها الترويج للديمقراطية مع سلطة لم تكن مستعدة لانفتاح كبير فى المجال السياسي، فى عامى ٢٠٠٤ و٢٠٠٥ كان البيت الأبيض والكونجرس فى قبضة الجمهوريين، وكان الديمقراطيون فى صفوف الأقلية يروجون عبر مراكز أبحاثهم وقنواتهم المتشعبة فى معاهد الترويج للديمقراطية لضرورة التغيير فى الشرق الأوسط، واكتمل مشهد التوتر بين القاهرة وواشنطن، بحضور جورج دبليو بوش إلى شرم الشيخ لحضور منتدى دافوس العالمى ويومها ألمح إلى ضرورة الإصلاح السياسى وقبل أن يلقى كلمته خرج الرئيس الأسبق حسنى مبارك من القاعة ولم يعد إليها وكانت التقديرات أن هناك رئيسا سيدخل البيت الأبيض ويزيل آثار حقبة بوش الابن، إلا أن باراك أوباما لم يكن على قدر التوقعات بدوره أيضا وبدا محاطا بصقور الديمقراطيين من فريق الديمقراطية وحقوق الإنسان لندخل فترة من الجليد الثقيل فى العلاقات الثنائية وجاءت ثورة ٢٥ يناير ليتغير المشهد ١٨٠ درجة.

صراعات السلطة

قرابة ١٤ عاما من التطورات المتلاحقة فى العلاقات الثنائية مرت خلالها بمنعطفات وطرق وعرة ومنحنيات حتى وصلنا إلى حكم دونالد ترامب الوافد “الهاوى” على السياسة الأمريكية الذى كون صورة بدت مريحة بالنسبة لنا فى نظرته للحرب على الإرهاب والموقف من جماعة الإخوان الإرهابية وارتكن البعض إلى فكرة أن الرئيس الأمريكى الجديد يقف إلى جانب مصر فى المواجهة مع جماعات الإسلام السياسى وهو بخلاف كل السابقين عليه لا يلعب اللعبة المزدوجة الشهيرة فى السياسة الأمريكية منذ حرب أفغانستان وتربية وحش الجماعات الجهادية.. ظهر ترامب قويا وجسورا فى البدايات لم يكن خافيا وكان طاقم العمل منسجما ويمنح مصر أولوية فى الإصغاء إلى رؤيتها إزاء الأوضاع فى الشرق الأوسط وكيفية مواجهة الإرهابيين ومصادر تمويلهم، إلا أن الوقت يمر دون أن يحقق الرئيس ترامب ما يصبو إليه من تقديم رؤية متماسكة لطريقة تعامل بلاده مع الوضع فى مناطق الصراع ولا يقدم بدائل مقنعة أو يغير قليلا من قواعد اللعبة، ثم بدأت الصراعات بين سلطة البيت الأبيض والكونجرس من جانب وبين رجال الإدارة أنفسهم فى جانب آخر على من يدير السياسة الخارجية ومن يملك مفاتيح التحكم فى الجناح الغربى للبيت الأبيض، وعندما تدب الصراعات تكون القضايا المعلقة واحدة من وسائل المناورة وإظهار العضلات وهو ما حدث فى قصة قرار ترحيل قرابة ٩٥ مليون دولار من المساعدات لأغراض أو جهات أخرى وتجميد جزء من المساعدات العسكرية يبلغ ١٩٥ مليون دولار، حتى تستوفى القاهرة شروط الإفراج عنها والتى حددتها الخارجية الأمريكية فى تحسين سجل حقوق الإنسان رغم عدم اكتراث الرئيس ترامب بتلك القضايا، والأغرب أن وزير خارجيته أصدر قبل أسابيع قليلة توجيها بأن ترفع مسألة الترويج للديمقراطية من مهام وزارة الخارجية الأمريكية وأن تكون الأولوية لمهمات أخرى وهو ما قوبل فى حينه برفض فى الأوساط نفسها، التى هللت لقرار تجميد المساعدات المقدمة إلى مصر.

لابد من نظرة على الأحوال السياسية الحالية قبل الحكم على ما يجرى فى مصر، فليس فى الأمر شطط مبالغ فيه من الإدارة الأمريكية يبعدها عن سلوك الإدارة السابقة ولا هى قادرة على فعل أمر جديد مختلف بالنظر إلى طريقة إدارة ملفات أكثر أهمية للمواطن الأمريكي.

حمائم وصقور

على صعيد السياسة الخارجية، فى خطاب أفغانستان قبل أسبوعين، قدم دونالد ترامب نفسه كرابع رئيس فى مرحلة ما بعد الحرب الباردة يدخل البيت الأبيض بحملة انتخابية تقدمه على أنه من “الحمائم”، ثم تتغير اللهجة فى مواجهة خصومه وتحديات “المؤسسات” ليظهر فى صورة “الصقر”- على حد تعبير أحد كتاب الرأى الكبار فى واشنطن، فالرئيس بيل كلينتون تجاهل البلقان فى بداية رئاسته، لكنه دافع عن أمريكا كدولة لا غنى عنها بنهاية فترة حكمه، وتجنب جورج دبليو بوش قضية بناء الأمم كمرشح، وانتهى به الحال فى أفغانستان والعراق، وتعهد باراك أوباما بسحب قواته من كل من مسارح الحروب وعودة الجنود الأمريكيين من العراق، بيد أن الكارثة التى تلت ذلك أجبرته على إعادة الالتزام بالشرق الأوسط ووقف الانسحاب من أفغانستان، وقال المرشح ترامب إن العراق كان كارثة وكانت له تصريحات حادة بشأن أفغانستان، لكن الرئيس ترامب يعمل اليوم على تسريع الحملة ضد “داعش” فى سوريا والعراق، وقال إن القوات الأمريكية لن تغادر أفغانستان حتى تسمح الظروف بذلك مرجحا أن يستغرق الأمر فترة طويلة، عمليات الرجوع عن وعود انتخابية وعن سياسات مبدئية فى بداية الحكم مسألة شائعة وليست جديدة فى السياسة الأمريكية “عقلية المؤسسات الأمريكية سواء فى وزارة الخارجية أو البنتاجون أو حتى فى المجمع الصناعى العسكرى المزدهر فى فترة ترامب تدفع فى طريق تثبيت دعائم القوة الأمريكية من جديد بعد الاختبارات التى مرت بها السياسة الأمريكية فى السنوات الأخيرة والتى تقول ببساطة إن غياب الولايات المتحدة يدعو القوى العالمية الأخرى ليس فقط للعب أدوار والفوز فى لعبة كبيرة، ولكن أيضا لإعادة كتابة القواعد وفقا لمصالحهم الخاصة، وهذا ما شهدته واشنطن خلال إدارة أوباما الثانية، فقد قام بشار الأسد بقتال شعبه-حسب رؤية العسكريين والمؤيدين للجماعات المسلحة- وضمت روسيا بشكل غير قانونى أراضى وشنت الحرب فى أوكرانيا، فيما أصبحت قواتها فوق الأرض فى الشرق الأوسط للمرة الأولى منذ عقود، وانتهكت اتفاقات مع الولايات المتحدة، وبدورهم، وسع الصينيون من قوتهم العسكرية ببناء جزر فى البحر واستمر برنامج الصواريخ الكورى الشمالى بلا هوادة، وتمددت داعش فى العراق وسوريا، وتوسعت سطوة إيران إلى بغداد وبيروت ودمشق، وبحلول الوقت الذى ترك فيه الرئيس أوباما منصبه، كانت القيادة العالمية الأمريكية موضع شك!”.

منصة تويتر

من القصص الطريفة التى تروى عن الرئيس ترامب ما ورد على لسان أحد كتاب سيرته الذاتية من قيامه بإبلاغ زوجته الثانية مارلا مابلس بالطلاق عن طريق تسريب المعلومة لصحيفة “نيويورك بوست” بدلا من أن يبلغها مباشرة.. ويبدو أن الرجل يفعل اليوم الشيء نفسه مع معارضيه فهو يستخدم منصة “تويتر” لشن هجوم قاسٍ وعنيف على النواب الجمهوريين ممن لا يتحمسون لسياساته وبعضهم يجاهر بالعداء لها اليوم فيما يشبه إجراءات الطلاق بين الطرفين أو ترتيبات الانفصال، إلا أن الجمهوريين يريدون الحفاظ على شعرة معه وأن يجدوا طريقة للتعايش بين البيت الأبيض والكونجرس حتى لا يخسروا كل شيء فى انتخابات التجديد فى عام ٢٠١٨.. بالمثل هناك مكايدات عديدة تحدث فيما يخص السياسة الخارجية فهو يريد غلق صفحة التحقيقات فى الاتصالات مع الروس قبل الانتخابات الرئاسية ويريد تمرير إصلاحات خاصة بالرعاية الصحية بإلغاء مشروع أوباما المطبق حاليا، إلا أن مواقف نواب الكونجرس بمجلسيه الشيوخ والنواب لم تأتِ على قدر ما توقع منهم ولا يستطيع ممارسة الضغوط سوى بلعبة تكسير العظام! ولو طبقنا الشيء نفسه بشأن ما يجرى فى مصر، ستجد أن مسألة إعادة مراجعة العلاقات الثنائية لم تحدث من الأساس ولم يقتنع نواب كثيرون بطبيعة التحولات التى طرأت بعد وصول ترامب للحكم، ومن ثم لم يكن معقولا أن تشهد المؤسسات الأمريكية نقلة نوعية فى مسار العلاقات مع مصر دون حوار حقيقى بين الطرفين حول المصالح المشتركة، فى الزيارات التى سبقت وصول ترامب للحكم كانت الأجواء جيدة بين الجانبين على كافة المستويات، إلا أن البداية المتعثرة للرئيس الجديد فى السلطة تسببت فى فقدان الزخم الكبير بين السيسى وترامب، وأدى إلى وجود مقاومة داخل تلك المؤسسات لإمكانية تطوير العلاقات بشكل غير مسبوق، فى زيارة الرئيس السيسى لواشنطن كانت هناك تلميحات من أطراف عديدة فى الكونجرس والخارجية والبنتاجون أن العلاقات الثنائية تمر عبر قنوات تقليدية عديدة وليس عن طريق البيت الأبيض وحده وهى رسالة تلقفتها الدوائر المصرية جيدا وبعضها تعامل بجدية معها وبعضها لم تمكنه أدواته ربما من تحقيق الاستجابة الكافية، بمعنى آخر، مصر تأتى فى سياق أكبر لجدل السياسة الداخلية فى الولايات المتحدة، فليست هى بؤرة الاهتمام اليوم بشأن سياستها الداخلية أو الإقليمية وليست مهملة من جانب الأطراف الفاعلة فى العاصمة الأمريكية ولكن الأمر تحكمه مستجدات الصراع بين الرئيس وخصومه.

مناوشات الكونجرس

كانت الأزمة الخليجية من العوامل التى مهدت لخطوة تجميد المساعدات العسكرية لمصر بكل تأكيد بعد أن وقف الرئيس الأمريكى موقفا متشددا من قطر فى بداية الأزمة التى أعقبت القمة الأمريكية-العربية-الإسلامية فى الرياض وتوقعت دوائر عربية أن يكون موقف ترامب “أصيلا” بمعنى أنه سيكون معياريا يمكن القياس عليه فى الحرب على الإرهاب ومواجهة مصادر التمويل، إلا أن المناورات فى واشنطن أفشلت كل محاولة لاستثمار مواقف الرئيس الأمريكى وقربه من مواقف مصر والسعودية والإمارات والبحرين. وكانت زيارة ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأمريكية إلى الخليج ومحاولته إطفاء الأزمة من خلال توقيع الدوحة على اتفاق لمحاربة الإرهاب وتعقب الجماعات الإرهابية وتمويلها، بمثابة إعلان أن الرئيس ترامب ليس وحده من يحدد مواقف الولايات المتحدة فى الأزمة، ومازالت الخارجية الأمريكية تردد العبارات نفسها التى تعرب عن امتعاضها من استمرار الأزمة وقالت المتحدثة الأمريكية فى أعقاب حديثها عن الموقف من مصر يوم الجمعة الماضية إن الأزمة قد طالت أكثر مما يجب!

فى كثير من المواقف يقوم الرئيس ترامب بمحاولة الرد على مناوشات الكونجرس والدفاع ومنها على سبيل المثال اتصاله بالرئيس عبدالفتاح السيسى نهاية الأسبوع الماضى من باب تجاوز الموقف الأخير والتأكيد على جديته فى المضى فى العلاقات الثنائية من واقع التفاهمات المبدئية بينهما بشأن قضايا لا خلاف عليها أولها ضرورة التعاون فى الحرب على الإرهاب والاستفادة من الخبرات المصرية فى مواجهة تنامى العنف والإرهاب فى الشرق الأوسط وتطوير منظومة أمنية إقليمية قادرة على مواجهة التهديدات الآنية.

بالتأكيد، هناك تلاقٍ بين نواب فى الكونجرس بمجلسيه وبين الكثير من المنظمات الحقوقية والمؤسسات التى تمول أنشطة للمجتمع المدنى فى جميع أنحاء العالم، لو عدنا إلى تقارير ومناشدات صدرت عن منظمات ومجموعات عمل تدعو الرئيس والخارجية الأمريكية إلى استخدام صلاحياتهما من أجل وقف المساعدات العسكرية الموجودة فى حساب خاص يتم استخدامه عند الضرورة من سنوات سابقة ويناشدون الكونجرس عدم تمرير المساعدات الخاصة بعام ٢٠١٨ مثلما كان الحال فى السابق. على سبيل المثال، منظمة “هيومان رايتس فريست” الموجودة مقرها فى نيويورك والتى تلقى دعما قويا من السيناتور الجمهورى جون ماكين أصدرت فى مطلع أغسطس تقريرا عن أوضاع حقوق الإنسان خلص إلى توصيات محددة لإدارة ترامب والكونجرس من أجل توفير ما سمته المنظمة بحماية المجتمع المدنى والحرية الدينية فى مصر، ومكافحة التطرف ومنها:

- يجب على وزارة الخارجية حجب ١٥ فى المائة من “التمويل العسكرى الأجنبي” بموجب قانون اعتمادات السنة المالية ٢٠١٦ حتى تقدم الحكومة المصرية إصلاحا شاملا لحقوق الإنسان، بما فى ذلك إسقاط الدعوى فى القضية “١٧٣” .. تقصد قضية “التمويل الأجنبي..

وتضمنت التوصيات التى خرجت بعض بنودها فى بيان الخارجية الأمريكية بشأن تجميد المساعدات بشكل لا ريب فيه وبما يؤكد أن اللغة المستخدمة لم تخرج عن توصيات قدمتها منظمات مثل “هيومان رايتس فيرست”.. ومن الأجدى فى السياق الحالى أن نعرف التوصيات التى صدرت عن تلك المنظمة وجهات أخرى حتى يمكن التعامل معها بلا مواربة أو مداراة فى الفترة المقبلة وحتى لا تصيبنا الدهشة من المواقف الأمريكية من جديد وأهم التوصيات هي:

- العمل على وقف تنفيذ القانون الجديد للمنظمات غير الحكومية إلى أن يتم تعديله ليتوافق مع التزامات مصر الدولية فى مجال حقوق الإنسان والحث على القضاء على التمييز ضد الأقليات الدينية، وتعديل القانون الجديد المتعلق ببناء الكنائس.

- دعوة الحكومة المصرية علنا لوقف “الهجمات” على المنظمات غير الحكومية والناشطين، بما فى ذلك ما يجرى فى وسائل الإعلام الرسمية..

- مراجعة علاقة المساعدات بأكملها مع مصر لمعرفة احتياجات الأمن وغيرها من الاحتياجات المطلوبة فى مصر بشكل أفضل وتقديم خدمة أفضل للمصالح الأمريكية.

قال البيان الصحفى الصادر عن المنظمة إن مصر قد تقابلت مع البحرين والسعودية والإمارات ضد قطر فى الأزمة الدبلوماسية الجارية التى تسيطر على منطقة الخليج، مما زاد من تعقيد علاقة إدارة ترامب مع الحكومة المصرية. وتشير المنظمة فى البيان إلى قيام فريق عمل خاص بها بـ “رحلة بحث” فى مصر ووصفت المهمة بأنها أمر نادر!

حلول مطلوبة

من وجهة نظرى... هناك حاجة إلى دراسة الداخل الأمريكى بعمق بعيدا عن الأهواء والآراء السطحية التى تروج لها وسائل إعلامية دون دراية بما يجرى وتعتبر أن هناك “مقاسا” واحدا يمكن تعميم استخدامه سواء كان الأمر يتعلق بفترة جورج بوش أو كلينتون أو أوباما أو ترامب .. الترويج لمقياس واحد فى مناقشة العلاقات الدولية يوقعنا فى مطبات وأزمات لا مبرر لها .. ولم ننجح فى فهم الكثير من السياسات فى الغرب بسبب تلك التعميمات والقوالب الجاهزة، بينما الأمور تحتاج إلى تأمل ووقفة جادة مع طرق التواصل والتحليل للسياسات الخارجية.

تكثيف التواصل مع الكونجرس الأمريكى فى ظل شقاق كبير بين الرئاسة الأمريكية والمؤسسة التشريعية التى لا تملك فقط إقرار المساعدات الاقتصادية والعسكرية، ولكنها أيضا تملك صوتا فى إدارة السياسة الخارجية الأمريكية على مستويات عدة، هناك أسئلة كثيرة فى الكونجرس خاصة بالوضع الداخلى طالما ارتضينا أن يكون هناك حوار استراتيجي بين طرفين، فليكن الحوار على قدر المصارحة الواجبة، على سبيل المثال، الترويج لمسألة قمع الحريات وإقصاء المعارضين على أشده فى واشنطن والنواب فى الكونجرس لا يحصلون على معلومات كاملة عن الوضع الداخلى فى مصر ويستقون كثيرا من المعلومات من شركات علاقات عامة ولوبيهات تصدر صورة سلبية عن أوضاعنا، الأمر الآخر، أن طريقة تسويق سياسات محاربة التطرف والإرهاب لا تصل بشكل سليم ويتسق مع حرب تخوضها مصر ضد جماعات دموية وتكفيرية فى شبه جزيرة سيناء وهناك صورة عن بلد يعانى من سجل فادح فى الحريات، وهو ما لا يتسق مع كثير من مجريات الأحداث فى السنوات الأربع الأخيرة وخصوصا بعد ثورة شعبية فى ٣٠ يونيه ٢٠١٣.

القضايا الخاصة بالأقليات الدينية تحتل أولوية فى تفكير إدارة ترامب ويلقى تقرير الحريات الدينية اهتماما وأولوية لوزارة الخارجية وفقا لتعليمات الوزير تيلرسون وترامب شخصيا، وقد احتفلت الخارجية الأمريكية بالتقرير عند صدوره مؤخرا، بينما تجاهلت التقرير السنوى حول حقوق الإنسان والفارق بينهما واضح. وهو ما يعنى أن ما يجرى على أرض مصر فيما يخص القضايا ذات البعد الطائفى يعرف طريقه فورا إلى تلك الدوائر.

الحوار الاستراتيجى ومناورات النجم الساطع وزيارة الرئيس السيسى لنيويورك فى سبتمبر لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، واجتماعه المرتقب بالرئيس ترامب، سوف تؤدى إلى زيادة مساحة الحوار مع الجانب الأمريكي، وربما ردم الفجوة فى كثير من القضايا التى مازالت مؤسسات فى واشنطن ترى أن مصر لا تبدى تعاونا فيها- شريطة أن تطرح كل الأسئلة على مائدة الحوار بصراحة مطلقة وأن تكون الإجابات شافية!

وفى النهاية خاتمة لابد منها ..

العلاقات الثنائية لا تحتمل مواسم “ريبة” جديدة..

مصالح مصر فى حوار صريح مع كل المؤسسات الأمريكية..

الوقت يداهم ترامب .. انتبهوا!

 

    الاكثر قراءة