تبدأ غدًا أول أيام شهر رمضان المبارك للعام الهجري 1444، وللعام الميلادي 2023، وذلك بعد أن أعلنت دار الإفتاء المصرية من خلال لجان الرؤية الشرعية لهلال رمضان في أنحاء الجمهورية أن اليوم هو المتمم لشهر شعبان، وأن غدًا هو أول أيام شهر رمضان المبارك.
ولشهر رمضان مكانة خاصة في تراث وتاريخ المسلمين؛ ففيه بدأ نزول القرآن من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، وذلك كان في ليلة القدر من هذا الشهر، ثم نزل بعد ذلك في أوقات متفرقة في فترة نزول الوحي حيث كان النبي محمد في غار حراء عندما جاء إليه المَلَك جبريل حسب المعتقدات الإسلامية، وقال له « اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ»،وكانت هذه هي الآية الأولى التي نزلت من القرآن، والقرآن أنزل من اللوح المحفوظ ليلة القدر جملة واحدة، فوضع في بيت العزة في السماء الدنيا في رمضان، ثم كان جبريل ينزل به مُجزئًا في الأوامر والنواهي والأسباب، وذلك في ثلاث وعشرين سنة.
كما يرتبط شهر رمضان أيضًا في الدول الإسلامية بالعديد من الشعائر الدينية مثل: صلاة التراويح والاعتكاف في العشر الأواخر، وأيضًا العديد من العادات والتقاليد مثل دعوة الآخرين على الإفطار وإقامة موائد للإفطار، كما يوجد العديد من المظاهر التراثية التي ارتبطت بهذا الشهر مثل: الفانوس والزينة ومدفع رمضان، وأيضًا شخصية المسحراتي والحكواتي، ومأكولات وبعض الحلوى التي يتم تناولها عقب الإفطار.
وتختلف مظاهر وتقاليد الاحتفال بشهر رمضان الكريم بين الدول المختلفة، وترصد « دار الهلال » أبرز وأغرب العادات الرمضانية للاحتفال بهذا الشهر:
إضاءة الفوانيس الملونة في مصر
في كل عام، يستقبل شعب مصر رمضان بفوانيس ملونة، فوانيس ترمز إلى الوحدة والفرح طوال الشهر الكريم، على الرغم من أن هذا التقليد ثقافي أكثر منه ديني، فقد أصبح مرتبطًا بقوة بشهر رمضان المبارك، واكتسب أهمية روحية.
ومن أهم مظاهر احتفال الشعب المصري بالشهر الكريم تجول المسحراتي لتذكير الناس بموعد السحور قبل آذان الفجر، انتشار الزينة المعلقة في شوارعها المختلفة، كثرة المصلين داخل المساجد لأداء صلاة التراويح، كما تتنوع الأكلات المختلفة على المائدة الرمضانية خاصة الحلويات مثل القطايف والكنافة وغيرها من الحلويات الشرقية.
الاعتكاف في السعودية
يستقبل الشعب السعودي الشهر الكريم بالاعتكاف في المساجد، خاصة في الحرم الشريف والمكي، وفي وقت الإفطار يجتمع الجميع على مائدة واحدة حتى الأقارب والأصدقاء، وذلك لتشجيع الأطفال على الحفاظ على صلة الرحم، ويبدأ إفطار السعوديين بالتمر بجميع أنواعه إتباعاً لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما يفضلون تناول القهوة واللبن، و تعتبر السمبوسة من أهم الأطباق على المائدة السعودية في رمضان.
وفي السعودية، يكون الشهر بمثابة مهرجان كامل، فيشتري المواطنون كميات كبيرة من الرطب والأنواع المختلفة للبلح، ويقومون بتخزينها في الثلاجات، تمهيدا لتناولها إلى جانب القهوة أو على موائد الإفطار
تقليد «حق الليلة» في الإمارات
غالبًا ما تتم مقارنتها بالعادات الغربية المتمثلة في الخدعة أو المعالجة، فإن تقليد «حق الليلة»، في الإمارات يحدث في الخامس عشر من شهر شعبان، أي قبل شهر من رمضان، هذا اليوم الذي تشترك فيه العديد من البلدان في جميع أنحاء الخليج، يرى الأطفال يتجولون في أحيائهم وهم يرتدون ملابس زاهية، ويجمعون الحلوى والمكسرات في حقائب حمل تُعرف باسم kharyta - ، كل ذلك أثناء غناء الأغاني المحلية التقليدية، يتردد صدى ترنيمة: «أتونا الله يوتيكوم بيت مكة يوديكوم، أعطنا الله يجازيكم ويساعدكم على زيارة بيت الله في مكة».
كما يوجد تقليد في دولة الإمارات العربية المتحدة، بإفطار أول يوم في بيت العائلة، وتوجد أصناف من الحلويات والمعجنات لا يخلو منها منزل مثل القرص المخلوطة مع التمر والهيل. وأطباق أخرى مثل الهريس والثريد.
«التشعبينة» في الجزائر
وفي الجزائر تعدد مظاهر الاحتفال بالشهر الكريم، وفقا لكل منطقة، وتنوع ثقافتها، وفي جنوب الجزائر، هناك عادة اجتماعية ودينية، تسمى "التشعبينة" وهي احتفالات لتوديع شهر شعبان، تمهيدا لاستقبال شهر رمضان الكريم. وهناك أكلة تقليدية تسمى بـ"طبق شعبان" تكون في آخره.
كما يشتهر هناك شراء الأواني الجديدة الخاصة بالطهي في الشهر الكريم، كما يقوم البعض بطلاء المنازل أو أجزاء منها، لاستقبال الشهر في أفضل شكل ممكن.
مدافع الإفطار في لبنان
ارتبط مدفع الإفطار بشهر رمضان، في كثير من البلدان في جميع أنحاء الشرق الأوسط بما في ذلك لبنان، حيث استخدم العثمانيون المدافع للاحتفال بوجبة الإفطار في جميع أنحاء البلاد، وكان يُخشى أن يكون هذا التقليد قد فقد في عام 1983 بعد غزو أدى إلى مصادرة بعض المدافع التي كانت تُعتبر آنذاك أسلحة، لكن الجيش اللبناني أعاد إحياؤه بعد الحرب وما زال مستمراً حتى يومنا هذا، مما يثير الحنين بين الأجيال الأكبر سناً الذين يتذكرون رمضان في طفولتهم.
تناول البقوليات في اليمن
يختلف إفطار الشعب اليمني عن بقية الشعوب، حيث يعتمدون على البقوليات كَالأرز والذرة والشعير، ويقوم الأطفال بترديد الأناشيد والرقص احتفالاً بشهر رمضان الكريم.
كما يدأب اليمنيون بممارسةِ عادات رمضان بطلاء منازلهم قبل شهر رمضان كاستقبال احتفالي بقدومه، وتظهرُ بذلك اليمن بأبهى حُلّة وكامل استعدادها لقدومِ شهر الخير، كما تُنظم الإفطارات الجماعية في شوارع اليمن عند نداء الله أكبر لأذان المغرب يوميًا، وتزدانُ الشوارعُ بأجملِ الزينة، وتُطلق العيارات النارية من قبل الرجال.
مشروب «الحلومر» في السودان
قبل حلول شهر رمضان يقومون بشراء قمر الدين والتوابل ويقومون بإعداد مشروبهم الشهير "الحلومر" ويتكون من التوابل والذرة، ويتم تجديد أواني المطبخ إحتفالاً بالشهر الكريم، وفي شهر رمضان تجتمع كل الأسر في ساحة واحدة على شكل حلقات خلال الإفطار، وبعد الانتهاء يقومون بتناول القهوة ويقضون بعض الوقت ثم يذهبون لأداء صلاة التروايح.
كما يتم تدريب النساء على تجويد القرآن كل صباح، كما لابد أن يتم تجديد أواني المطبخ احتفالا بقدوم الشهر الكريم، لكن أكثر ما هو غريب أن الإفطار يجب أن يكون جماعيا في ساحات واسعة حيث تجتمع كل الأسر في ساحة واحدة للإفطار معا.
جواب النفار في المغرب
خلال شهر رمضان، يجوب النفار أحياء المغرب، وهو منادي بلدة يرتدي الزي التقليدي من الجندورة والنعال والقبعة، ويمثل بداية الفجر بلجنة تم اختياره من قبل سكان البلدة لصدقه وتعاطفه، يسير النفار في الشارع بينما ينفخ بوقًا لإيقاظهم للسحور.
تبادل الأطباق في العراق
يتميز أهل العراق بالكرم، فيبدأ شهر رمضان وتبدأ تبادل الأطباق المختلفة بين الجيران، حيث تجد أن مائدة الأسرة العراقية بها القليل مما صنعوه، والبقية هي أطباق الجيران.
العزائم في الكويت
يتميز شهر رمضان عند الشعب الكويتي بكثرة العزائم وتجمعات الأهل والأصدقاء، ومن أشهر تقاليد الشعب الكويتي في الاحتفال شهر رمضان هو تقليد "القرقيعان" وهو تجول الأطفال وطرق أبواب البيوت حتى يقدم لهم الجيران أكياساً مملوءة بالمكسرات والحلوى بمناسبة حلول الشهر الكريم.
«زغب رمضان» في موريتانيا
ينفرد الشعب الموريتاني بطباع خاصة في مظاهر الاحتفال بشهر رمضان الكريم، والتي توارثتها الأجيال منذ القدم.
ومن أشهر مظاهر الاحتفاء بالشهر الكريم «زغب رمضان»، وهي عبارة عن حلق شعر رأس الصبيان وأحيانا الكبار، حتي يبدأ الشعر بالنمو مع بداية شهر رمضان.
كما تشتهر موريتانيا بوجود المسحراتي ايضًا، وهو شخص يقوم بطرق أوعية معدنية لإيقاظ الناس على السحور.
قرع الطبول في تركيا
بمجرد ثبوت الرؤية تنطلق الزغاريد في كل بيت لتعبر عن هذه الفرحة بالبشرى التي زفت إليهم ببدء الصوم في اليوم التالي، وتنطلق في البيوت روائح المسك والعنبر وماء الورد من جراء نثرها على عتبات الأبواب والحدائق المحيطة بالمنازل طيلة أيام رمضان الكريم.
وتعتبر هذه من العادات المتوارثة عبر الأجيال هناك، كما تبدأ السيدات كبار السن (الجدات) في تجهيز أول سحور رمضاني، والذي يتكون من الفواكه الطازجة والملبن التركي الشهير المحشو بالمكسرات والقشدة واللحم المقدد.
كما أنه منذ أيام الإمبراطورية العثمانية، استيقظ الصائمون في شهر رمضان على صوت قرع طبول في الصباح الباكر من أجل السحور، على الرغم من مرور الوقت وعلى الرغم من اختراع المنبهات، لا يزال أكثر من 2000 عازف طبول يجوبون شوارع تركيا، ويوحدون المجتمع المحلي خلال الشهر الكريم.
تطهير النفس في إندونيسيا
في جميع أنحاء إندونيسيا، يمارس المسلمون طقوسًا مختلفة لتطهير أنفسهم في اليوم السابق لشهر رمضان، وتحتفظ عدة مناطق في جاوة الوسطى والشرقية بتقليد مطهر يسمى بادوسان «الاستحمام»، حيث يغرق المسلمون الجاويون أنفسهم في الينابيع، وينقعون أجسادهم من الرأس إلى أخمص القدمين.
ويقوم السكان هناك أيضًا بتنظيف مقابر المتوفين من الأقارب، وينظمون مسيرات بمشاعل مضيئة لها ألوان مميزة، كما يكون اللحم وجبة رئيسية على الموائد، ويتم توزيعها على الفقراء على مدار الشهر الكريم.
كما تتمتع الينابيع بأهمية روحية عميقة في الثقافة الجاوية، وهي جزء لا يتجزأ من التطهير للشهر الكريم، منذ سنوات، كان من الشائع لكبار السن والزعماء الدينيين المحليين اختيار وتخصيص الينابيع المقدسة في الوقت الحاضر، يذهب الكثيرون إلى البحيرات وأحواض السباحة القريبة، أو يطهرون أنفسهم في منازلهم.
«حرب البيض المسلوق» في باكستان
بما أن رؤية الهلال الجديد يصادف نهاية شهر رمضان وبداية عيد الفطر، لذا تبدأ احتفالات شاندرات في باكستان، بعد الإفطار الأخير تتوافد أعداد كبيرة من النساء والفتيات على الأسواق المحلية لشراء أساور ملونة وطلاء أيديهن وأقدامهن بتصميمات معقدة من الحناء.
ومن أغرب عادات الشعوب في رمضان على الإطلاق تلك التي تقوم بها مدينة بيشاور الباكستانية التي تشتهر بإقامتها لحفل عرس تجمع فيه كل الأطفال الذين يقومون بالصوم لأول مرة لتشجيعهم على الاستمرار ،والعادة الأكثر غرابة هي مسابقة “حرب البيض المسلوق” التي لابد أن تقام على مدار شهر رمضان ، وهي لعبة تبدأ في المساء وتنتهي عند موعد السحور، وتعتمد قوانينها على إمساك أحد المتسابقين الشباب ببيضة مسلوقة، ويضرب بها الأخرى التي في يد خصمه بهدف كسرها، حتى يتأهل للمرحلة التالية.
«حقيبة البركات» في أذربيجان
وفي أذربيجان، هناك عادة الاحتفاظ بـ"حقيبة البركات"، وهي حقيبة يتم الاحتفاظ فيها بما تيسر من أموال، حتى نهاية الشهر، ولا تفتح إلا مع بداية كل عام، كنوع من التأمين ضد الفقر، ولضمان حلول الشهر من جديد في سعة مالية.