أكد وزير الموارد المائية والري الدكتور هاني سويلم، أن العالم يواجه تحديات متزايدة لتوفير احتياجات المياه وضمان استدامتها، مع استمرار التطور الإنساني والنمو السكاني المتزايد، مشيرا إلى أنه في إطار الجهود المتضافرة لمواجهة تلك التحديات، فإنه من الضروري عدم التعامل مع المياه وكأنها سلعة اقتصادية، فالمياه كالهواء لا غنى عنها للبقاء الإنساني، ومن ثم تصبح المياه شرطا مسبقا لضمان حق الإنسان في الحياة، وبالتبعية سائر حقوق الإنسان.
جاء ذلك في كلمة مصر التي ألقاها وزير الموارد المائية والري أمام الجلسة العامة لمؤتمر الأمم المتحدة للمياه 2023، والذي يعقد حاليا بنيويورك.
وقال الدكتور سويلم إن تغير المناخ أضاف مزيدا من التعقيدات التي تواجه مساعي توفير المياه وضمان استدامتها، ويترتب على ذلك تحديات إضافية أمام الأمن الغذائي، وهو ما يبرز على وجه خاص في المناطق القاحلة والتي تعاني ندرة مائية.
وأضاف أن مصر خير مثال للدول التي تعاني من هذه التحديات المركبة المترتبة على تغير المناخ والندرة المائية، فمصر هي دولة المصب الأخيرة بنهر النيل، ومن ثم فهي لا تتأثر فحسب بالتغيرات المناخية التي تجري في حدودها، وإنما عبر سائر دول حوض النيل بأسره.
وأوضح الوزير أن مصر تعاني من وضعية ندرة مائية فريدة من نوعها دوليا، فمن ناحية تأتي مصر على رأس قائمة الدول القاحلة باعتبارها الدولة الأقل على الإطلاق من حيث معدل الأمطار بين كافة دول العالم، ومن ناحية أخرى يبلغ نصيب الفرد من المياه سنويا نصف حد الفقر المائي، وتعتمد مصر بشكل شبه مطلق على نهر النيل بنسبة 98% على الأقل لمواردها المائية المتجددة، وهي الموارد التي يذهب ما لا يقل عن 75% منها للإسهام في استيفاء الاحتياجات الغذائية للشعب المصري عبر الإنتاج الزراعي، علما بأن قطاع الزراعة يمثل مصدر الرزق لأكثر من 50% من السكان، وأخذا في الإعتبار أن مصر لديها عجز مائي يصل إلى 55% من احتياجاتها المائية التي تبلغ 120 مليار متر مكعب..مشيرا إلى أن مصر تقوم باستثمارات هائلة لرفع كفاءة منظومة المياه لديها تعدت الـ 10 مليارات دولار خلال الخطة الخمسية السابقة، كما تقوم بإعادة استخدام المياه عدة مرات في هذا الإطار، وتضطر لاستيراد واردات غذائية هائلة بقيمة حوالي 15 مليار دولار.
وأشار إلى أن في ضوء ما تقدم، فإن وجود تعاون مائي فعال عابر للحدود يعد بالنسبة لمصر أمرا وجوديا لا غنى عنه، ولكي يكون مثل هذا التعاون ناجعا فإن ذلك يتطلب مراعاة أن تكون إدارة المياه المشتركة على مستوى "الحوض" باعتباره وحدة متكاملة، بما في ذلك الإدارة المتكاملة للمياه الزرقاء والخضراء، كما يتطلب ذلك مراعاة الالتزام غير الإنتقائي بمبادئ القانون الدولي واجبة التطبيق، لاسيما مبدأ التعاون والتشاور بناء على دراسات وافية ، وهو المبدأ الذي يعد ضرورة لا غنى عنها لضمان الإستخدام المنصف للمورد المشترك وتجنب الإضرار ما أمكن.
واتصالا بذلك، أكد وزير الري أن أخطار التحركات الأحادية غير الملتزمة بتلك المبادئ على أحواض الأنهار المشتركة تبرز، والتي يعد أحد أمثلتها سد النهضة الإثيوبي الذي تم البدء في إنشائه منذ أكثر من 12 عاما على نهر النيل دونما تشاور ودون إجراء دراسات وافية عن السلامة أو عن آثاره الاقتصادية والاجتماعية والبيئية على الدول المتشاطئة، وتستمر عملية البناء والملء بل والشروع في التشغيل بشكل أحادي، وهى الممارسات الأحادية غير التعاونية التي تشكل خرقا للقانون الدولي بما في ذلك اتفاق إعلان المبادئ الموقع في عام 2015، ولا تتسق مع بيان مجلس الأمن الصادر في سبتمبر عام 2021، كما يمكن أن يشكل إطاستمرارها خطرا وجوديا على 150 مليون مواطن، فبالرغم مما يتردد من أن السدود الكهرومائية لا يمكنها أن تشكل ضررا، لكن حقيقة الأمر أن مثل هذه الممارسات الأحادية غير التعاونية في تشغيل هذا السد المبالغ في حجمه يمكن أن يكون لها تأثيرا كارثيا، ففي حالة استمرار تلك الممارسات على التوازي مع فترة جفاف مطول قد ينجم عن ذلك خروج أكثر من مليون ومائة ألف شخص من سوق العمل، وفقدان ما يقرب من 15 % من الرقعة الزراعية في مصر، بما يترتب على ذلك من مخاطر ازدياد التوترات الاجتماعية والاقتصادية وتفاقم الهجرة غير الشرعية، كما يمكن أن تؤدي تلك الممارسات إلى مضاعفة فاتورة واردات مصر الغذائية.
وقال سويلم إنه مع تمسك مصر بروح التعاون والتشاور البناء فيما بين الدول المتشاركة لموارد مائية عابرة للحدود، فإنها تؤكد على ضرورة عدم الإنجراف إلى إيلاء الأولوية لمكاسب طرف بعينه على حساب خسارة الآخرين، حيث لن يكون من شأن ذلك إلا تقاسم الفقر بما قد ينجم عن ذلك من توترات، في حين أن إيلاء الأولوية للتعاون السليم بحسن نية يمكن أن يفضي بنا وبسهولة إلى تعظيم المكاسب، ومن ثم تقاسم الرخاء والازدهار للجميع.
وأضاف أن مصر تعمل في إطار استراتيجيتها التعاونية على تعظيم المكاسب الممكنة من الترابط ما بين موضوعات المياه والغذاء والطاقة والمناخ، سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي أو الدولي، فعلى الصعيد الوطني، تبنت مصر سياسة مائية تقوم على الاستخدام الرشيد والمتسم بالكفاءة لمواردها المائية المتجددة، مع الاعتماد المتزايد على الموارد المائية غير التقليدية، وذلك على التوازي مع سياسة غذائية توازن ما بين إنتاج الغذاء واستيراده لتوفير الأمن الغذائي، وعلى الصعيد الإقليمي، تتمسك مصر بأهمية انتهاج قواعد التعاون الذي يراعي مصالح كل الأطراف، ومن ثم يشمل كل الأطراف، وأن يتم في هذا الإطار التشاور بناء على أسس علمية سليمة، بغرض ضمان تحقيق الإنصاف، وتجنب الضرر ذي الشأن.
وفي ضوء تشرف مصر برئاسة مجلس وزراء المياه الأفارقة (أمكاو) حاليا، أكد الدكتور سويلم اعتزامه التنسيق اللصيق مع وزراء المياه في أفريقيا لحشد التمويل اللازم لتعزيز البنى التحتية الأفريقية على أسس من المنفعة المشتركة، وعلى النحو الذي يدعم إيجاد حلول جذرية لما تواجهه القارة الأفريقية من تحديات مائية، كما تستمر تحركات مصر الداعمة لتسليط الضوء على ندرة المياه في المنطقة العربية أيضا وتضافر الجهود لمجابهتها.
أما على الصعيد الدولي، أوضح أن مصر انخرطت في كافة المبادرات الدولية المائية، وأخص بالذكر مبادرة السكرتير العام لأنظمة الإنذار المبكر، ومبادرة التحالف العالمي للمياه والمناخ ، وتعزيز دور الأمم المتحدة في موضوعات المياه ، بما في ذلك من خلال الدعوة لتعيين مبعوث خاص للسكرتير العام لمسائل المياه ، وكذا الدعوة لإيلاء مسائل الندرة المائية أولوية خاصة على الأجندة الأممية من خلال إطلاق "برنامج عمل للأمم المتحدة UN Action Program عن الندرة المائية ، وفقا لما خلُصَ إليه أسبوع القاهرة الخامس للمياه في عام 2022.
كما نوه الدكتور سويلم بأن مصر - خلال رئاستها لمؤتمر المناخ COP27 - قد تمكنت بالتعاون مع الشركاء الدوليين من وضع المياه في قلب العمل المناخي ، وذلك من خلال عدة أحداث هامة ، تضمنت مائدة مستديرة رئاسية عن الأمن المائي ، وإستضافة جناح خاص للمياه ، ويوم خاص للمياه ، وإطلاق مبادرة المياه والتكيف Action for Water Adaptation and Resilience (AWARe) ، كما تم تتويج تلك الجهود بإدراج المياه للمرة الأولى على الإطلاق في القرار الجامع covering decision الصادر عن مؤتمر المناخ COP27، وهو ما نتطلع للبناء عليه بالتنسيق مع دولة الإمارات الشقيقة في إطار التحضير لمؤتمر المناخ القادم COP28.
وفي نهاية كلمته، أعرب الوزير عن تمنياته بأن ما سيجري في هذا المؤتمر من نقاشات ستخط سبيلا واضحا لتجاوز التحديات الدولية المركبة للندرة المائية وتغير المناخ والأمن الغذائي، وترحب مصر باتخاذ إجراءات فورية لوضع آلية متابعة لضمان تنفيذ الأفكار الطموحة التي ستنتج عن المؤتمر بما يمكننا من حشد الجهود من أجل مستقبل أفضل لأبنائنا والأجيال القادمة.
يشار إلى أن وزير الموارد المائية والري يزور نيويورك حاليا على رأس وفد مصري رفيع المستوى للمشاركة في فعاليات "مؤتمر الأمم المتحدة لمراجعة منتصف المدة لعقد المياه" والمزمع عقده خلال الفترة من 22 إلى 24 مارس الجاري، بالتزامن مع الاحتفال بيوم المياه العالمي.