الجمعة 26 ابريل 2024

استنساخ أوكرانيا على الأراضي السورية

مقالات26-3-2023 | 13:10

إن استهداف القوات الأمريكية في سوريا بهجوم بطائرة مسيرة، في قاعدة لقوات التحالف قرب الحسكة شمالي شرق سوريا قد يبدو خبرا عاديا في إطار حرب دائرة لكنه في الحقيقة أكثر أهمية بالنظر إلى التغير الجيوسياسي الذي تدور رحاه حول العالم بل يعد أول هجوم يشنه النظام العالمي الجديد لطرد الوجود الأمريكي في سوريا والتي يبدو أنها ستتحول إلى أوكرانيا جديدة تدور على أرضها حرب بالوكالة تختلف اختلافا كليا عن الحرب الدائرة على أرضها منذ أكثر من 10 سنوات بدعاوى الديمقراطية، وما يؤكد ذلك ردة الفعل السريع على الهجوم الذي انتهك كرامة قوات الاحتلال الأمريكي على الأرض السورية وعبث بكرامتها الملطخة في مناطق عدة حول العالم اليوم.

 

إننا لسنا بحاجة إلى تأكيد اندلاع حرب جديدة بالوكالة بين إيران وأمريكا على الأراضي السورية، حيث أعلن  الرئيس الأمريكي جو بايدن نفسه خلال مؤتمره الصحفي مع رئيس الوزراء الكندي إن الولايات المتحدة لا تسعى إلى صراع مع إيران لكننا مستعدون للعمل بقوة لحماية شعبنا.

إيران من جانبها لا تخسر شيئا أكثر بالتصعيد مما تخسره اليوم ولا يدفعها أي اضطرار إلى التهدئة فمن ناحية وبعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي وضعت إيران بين مطرقة اقتصادها المتداعي وبين سندان رغبتها في إظهار  أن لها نوعًا من القدرة، على اختلاق مشكلات

أما المنطقة فهي على برميل بارود معد للانفجار فإيران ليست لديها أي مكسب من تهدئة الأوضاع كما أن الولايات المتحدة  مضطرة للرد عندما تتعرض قواتها للتهديد لكنها على أي حال ستدفع دفعا إلى إعادة تقييم وجودها في سوريا ومناقشة جدية للانسحاب خاصة أنها مشغولة بالتعامل مع النظام العالمي الجديد الذي يقوده التحالف الصيني الروسي والذي يتسبب لها في إحراج لم تكن تتوقعه فلم  تخش الولايات المتحدة يوما على هيمنتها أو مصالحها الوطنية كما هي اليوم

إن الهجوم الأخير يعيد تذكير الولايات المتحدة أنها لا تزال في حالة حرب بسوريا، وأن الأمريكيين في خطر فهذا الهجوم  ليس المرة الأولى التي يستهدف فيها أمريكيون في سوريا وبالطبع لن تكون الأخيرة وتلك الهجمات تؤكد أن الأمريكيين انشغلوا بالمهمة الرسمية المعلنة لتواجدهم في سوريا وهي قمع "داعش" والتي تسببت في تشتيت جهودهم  لمواجهة روسيا وإيران التي استهدفت ميليشياتها  أفراد الخدمة الأمريكية، بما لا يقل عن 72 هجوما منذ عام 2017 وقع أغلبها خلال العامين الماضيين ولا يشمل ذلك الهجمات التي شنتها الحكومة السورية ولا القوات المدعومة من روسيا، بما في ذلك مجموعة فاجنر، التي شنت هجومًا جريئًا وواسع النطاق على قرابة أربعين جنديًا أمريكيًا عام 2018 فقد أعلم قائد القيادة المركزية الأمريكية لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ مؤخرا بأن القوات الجوية الروسية تحلق بشكل متزايد فوق مواقع القوات الأمريكية بطريقة "استفزازية"، في سلوك تكرر أيضًا على الأرض حين اصطدمت القوات الروسية بالقوافل الأمريكية.

ويبدو أن بايدن سيكون مضطرا خلال الفترة المقبلة بمد سياسته لإنهاء أو تقليص الحروب التي لا نهاية لها للولايات المتحدة في أفغانستان والعراق إلى سوريا ما  يعني تراجع واشنطن عن محاربة داعش.

كما أن واشنطن منزعجة من أن دمشق لم تعد معزولة كما كانت حيث يتصاعد التقارب الإقليمي مع سوريا على قدم وساق، ففي أعقاب الاتفاق الذي توسطت فيه الصين بين السعودية وإيران من المتوقع أن يؤدي اتفاق السلام السعودي السوري الناشئ، إلى مزيد من التحول، في الجغرافيا السياسية بالشرق الأوسط.

إن المنطقة مقبلة على تغيير كبير ومؤلم وثمته باهظ لكنه سيكتب ميلادها جديدا للمنطقة وسيعكس سير عقارب الساعة والأفق ضبابي ومكتظ بمزيد من الأحداث التي ستولد واقعا جديدا يبدو فيه النظام العالمي الذي نشأ عقب الحرب العالمية الثانية في مؤخرة المشهد أو على بالأحرى خارجه.

Dr.Randa
Dr.Radwa