الأحد 6 اكتوبر 2024

بين أيدينا

مقالات26-3-2023 | 14:21

الإعلام حوّل رمضان لمناسبة ترفيهية، موسم لإنتاج المسلسلات والفوازير وبرامج المقالب والنميمة والفضائح بشكل صار مُريعًا ، فبدلاً من تهيئة الحال أمام عباد الله لاغتنام ما يمنحه من نفحات ربانية إذ به يسعى لصرفهم باتجاه آخر بعيدا تماما تحت شعارات خادعة على نحو ما يقال عن أنه شهر الفرحة أو ما شابه من شعارات أقل ما يقال عنها إنها قولة حق يراد بها باطل.

والحقيقة أن ما يفعله بنا الإعلام فى رمضان ليس بجديد ، فمنذ زمن ونحن نضج بالشكوى منه دون جدوى أو مُجيب، وقد زاد الطين بلة دخول وسائل التواصل الاجتماعي على الخط، فمبررات الإلهاء أو قل الإفساد عصية فيما يبدو على الكسر ، والحل يكمن في أنفسنا، بإرادتنا، فالإعراض عن تلك الشواغل والمخططات واغتنام فرص الثواب والمغفرة بين أيدينا.

فعملية تحويل رمضان لمناسبة فلكولورية، تحتاج لوقفة  تصحيحية على الأقل على المستوى الفردى بعد أن فقدنا الأمل فى وجود وقفة مجتمعية شاملة لأسباب ليست خافية ، فرمضان شهر عبادة تحكمه أصول دينية وليست عادات وتقاليد تراكمت بشكل أو آخر حتى شكلت فى ذهن البعض معيارًا متوهمًا للأداء فيه دون أن يعنى هذا رفض الحسن منها مما لا يخالف الشرع .

والخطورة الأكبر هنا ليست فقط في تفريغ رمضان من محتواه التعبدي وإنما فى أن يمتد الحال للدين كله فيصير مجرد طقوس احتفالية نمارسها في مناسبات بعينها لنظهر هويتنا الإسلامية المتوهمة، فهناك الآن من يعملون على صرفنا عن إسلامنا بدوافع مختلفة، وأساليب متنوعة منها دفعنا لتفريغه من محتواه الأصلي ليصبح مجرد طقوس رمزية ، فلا عبادات مرهقة أو محرمات مُلزمة وإنما فلكلور مبهج وحسب.

بالطبع هناك من سيرى فيما ذهبنا له مبالغة لا محل لها، لكن ربما يمكن لنظرة هؤلاء أن تتغير إذا ما أدركوا أن ما يجرى على الإسلام من محاولات تفكيك وإعادة تركيب حدثت من قبل مع اليهودية فى نسختها المعاصرة ونجحت وحققت مرادها، صحيح أن بنية الإسلام مختلفة ، فالمكون الإسلامى مرن بطبعه وقادر على التجاوب مع متغيرات الزمان والمكان.

فى حين أن اليهودية تكلست، فتدخل مفكروها فيها لكى تتكيف مع المجتمع الغربي الحديث، فما كان منهم إلا أن أسقطوا كثيرًا من أصولها وأدخلوا فيها ما ليس بها، وهكذا تحولت اليهودية كما يقول المفكر الراحل عبد الوهاب المسيرى لمجرد شكل إيمانى غير عميق لديه التباسات حول طبيعة الإله نفسه، وشعائر دينية احتفالية، وبعض القيم الأخلاقية، والأعمال الفنية والأطعمة الدينية.

إذًا فمكامن الخطورة فيما يجرى على إسلامنا قائمة وحقيقية ومن ثم فعلينا العمل على إجهاضها مبكرًا، ولتكن البداية بالتعامل مع رمضان على نحو يوافق صحيح ديننا بعيدًا عن شواغل الإعلام المُلهية خاصة أن هناك - وإن كان على استحياء - إعلام آخر يمثله قنوات وإذاعات دينية تعمل على تصويب الصورة، فسيدنا رسول الله ﷺ يقول "أتاكم رمضان، شهر يغشاكم الله فيه، فينزل فيه الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب الدعاء، ويباهى بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرًا، فإن الشقى من حُرم فيه رحمة الله".