الأحد 26 مايو 2024

نقد تليفزيوني .. قتل .. خطف.. تهديد .. شكراً لنواياكم غير البريئة!!

14-2-2017 | 21:39

كتبت : هبة عادل

قناة فضائية جديدة تفتتح خريطة برامجها لجذب جمهورها الكريم بمسلسل عن السحر والشعوذة حمل اسم «الكبريت الأحمر» تلاه مسلسل آخر بعنوان «نوايا بريئة» يدور في عالم تجارة السلاح وكأن حياة الجمهور المصري بل و العربي قد خلت من كل الهموم والمشاكل وصار شغلها الشاغل هذه العوالم الغريبة والبشعة التي باتت تغزو بيوتنا وعقولنا عبر دراما لا أعرف بماذا اسميها أو كيف أصفها؟

غير أن هذا المسلسل لم يكن الأول ولن يكون الأخير الذي دار ويدور في عوالم الجريمة والقتل وتجارة السلاح فقبله كان «جبل الحلال» للعملاق الراحل محمود عبدالعزيز و«الصياد» للنجم الشاب يوسف الشريف وأيضا «شهادة ميلاد» للفنان طارق لطفى والآن يعرض «الأب الروحي» لمحمود حميدة وأحمد فلوكس وكلها تدور فى نفس الأفق وذات الدوائر السوداء... عندما تابعت نوايا بريئة عن كثب تتبعاً دقيقا وبشكل مهني بحت ، سألت نفسي من عساه أو بإمكانه تحمل مشاهدة ومتابعة هذه الأحداث البشعة التي لا اتصور أن نفسية سليمة وخطرة وفطرة سوية طبيعية يمكنها أن تتقبلها؟ نجما أو بطلا العمل هما السوري عابد فهد والمصري خالد زكي وكلاهما أو هما شريكان في بيزنس تجارة السلاح وتفتتح الحلقة الأولي وهما يدخلان إلي شركتهما ليجدان لغطا وأناسا يهرولون جراء اكتشاف قنبلة مزروعة بجراج العمارة ولم يستطع أحد التمكن من السيطرة عليها إلا بعد فترة فيكون الحوار الطبيعي من عابد فهد لشريكه:

«ولاد الكلب دول يستاهلوا اللي هيحصل فيهم» ولا نجد من الآخر إلا الموافقة علي هذه النصيحة الغراء وبينما هما يستعدان لإقامة حفل كبير يقوم أحدهم بخطف ابنة خالد زكي ليساومهما بها علي تسليم والدته واخته التي سبق وتم اختطافهما ونجد أن عابد فهد يحاول قتل هذا الخاطف فتخرج الرصاصة خطأ من مسدسه لتموت ابنة شريكه بين يدي ابيها فتتحول شراكتهما إلي حرب ضروس تدور حولها الحلقات الثلاثون ومن جانب آخر نري أن أحدهم يظهر خلال شاشة كمبيوتر علي مكتب عابد فهد ليقوم بتهديده مراراً وتكراراً بقتل أحد المقربين له ويقوم مجهول آخر عبر الحلقات بتهديد جميع أفراد أسرة رجل الأعمال «فؤاد الحناوي» أو عابد فهد كل علي حسب نقطة ضعفه السوداء الموجودة في ملف حياته غير البريئة علي الإطلاق وهكذا ياحضرات تدور الدوائر في هذا المسلسل الذي لا أدري أين هي النوايا البريئة التي عنها يتحدثون حتي اطلقوا هذا الاسم كعنوان له؟!

فنحن نجد بين كلمة قتل وقتل وقاتل ويقتل وقتيل ومقتول.. كلمات خطف ويخطف ومخطوف ومخطوفة.

وبين الموت والموت تهديد بالموت وبين التهديد والتهديد .. خطف فالمسدس هو البطل الأول في هذا العمل ظهر علي الشاشة في يد أبطال المسلسل أكثر من ظهور الأبطال أنفسهم حتي إنني أذكر أني شاهدت إحدي الحلقات وسط عدد من أفراد عائلتي وراهنتهم علي عدد المرات التي سيظهر فيها المسدس في الحلقة وفزت بالرهان... فقد ضرب هذا المسلسل الرقم القياسي لظهور قتلة ومقتولين ضاربا بكل المعايير الإنسانية والأخلاقية والنفسية والاجتماعية عرض الحائط ومتجاوزا حتي للخطوط الحمراء المتفق عليها في الدراما وقواعدها فربما كنا نعرف التابوهات الثلاثة التي يراعيها صناع الدراما في أعمالهم وهي الجنس والسياسة والدين ... وكانت الرقابة تحذف ولو حتى مشهد تعذيب واحد في فيلم سينمائي فما بالنا بعمل يدخل البيوت دون استئذان؟!

وقد ضم المسلسل مجموعة من المشاهد المصنوعة بسادية شديدة تنقلها حوارات فجة فنجد مثلا هذا الشاب الذي يريدون إجباره علي الزواج من ابنة «الحناوي» بعدما نشر علي النت فيديو فاضح لهما بدون زواج .. فيجلسونه علي كرسي وتحت قدميه مياه واسلاك كهرباء إذا لم يعلن زواجه أمام كاميرا تصوره سيقومون بقتله صعقا بالكهرباء وهذه فتاة يتم شدها من شعرها لإجبارها علي دس أوراق لدي رجل الأعمال المنافس «تذهب به إلى السجن» عندما ترفض هذا الأمر يقول لها: «أنت ممكن ما تقبليش وأنا ممكن أوديكي ورا الشمس ممكن أعيشك في الجحيم وممكن اعيشك في الجنة» أقول أنا وأنا أشاهد استغفر الله العظيم وبالطبع عندما يتم تهديد أسرة بأكملها فيجب أن تستعرض الحلقات جميع سقطات وموبقات أفراد هذه الأسرة مما يعكس تفسخا عائليا شديدا بين هؤلاء الأفراد حتي وصل الأمر أن ابنة تنتقم من أبيها الذي تراه المتسبب في قتل شقيقتها التوأم فتقوم بتصوير نفسها وهي مسجاة علي الأرض غارقة في دمها وترسل هذا الفيديو لأبيها حتي يصدق أن أحداً قد قتلها هي الأخري وبهذا تحرق قلبه علي وفاة ابنتيه وبعد حلقات تظهر حية وتذهب له شاهرة في وجهه المسدس وعندما يقول لها عاوزه تموتي أبوك تقول له... لا .. أنا هاقتل نفسي وكل هذا كي تنتقم من أبيها!!

وهذا الحناوي تاجر السلاح عندما يجد نفسه مفضوحا أمام الرأي العام من مذيع تليفزيوني يشاهده علي الشاشة الصغيرة فيصرخ، أنت ابن كلب وديني هاتقتل..

ومن ثم نجد أن أسهل كلمة يمكن استخدامها في هذا العمل هي القتل ووسط عالم المساومات والمغامرات والصراعات نجد أن الكل علي استعداد تام كما يصبح مجرما محترفا عتيد الاجرام في ثانية واحدة دون سابق إنذار أو تدريب أو حتي تفكير.

أما إذا توقفنا عند الأداء التمثيلي للأبطال وسط هذه الأحداث المدوية فتجد الوجه المتجهم دائما لعابد فهد مع تشوش المشاهد بين لهجته السورية الأصلية وبين المصرية خاصة وأنه كان مفتعلا في الكثير من الأحيان أما أداء النجم خالد زكي فكان مكرراً يشبه إلي حد كبير طريقة كلامه في مسلسل «صاحب السعادة» مع الزعيم عادل إمام عندما كان يلعب دور وزير الداخلية أما سوسن بدر فلم تكن في أحسن حالاتها فهي في رأيي غول تمثيل وبطلة مميزة جدا فى منطقة الكاركترات الصعبة أما هذا الدور فلم يكن لها.. إنجي المقدم كانت موفقة إلي حد كبير وكذلك النجم أحمد حاتم ولكني أنصحه بالبحث عن أدوار متجددة بعيدة عن قالب التمثيل الواحد الذي سيخسر كثيرا إذا ظل حبيسا له.. ناصر سيف حتي الحلقة الأخيرة عندما تم كشف الغطاء عن كونه المجرم الذي يهدد هذه العائلة فقد ظل 29 حلقة يلعب دور التابع لرجل الأعمال المتجبر فلم يكن هذا الوضع مريحا لجمهور تابعه في الآونة الأخيرة في أدوار تألق فيها كثيراً.

النجم الشاب أحمد العوضي الذي لعب دور شريف دور ممتاز وأداء ينبئ بموهبة شابة آتية علي الطريق بقوة أما النجمة رشا مهدي فالدور ومفرداته ومساحته كانت مناسبة تماماً لها وأجادت فيه إلي حد كبير .. النجم عمرو رمزي عرفناه ككوميديان عبر برامج ومسلسلات سابقة كذلك يعتبر دوره هنا كضابط بوليس متجبر هو بمثابة إعادة اكتشاف له وإن كنت هنا أعود لأحذر مجددا من نقطة مخيفة قد تحدثنا عنها قبل ذلك علي صفحات مجلتنا الغراء وهي تجسيد رجل الشرطة كضابط فاسد يحمي ويحرس بل ويتواطأ مع الفاسدين والمجرمين وهذا خطر كبير ياصناع الدراما فإلي متي نحذر ولا حياة لمن تنادي..؟

مثلما حذرنا من قبل من خطورة هذه المسلسلات التي تستبيح تصوير وإظهار وترويج مشاهد العنف والدم والقتل... وقلنا في تحقيقات سابقة إن اتخاذ الدماء كمادة خام لصناعة الدراما المصرية هو أمر بالغ الخطورة وأتذكر عندما فتحنا ملف التحقيق في هذه القضية واستشرنا المختصين قال الكاتب الصحفي الكبير محمود صلاح رئيس التحرير الأسبق لمجلة اخبار الحوادث إن هذا الاتجاه وأقولها بملء الفم «هيودينا في داهية» فنيا واجتماعيا ولكن صناع هذه الأعمال للأسف لا يفكرون إلا في محفظة نقودهم كما قالت الناقدة الفنية الكبيرة ماجدة موريس: لدي شعور بخطر وجود هذه الأعمال فيما أجمع علماء النفس والاجتماع علي الأضرار النفسية الجسيمة علي فكر وعقل الإنسان المصري جراء متابعة هذه الانماط من الدراما ولصناع هذه الدراما أقول مجدداً ما تصنعونه خطرا وإذا كنا قد حذرنا وهذا واجبنا المهني بل الإنساني ونكرر أنتم مصرون أن تظلوا في واد ونحن في واد ونتحدث ونكتب وأنتم لا حياة فيكم لمن ننادي فثقوا أنكم ستصلون يوما ما إلي عزوف جمهوركم عنكم وستنادون أنتم ولا حياة ستكون في مشاهديكم لمتابعة ساديتكم البشعة هذه ولكن أخشي ما أخشاه أن يأتي هذا اليوم متأخرا ولا أعلم أين سيذهب المجتمع جراء أعمالكم هذه... فى عالم يسوده الإرهاب وأنتم تشعلون النار وتضعون السم في العسل والقتل في الدراما بهذا الحجم المخيف.. وتسمون العمل نوايا بريئة فإذا كانت غير بريئة ماذا كنتم ستقدمون فرجاء كفاكم عبثا بمستقبل شعب ووطن هو البريء من أعمالكم هذه ونشكركم علي نواياكم البريئة واللهم قد بلغت... اللهم فاشهد.