الإثنين 29 ابريل 2024

في الذكرى 1083 على تأسيسه.. الجامع الأزهر بين الكفاح والمواقف التاريخية

الجامع الأزهر

تحقيقات28-3-2023 | 21:55

نور الدين نادر

تحل غدًا ذكرى تأسيس الجامع الأزهر، المؤسسة الدينية الأكبر على الإطلاق في مصر والعالم العربي، ويأتي الاحتفال هذا العام بمناسبة مرور 1083 على تأسيس الجامع الأزهر، ففي السابع من شهر رمضان المبارك سنة 972 م انطلقت منارة الأزهر ليسطر تاريخًا عظيمًا من العطاء بأعلى درجاته، والكفاح بأجلّ صوره، والنضال على أفضل ما يكون.

وقد كان الأزهر الشريف طوال تاريخه ركيزة أساسية في مصر والعالم كله، لأنه أنشئ في وسطية أرضها، وخرج منها نقطةَ زيت لامست العالم كله، وإن مصر أولى به، إذ أنه تشكل في اعتدالها، واحتضنته فأكبرها، وكان قاعدة واستثناء منذ نشأته حتى يومنا هذا.

 

تطور الأزهر

ظهرت مؤسسة الأزهر بشكلها الحالي عام 1911 حين تحولت من جامع إلى مؤسسة دينية، وفي أعقاب ثورة يوليو 52 حصلت تطورات كثيرة متتابعة، منها تم فصل جامعة الأزهر عن الجامع الأزهر عام 1952، وفي عام 1955  لم يعد المسجد بمثابة مدرسة، وفي عام 1961 أصبح هو الهيئة العلمية الإسلامية الكبرى التي تقوم على حفظ التراث الإسلامي ودراسته.

قانون 61..طفرة في تاريخ الأزهر

تم إنشاء كليات رسمية لأول مرة للجامعة في عام 1961 بموجب قانون يحمل نفس رقم السنة؛ إذ نص على أن الأزهر المؤسسة الدينية الكبرى وله شخصيته المعنوية المستقلة، مع فصل الأدوار المزدوجة للمؤسسة التعليمية والمؤسسة الدينية، ونص القانون على إنشاء كليات غير دينية داخل الأزهر، مثل كليات الطب والهندسة، والاقتصاد.

وقد أدى ذلك إلى نمو هائل في عدد الطلاب المصريين الذين حضروا إلى المدارس، وعلى وجه الخصوص الشباب الذين يحضرون المدارس الابتدائية والمدارس الثانوية داخل منظومة الأزهر، وبحسب إحصائيات عدد الطلبة الذين حضروا إلى مدارس الأزهر الابتدائية والمدارس الثانوية ارتفع من (أقل 90,000 طالب في عام 1970 إلى 300,000 طالب في أوائل الثمانينات)، وظل ينمو حتى تجاوز المليون عام 2000.

 

نضال الأزهر التاريخي

مقاومة الاحتلال الفرنسي

لقد تمتع الأزهر بسجل حافل من المواقف الحاسمة في اللحظات الحرجة التي شهدتها مصر، وشهدها العالم العربي أجمع، وكان دائمًا شوكة في حلق كل معتد أثيم، وسجل لحظات كفاحه بحروف من الذهب، خاصة في مواجهة الحملة الفرنسية ومقاومة المحتل.

ورغم أن مقاومة المحتل كانت من جميع الأحرار في مصر، لكن الأزهر لعب دورًا بطوليًّا بارزًا، خاصة في خطبه التي حرضت عامة الناس على الفرنسيين، ونتج عن ذلك انتفاضات شعبية عارمة منها ثورة القاهرة الأولى في العام ١٧٩٨م وثورة القاهرة الثانية عام ١٨٠٠، وحاول نابليون أن يحد من هذا التأثير الكبير عبر معاقبة الطلبة الأزهريين وشيوخ الجامع، فدخل مدينة القاهرة ونصب مدافعه باتجاه متاريس المقاومة، واقتحم الأزهر وأزال بعض النقوش والآيات التي كانت معلقة على جدرانه، واستباح دماء المتحصنين داخله، كما تم إلقاء القبض على بعض المحرضين ثم أدينوا وأعدموا ودفع ثمنًا عظيمًا من شبابه وعلمائه.

وتطور الإجرام من الحملة الفرنسية، فبعد اغتيال القائد الثاني للحملة الفرنسية كليبر على يد سليمان الحلبي، أغلق قادتها الجامع الأزهر بشكل نهائي لتفادي ثوراته وانتفاضاته التي أقلقت جنود المحتل طوال فترة تواجدهم في مصر.

ولم يكتفِ الأزهر بالدور النضالي، وبدا في علمائه درجة وعي هائلة، خاصة فيما يتعلق بالجانب السياسي؛ إذ اجتمع علماؤه ومشايخه، وأعلنوا ثقتهم في تولية محمد علي باشا واليا على مصر عام ١٨٠٥، في خطوة تمثل تحدٍّ كبير للدولة العثمانية آنذاك، ورأوا في دعم محمد علي دعمًا لاستقلال مصرية، بعد 4 قرون من الاحتلال العثماني، ساهم ذلك في تولي محمد علي زمام الأمور، وبداية أبرز عصور النهضة في العصر الحديث.

رفض الاحتلال الإنجليزي

لعب الأزهر دورًا شديد الأهمية في تزعم الثورة الشعبية التي خرجت لمساندة حزب الوفد في ثورة 1919، ودعم سعد زعلول المعروف -رغم ليبراليته- بالانتماء للأزهر، واجتاحت المظاهرات البلاد لرفض الاحتلال الإنجليزي وممارساته، مطالبًا بالاستقلال الكامل.

وفي يوم 11 ديسمبر 1919، اهتزت القاهرة إثر اقتحام الجنود الإنجليز للجامع الأزهر، وقد قامت مظاهرة في هذا اليوم كان على رأسها طلبة الأزهر وعلماؤه ومن انضم إليهم، وأصدر نهاية اليوم علماءُ الأزهر بيانًا تاريخيًّا، مفاده أن الحل الوحيد للاضطراب السائد في البلاد أن تلتزم بريطانيا بوعودها وتعترف بالاستقلال التام لمصر، وأرسلوا البيان إلى السلطان وإلى رئيس الوزراء والمندوب السامي البريطاني، وحذا علماء الإسكندرية وطنطا ودسوق ودمياط حذو علماء الأزهر، فحرروا بيانا يضمون فيه أصواتهم إلى صوت إخوانهم من علماء الأزهر في طلب الاستقلال التام.

رفض الحرب العالمية الثانية وموقف المراغي

وفي عام 1939، ومع اندلاع شرارات الحرب العالمية الثانية، وزج مصر في طريق الدولة المحتلة بريطانيا، قام محمد مصطفى المراغي شيخ جامع الأزهر بإعلان مصر لرفضها المشاركة في ويلات الحرب العالمية الثانية، مشددا على أن البلاد لا ناقة لها ولا جمل في هذه الحرب، الأمر الذي أغضب الحكومة الإنجليزية، لتقوم الحكومة المصرية بتهديد المراغي، فيرفض ذلك التهديد، ليحاولوا عزله من منصبه، إلا أنه بقي بتأييد شعبي حتى وفاته عام 1945.

 

مواقف الأزهر الفكرية 

اعتاد الأزهر دائمًا على فكره الوسطي الذي يناسب طبيعة المصريين، فلا يبالغ حد الانسلاخ عن هويته أو يرتد حد التطرف، إذ أنه يتبنى المنهج الأشعري، باعتباره منهجًّا "استطاع أن يلم شعاب المسلمين جميعاً" على حد قول فضيلة شيخ الأزهر الحالي أحمد الطيب.

وكان الأزهر في خلاف دائم مع الحركة الوهابية، منذ أن جاء بأفكارها محمد بن عبد الوهاب، في القرن 18؛ إذ أنها أرست الفكر الواحد، وأقصت كل مخالف وسط مزاعم "تصحيح الأوضاع الدينية الفاسدة والأحوال الاجتماعية المنحرفة"، بينما يساهم الأزهر فيما يقرب من أربعين ألف خريج أزهري على مستوى العالم، انطلاقًا من قاعدة سامية لا تقصي أو تكفر أحدًا، أو تخرجه من الإسلام إذا نطق الشهادتين.

موقف الأزهر من طه حسين

لقد كانت علاقة الأزهر بطه حسين ملتبسة طوال الوقت، وعلى عقود طويلة، وكما يقول الدكتور محمد عمارة، المفكر الإسلامي:  "بدأ طه حسين حياته بالتمرد على شيوخ الأزهر وعلى مناهج التعليم فيه"، ولقد حال شيوخ الأزهر بين طه حسين وبين النجاح في امتحان شهادة العالمية، فزاد التوتر، وبدأ الخلاف، لكن هذا الاختلاف كان يعكس حقيقة ما وصلت إليه مصر من ثقافة.

ويقول في ذلك شيخ الأزهر الحالي أحمد الطيب: "كتب أقرأ كتب طه حسين لأعرف هويتنا في هذا المعترك الثقافي الدولي، فمثلا طه حسين بالرغم من أنه كتب كتابا معينا وكان للأزهر موقف منه، إلا أنني مع ذلك أعتبره شديد الأدب مع التراث ومع رسول الله ومع أبى بكر وعمر وعثمان، ومن هذا المنطلق كنّا نعيش دائماً مع هذه الكتب ومع هذه القامات؛ لأنها فعلاً تربى العقول وتكون الزاد المعرفي"، لتفتح الباب أمام هذا الملف مرة أخرى".

وفي منتصف الثلاثينيات وفى ظل وجود الشيخ "المراغي" في رئاسة مشيخة الأزهر، بدأ زمن الوفاق بين طه حسين والأزهر، حيث دعته مجلة الأزهر إلى أن يكتب فيها عن ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم واستجاب طه حسين لهذه الدعوة وهذه التحية، فبدأت بعد ذلك لهجة طه حسين تتغير في حديثه عن الأزهر.

موقف الأزهر من علي عبد الرازق

أصدر الشيخ علي عبد الرازق "كتاب الإسلام وأصول الحكم عام  1925، وقد أحدث ضجة في مصر بسبب رفضه لفكرة الخلافة والدعوة إلى مدنية الدولة، وقامت هيئة كبار العلماء في الأزهر بمحاكمة علي عبد الرازق وأخرجته من زمرة العلماء وفصلته من العمل كقاضي شرعي، وتعرض الكتاب لنقد لاذع من عدد كبير من علماء الأزهر أشهرهم الإمام الأكبر محمد الخضر حسين في كتابه نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم الذي صدر عام 1926 والذي قدم له الدكتور محمد عمارة عرضًا في كتاب منفصل في عام1998، ومفتي الديار المصرية محمد بخيت المطيعي في كتابه حقيقة الإسلام وأصول الحكم الذي صدر في عام1926، ودافع عن الكتاب كل من محمد حسين هيكل، وطه حسين، وعباس العقاد.

لكن أدى هذا التدافع الفكري إلى تصحيح للمفاهيم، وإثراء الحالة الفكرية في العقود الأولى من القرن ال20.

 

هيئات الأزهر

الجامع الأزهر

أهم مساجد مصر والوطن العربي على الإطلاق، وأهم معقل تاريخي يساهم في نشر وتعليم الإسلام، وواحد من أشهر المساجد الأثرية في مصر والعالم الإسلامي، ويعود تاريخ بنائه إلى بداية عهد الدولة الفاطمية في مصر، بعدما أتم جوهر الصقلي فتح مصر سنة 969م، وشرع في تأسيس القاهرة قام بإنشاء القصر الكبير وأعده لنزول الخليفة في ذلك الوقت، المعز لدين الله، وأثناء ذلك بدأ في إنشاء الجامع الأزهر ليصلي فيه الخليفة، وليكون مسجدًا جامعًا للمدينة حديثة النشأة أسوة بجامع عمرو في الفسطاط وجامع ابن طولون في القطائع، كذلك أعد وقتها ليكون معهداً تعليمياً لتعليم المذهب الشيعي ونشره، فبدأ وأقيمت أول جمعة فيه في رمضان سنة361هـ، وعرف بجامع القاهرة.

ورغم أن يد الإصلاح والترميم توالت عليه على مر العصور فغيرت كثيراً من معالمه الفاطمية إلا أنه يعد أقدم أثر فاطمي قائم بمصر، وقد اختلف المؤرخون في أصل تسمية هذا الجامع، والراجح أن الفاطميين سموه بالأزهر تيمناً بفاطمة الزهراء ابنة النبي محمد.

 

هيئة كبار العلماء

تعتبر هيئة كبار العلماء أعلى مرجعية دينية بالأزهر الشريف، حيث أنشئت عام 1911 في عهد مشيخة الشيخ سليم البشري، ثم تم حلها مع قانون 1961، في عهد الرئيس جمال عبد الناصر . وأعيد إحياؤها عام 2012 في عهد شيخ الأزهر أحمد الطيب.

المجلس الأعلى للأزهر

يتكون من شيخ الأزهر وهو رئيس المجلس، ووكيل الأزهر، رئيس جامعة الأزهر، عمداء الكليات بجامعة الأزهر، أربعة من أعضاء مجمع البحوث الإسلامية، يختارهم المجمع ويصدر بتعيينهم قرار من رئيس الجمهورية، بناء على ترشيح شيخ الأزهر، لمدة سنتين، أحد وكلاء الوزارات أو الوكلاء المساعدين من كل من وزارات الأوقاف والتربية والتعليم والعدل والمالية، يصدر بتعيين كل منهم قرار من الوزير الذي يمثل وزارته في المجلس، مدير الثقافة والبعوث الإسلامية، مدير المعاهد الأزهرية، ثلاثة أعضاء على الأكثر من ذوى الخبرة في شؤون التعليم الجامعي والشئون العامة المتعلقة به، يكون أحدهم على الأقل من أعضاء المجلس الأعلى للجامعات، ويعينون بقرار من الوزير المختص بعد أخذ رأى المجلس، وبناء على ترشيح شيخ الأزهر، وذلك لمدة سنتين.

مجمع البحوث الإسلامية

هو الهيئة العليا للبحوث الإسلامية، وتقوم بالدراسة في كل ما يتصل بهذه البحوث، وتعمل على تجديد الثقافة الإسلامية وتجريدها من الفضول والشوائب وآثار التعصب السياسي والمذهبي، وتجليتها في جوهرها الأصيل الخالص، وتوسيع نطاق العلم بها لكل مستوى وفي كل بيئة، وبيان الرأي فيما يَجِدُّ من مشكلات مذهبية أو اجتماعية تتعلق بالعقيدة، وحمل تبعة الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة. وتعاون جامعة الأزهر في توجيه الدراسات الإسلامية العليا لدرجتي التخصص والعالمية والإشراف عليها والمشاركة في امتحاناتها. وتحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون واجبات مجمع البحوث الإسلامية بالتفصيل الذي يساعد على تحقيق الغرض من إنشائه.

 

جامعة الأزهر

هي جامعة مصرية، تُعتبر ثالث أقدم جامعة في العالم بعد جامعتي الزيتونة والقرويين، تتبع للأزهر الشريف، ومقرها الرئيسي بالعاصمة المصرية القاهرة، أنشأت سنة 970، ويسجل التاريخ أن (الأزهر) أنشئ في أول عهد الدولة الفاطمية بمصر جامعًا باسم (جامع القاهرة، الذي سمى الأزهر فيما بعد) حيث أرسى حجر أساسه، وصلى فيه الخليفة المعز لدين الله الفاطمي ثاني خلفاء الدولة الفاطمية صلاة الجمعة الأولى من شهر رمضان سنة 361هـ/972م، إيذانا باعتماده الجامع الرسمي للدولة الجديدة، ومقرا لنشر الدين والعلم في حلقات الدروس التي انتظمت فيه، وبدأها القاضي أبو حنيفة بن محمد القيرواني قاضي الخليفة المعز لدين الله، وتولى التدريس أبناء هذا القاضي من بعده وغيرهم، إلى جانب دراسة علوم أخرى في الدين واللغة والقراءات والمنطق والفلك، والدراسة فيها قاصرة على المسلمين فقط من كل دول العالم.

Dr.Randa
Dr.Radwa