"أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك" ، كتاب هام كتبه أحد أبرز رجال الإصلاح في القرن التاسع عشر، بقي مجهولاً بالنسبة للقراء في المشرق العربي، كذلك فإن صاحبه خير الدين باشا التونسي الذي كان رئيساً للوزراء في تونس، واحتل بعد ذلك منصب الصدارة العظمى في الأستانة، بقي مجهولاً بالنسبة للعدد الواسع من القراء والمهتمين بفكرة الإصلاح في القرن الماضي، بالرغم من شهرة عدد كبير من مفكري وأدباء القرن التاسع عشر، الذي لم يبلغوا أهمية خير الدين في تجربته السياسية وفي أثره الفكري. ولا بد من الإشارة إلى أن نشر هذا الكتاب والتعريف بصاحبه يقوي معرفة أهل المشرق العربي بتجربة المغرب، نصوصاً في جزء ل يزال غير معروف، وهو تجربة تونس الإصلاحية في القرن الماضي، وقبل السيطرة الاستعمارية المباشرة على تونس واحتلالها بعد ذلك من قبل الجيوش الفرنسية. فأقدم المسالك هو أحد تلك المراجع الرئيسية لدارسي الفكر العربي الحديث، وهو أحد الوثائق القليلة الهامة التي كتبها مفكر سياسي باللغة العربية في القرن الماضي، ومما يزيد في أهميتها أن صاحبها كان منخرطاً في تجربة الإصلاح ومقاومة التحدي المادي والمعنوي القادم من أوروبا عن طريق هذا الإصلاح.
لذلك فإن أقوم المسالك لا يعكس تجربة خير الدين وتجربة تونس الإصلاحية فقط، بل يلقي إلى جانب ذلك الأضواء الكاشفة على تجربة الإصلاح في كل البلاد العربية وعلى رأسها تجربة محمود علي باشا في مصر، وعلى التمخضات التي كانت تتفاعل في البلاد العربية من أدناها إلى أقصاها، نشر كتاب "أقوم المسالك" لأول مرة سنة 1867، وهو يتألف من مقدمة مطولة، يتبعها وصف مطول للدول الأوروبية في القرن الماضي، وملحق جغرافي وإحصائي. وقد ترجمت مقدمة الكتاب إلى الفرنسية تحت إشراف خير الدين نفسه، ونشرت بعد سنة واحدة من صدور الطبعة العربية. ولما كانت الدراسات عن خير الدين نادرة إلى حد يثير الدهشة وخاصة باللغة العربية، ولما كانت مقدمة "أقوم المسالك" تشكل المصدر الأول لدراسة فكر خير الدين وتجربته في الإصلاح، فقد تم نشر هذه المقدمة، مع تقديم لها بدراسة تحليلية، وتزويد المقدمة بهوامش تلقي المزيد من الضوء على فكر خير الدين.