بقلم : أشرف غريب
مرت الذكرى الثانية على لرحيل الفنان نور الشريف عن الوسطين الإعلامى والفنى بصورة شبه صامتة وكأن الرجل لم يكن واحدا من نجوم فن التمثيل على مدى ما يقرب من خمسين عاما منذ ظهوره السينمائى الأول نهاية عام 1967 ممثلا فى فيلم " قصر الشوق " للمخرج حسن الإمام بالتزامن تقريبا مع ظهور ابنى جيله محمود ياسين وحسين فهمى، غير أنه ورغم نجاحات هذا الثلاثى وسيطرتهم على سينما السبعينيات تحديدا فإن نور الشريف استطاع أن يتقدم على زميليه فى اللحظة التى وضع فيها يده على ملامح شخصيته الفنية ، أو علامات تميزه عن رفيقى بداياته أو حتى عن محمود عبد العزيز الذى لحق بهم منذ ظهوره الأول فى عام 1974، فقد كان نور الشريف الوحيد بين هؤلاء الذى تخرج فى المعهد العالى للفنون المسرحية ، ومن ثم اكتسب إلى جانب الموهبة الفطرية التأهيل الأكاديمى والثقافة الفنية الواسعة التى ساعدته أكثر من غيره على حسن الاختيار والأداء معا.
أيضا ورغم أن الذوق السينمائى العام كان فى هذه المرحلة يرحب بالمواصفات الشكلية للنجم على غرار حسين فهمى ومحمود عبد العزيز ومحمود ياسين أصحاب الوسامة الواضحة فإن هذه الوسامة حددت اختيارات هؤلاء النجوم فى نطاق بعينه ، بينما نور الشريف الذى لم يكن مفتقدا للمواصفات الشكلية تفوق عليهم بملامح المواطن المصرى البسيط ابن الطبقة الشعبية سواء كانت المتوسطة والذى نال حظه من التعليم ، أو حتى الحرفى ابن الطبقة الكادحة الذى يبحث عن أسباب عيشه بالكاد ، ومن هنا اتسعت دائرة اختيارات نور الشريف وزاد الطلب عليه أكثر من غيره حتى بعد ظهور الجيل اللاحق عليه سينمائيا متمثلا فى أحمد زكى وعادل إمام ويحيى الفخرانى ، هذا الجيل الذى قضى تماما على نظرية النجم الوسيم ، وهو ما يفسر لماذا استمرت حظوظ نور الشريف طوال عقدى الثمانينيات والتسعينيات حتى بات أكثر ممثلى جيله وقوفا أمام كاميرا السينما.
كذلك فإنه من بين كل هذه الأسماء التى احتلت صدارة المشهد السينمائى طوال عقدى السبعينيات والثمانينيات لم يكن أحد منهم مؤهلا للقيام بأدوار الحركة سوى نور الشريف ، ومن هنا امتلك نور ميزة إضافية زادت من فرص الطلب عليه وجعلته متفردا بين منافسيه.
وكانت فترة السبعينيات وما بعدها من الفترات السينمائية المرحبة بوجود الثنائيات الفنية ، وحبذا لو كان هذا الثنائى زوجين فى الحقيقة حيث يضفى على قصة الحب السينمائى مزيدا من المصداقية فضلا عن مساحة أكثر اتساعا للعب على هذه الثنائية فى الدعاية للفيلم ، وهو ما كان متحققا عند الثنائى نور الشريف وبوسى منذ إعلان زواجهما عام 1972 حتى أنهما قدما معا نحو خمسة عشر فيلما ، فإذا ما أضفنا إلى هذا الثنائى العائلى ضلعا مهما آخر هو الممثلة المعتزلة نورا شقيقة بوسى والتى شاركت نور الشريف بطولة العديد من أفلام تلك الفترة أمكن فهم هذا الحضور الواضح للفنان الكبير فى سينما السبعينيات وما بعدها.
كما كان نور الشريف مؤمنا بأهمية مساندة التجارب الأولى لشباب المخرجين وخاصة ممن درسوا فى المعهد العالى للسينما ، وهذا شجعهم علىعرض مشاريع أفلامهم عليه قبل أى ممثل آخر ، ولذلك كان نور قاسما مشتركا فى الأفلام الأولى لمخرجى هذه الفترة : سمير سيف فى " دائرة الانتقام " سنة 1975 ، محمد خان فى " ضربة شمس " سنة 1978 ، عاطف الطيب فى " الغيرة القاتلة " 1982 و" سواق الأتوبيس " سنة 1983 ، محمد النجار فى " زمن حاتم زهران " سنة 1987 على سبيل المثال لا الحصر.
وتزامن وجود نور الشريف بمواصفاته المصرية الصميمة على خريطة النجومية مع نشوء تيار الواقعية الجديدة فى السينما المصرية مع بداية الثمانينيات على يد المخرجين عاطف الطيب ومحمد خان وداود عبد السيد ، وهذا يفسر لماذا كان هو وأحمد زكى تحديدا اسمين متكررين على أفيش معظم أفلام مخرجى هذا التيار ، بل إن فيلمه " سواق الأتوبيس " للمخرج عاطف الطيب والذى نال عنه جائزة التمثيل الأولى فى مهرجان نيودلهى بالهند سنة 1983 كان الفيلم الذى كرس لوجود هذا التيار ودعم بقاءه ربما حتى سنوات نهاية عقد التسعينيات.
ولا ينبغى إغفال حقيقة مهمة ، وهى أن نزول نور الشريف بنفسه مجال الإنتاج السينمائى كان يضمن لفيلمه فى كل مرة اختيار أفضل عناصر مضمونة النجاح والاستمرار فى الذاكرة السينمائية ، ولذلك نجحت كل الأفلام التى قام بإنتاجها على المستويين النقدى والجماهيرى ، وكان من أبرزها : دائرة الانتقام ، ضربة شمس ، قطة على نار ، حبيبى دائما ، آخر الرجال المحترمين ، زمن حاتم زهران ، ناجى العلى ، والعاشقان .
أيضا استطاع نور الشريف أن يدعم وجوده السينمائى بمجموعة من الأعمال التليفزيونية المهمة أبرزها : عائلة الحاج متولى ، العطار والسبع بنات ، لن أعيش فى جلباب أبى ، الدالى ، وخلف الله ، ومن ثم استعاد المخرجون الجدد الطلب عليه فى أفلامهم أكثر من بقية ممثلى جيله والجيل اللاحق عليه مثل ساندرا نشأت فى " مسجون ترانزيت " مروان حامد فى " عمارة يعقوبيان " عادل أديب فى " ليلة البيبى دول " وأمير رمسيس فى " بتوقيت القاهرة "