بقلم: هشام الصواف
بعد أيام من ظهوره في المسرح القومي لحضور احتفال الكاتب الكبير لويس جريس بعيد ميلاد زوجته الفنانة الكبيرة الراحلة سناء جميل رحل أهم كتاب الدراما التاريخية المصرية، الكاتب الكبير محفوظ عبدالرحمن الذي مر بأزمات صحية متتالية في السنوات الأخيرة لكنه كان دائم التواجد والظهور مع زوجته وشريكة حياته الفنانة القديرة سميرة عبدالعزيز.
ولد محفوظ عبدالرحمن في 11 يونيه 1938 وتخرج في كلية الآداب جامعة القاهرة عام 1960 ومحفوظ محمد عبدالرحمن عرفات تعلم الانضباط وتربي تربية عسكرية فوالده ضابط شرطة وبحكم وظيفته وتغير أماكن خدمته كانت حياة الطفل محفوظ مليئة بالتنقل بين محافظات الصعيد فالبداية كانت الفيوم ثم سمالوط ثم المنيا وكان يقرأ لكل الأطفال في العمارات التي يسكن فيها القصص المنشورة في المجلات فكان مولعا جدا بالقصص منذ تعلم القراءة وحرص بعد ذلك علي تأجير الكتب وخاصة الروايات مقابل قرش صاغ من أحد المتجولين بالكتب واستطاع أن يقرأ 30 رواية في أسبوع واحد لم ينساها في حياته ابداً ورغم أن والده ضابط شرطة إلا أن الروايات البوليسية لم تثر فضوله ولم يهتم بها.
اتجه محفوظ عبدالرحمن إلي القاهرة بعد حصوله علي الثانوية العامة والتحق بكلية الآداب ولديه مخزون كبير مما قرأه من الكتب حتي قال عن نفسه جملته الشهيرة «كنت استويت قراية» وكان عميد الكلية هو الدكتور طه حسين وجاء اللقاء الأول بينهما في الجمعية الأدبية بميدان التحرير في لقاء أداره الكاتب الكبير يوسف السباعي ودخل معه في نقاشات كثيرة رغم أنه كان حسب قوله:
«متعالي جدا بالذات علي الشباب ويسخر من الأجيال الجديدة»، ورغم أن محفوظ لم يكن من طلابه إلا أنه تسلل ذات مرة إلي إحدي محاضرات طه حسين وفي نهايتها قال: «الطالب اللي دخل وهو مش من هنا ما يجيش هنا تاني».
وتشاء الظروف أن الكاتب الكبير محفوظ عبدالرحمن هاجم الشباب في آخر حواراته مع «المصري اليوم» والذي نشر قبل وفاته بأيام وتحدث فيه عن تراجع الدراما المصرية بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة وهاجم ورش الكتابة الجماعية للمسلسلات وقال: أن الورش للسيارات وليست للدراما وإن ورش الدراما لم تكن موجودة من قبل وكانت الدراما غنية بالأحداث، والمنتجون يلجأون لهذه الورش لسرعة الانجاز ونجد أن للعمل أكثر من روح وفكر بيكتب وكثيرا ما يتوه العمل ولا يوجد شيء اسمه «ورشة كتابة» علي الاطلاق فالفرنسيون هم من اخترعوا السينما وليس لديهم ورش كتابة وأمريكا التي تمتلك الإنتاج الأضخم لا تعمل بنظام الورش فالورش للعربيات إنما الكتابة والأدب والفن لا توجد لها ورشة أبداً، هؤلاء يتكلمون بجهل شديد جداً.
من يكتبون في الورش «بيحششوا» وينقلون كلاما لا ينتمي للأدب أو الثقافة ده كلام بتاع شوارع لأن الكتابة لها أصول معروفة وحتي في التاريخ نجد كل فترة كاتبين يشاركان في كتابة عمل واحد.
كان محفوظ عبدالرحمن قد نشر أول مجموعة قصصية له بعد تخرجه في الجامعة حتي عرف بين المثقفين علي أنه قاص وكاتب قبل أن يعمل في دار الهلال وعدة صحف منها الآداب، التابعة لوزارة الثقافة والمساء والجمهورية والأهرام وفكر بعد ذلك في احتراف الكتابة ولا يجعل الأمر بمجرد مزاج فكتب القصة القصيرة والنقد الأدبي والمقالات في صحف ومجلات الآداب والثقافة الوطنية والهلال والهدف والمساء والكاتب والرسالة الجديدة والجمهورية وكاريكاتير والعربي والأهالي كما شارك كسكرتير تحرير في إصدار ثلاث مجلات هي مجلة السينما ومجلة المسرح ومجلة الفنون وقد نشرت له مجموعة من الأعمال الأدبية وكان أول أعماله الدرامية سهرة تليفزيونية «بعنوان ليس غدا» وقدم أول مسلسل تليفزيوني «العودة إلي المنفي» عن قصة أبوالمعاطي أبوالنجا عام 1971 ليعمل من 1974 إلي 1978 بتليفزيون الكويت وقدم هناك العديد من الأعمال الدرامية القيمة ثم اتجه لكتابة المسرحية وكتب «حفلة علي الخازوق وليلة من ألف ليلة وليلة وعريس لبنت السلطان» ثم مسلسل «الزير سالم» ومسلسل «سليمان الحلبي» ثم مسلسل «عنترة» إخراج الأردني عباس أرناؤوط وعند اختيار الممثلين اقترح الاستعانة بالفنانة سميرة عبدالعزيز التي شاهدها علي خشبة المسرح القومي وفي المقابل كانت هي تشاهد مسرحية «حفلة علي الخازوق» لتقييم ما إذا كان بالامكان عرضها علي مسرح الدولة أم لا... أبدت سميرة عبدالعزيز إعجابها بالمسرحية في حين رفضت دورها في عنترة لصغر حجمه ودفعها المخرج إلي التحدث للمؤلف محفوظ لحل المشكلة ولزيادة مساحة الدور لكنه اعتذر ووعدها بدور متميز قادم إذا أرادت العمل معه ووافقت ونشأت صداقة بينهما وتقاربت ظروفهما الخاصة إلي حد كبير حسب روايته إلي أن وقع في حبها ووافقت علي الزواج منه وانجب منها ولدا وبنتا.
ورغم حبه للسينما إلا أنه لم يتحمس للكتابة لها حتي أقنعه المخرج صلاح أبوسيف بكتابة فيلم «القادسية» الذي أثار ضجة واسعة في بداية الثمانينيات.
في عام 1990 خطرت له فكرة الكتابة عن حفر قناة السويس إثر عثوره علي مرجع يتحدث باستفاضة عن ذلك الأمر صدفة في أحد الأيام وعلي الفور بدأ كتابة الجزء الأول من مسلسل بوابة الحلواني والذي فرغ منه عام 1991 وواصل كتابة باقي الأجزاء الأربعة التي تعتبر أهم عمل درامي تاريخي له حيث خلق مساحات إبداعية شيقة دون الإخلال بالثوابت التاريخية التي تناولت هذه الحقبة في العديد من المسلسلات التليفزيونية وبعد النجاح الباهر لأجزاء بوابة الحلواني اجتمع مع ممدوح الليثي رئيس قطاع الإنتاج والفنان أحمد زكي للحديث عن بعض الشخصيات المؤثرة تاريخيا لإنتاج أفلام عنها حتي جاءت فكرة فيلم «ناصر 56» وهو أفضل الأعمال الفنية عن الرئيس جمال عبدالناصر رغم تناول الفيلم لشهور قليلة من حياته كان ذلك عام 1996 وفي عام 1999 نجح مسلسل أم كلثوم تأليف محفوظ عبدالرحمن نجاحا باهراً وهو من أفضل المسلسلات التاريخية كما كتب الفيلم السينمائي حليم والذي تم تصويره وعرضه عام 2005 بطولة أحمد زكي واستكمل دوره ابنه هيثم لكنه لم يحقق نجاحاً كبيرا وحصل محفوظ عبدالرحمن علي جائزة الدولة التشجيعية وجائزة الدولة التقديرية في الفنون عام 2002 وجائزة العقد لأفضل مبدع خلال 10 سنوات من مهرجان الإذاعة والتليفزيون وترك لنا أعمالا رائعة منها «ليلة سقوط غرناطة وسليمان الحلبي ومحمد الفاتح والفرسان يغمدون سيوفهم وليلة مصرع المتنبي والسندباد والكتابة علي لحم يحترق وساعة ولد الهدي والدعوة خاصة» وإن كانت أعماله الأهم «ناصر 56 وبوابة الحلواني وأم كلثوم» .. رحم الله الكاتب الكبير محفوظ عبدالرحمن وأدخله فسيح جناته.