كتب: أشرف بيومي
نجح المخرج كريستوفر نولان في تقديم ملحمة درامية حربية من خلال فيلمه الجديد Dunkirk، حيث يعتبر أول فيلم حربي له تدور أحداثه أثناء الحرب العالمية الثانية في عام 1940، حول عملية إخلاء ملحمية لجنود جيوش الحلفاء بعدما تمت محاصرتهم بواسطة الجيش الألماني في شواطئ دونكيرك الفرنسية.
وتعتبر أكبر عمليات الإخلاء والإنقاذ التي شهدها تاريخ البشرية في وقت الحروب، وقد وقعت أثناء الحرب العالمية الثانية سنة 1940 بين دول الحلفاء وألمانيا، واستمرت لمدة أسبوع من 26 مايو إلى 4 يونيه. فبعد أن قرر الألمان بقيادة أدولف هتلر تعليق الزحف باتجاه دونكيرك لمدة ثلاثة أيام في أحد أكثر قرارات الحرب غرابة، استغل الحلفاء هذا في بناء خط دفاعي وبدء حملة إجلاء قواتهم من شواطئ المدينة الفرنسية.
شاركت فى العملية القوات البحرية والسفن التجارية وحتى مراكب الصيد الصغيرة، لتصبح حملة شعبية لإنقاذ الجيش البريطاني، وبلغ العدد الإجمالي للجنود الذين تم إجلاؤهم حوالي 336 ألف جندي بواقع 192 ألف جندي بريطاني و144 ألف جندي من فرنسا، بلجيكا، كندا، بولندا وهولندا؛ ويعتبر فشل القوات النازية الألمانية في أسر قوات الحلفاء في دونكيرك نقطة تحول مهمة في مسار الحرب العالمية الثانية لصالح الحلفاء.
في الصباح دخلت القوات الألمانية الشاطئ، ليقع 40 ألف جندي من الحلفاء في الأسر، معظمهم من المصابين، وعدد كبير من الفرنسيين الذين استمروا في الدفاع عن الشاطئ، كما حصد الألمان الكثير من المعدات والأسلحة من حصار قوات الحلفاء، وبعدها خلال أيام كان هتلر في باريس يحتفل بسقوط أوروبا في يده.
بدأ تصوير الفيلم في 23 مايو 2016 في المكان الذي حدثت فيه والعملية الحقيقية في دونكيرك بفرنسا، وفي الأشهر التالية استمر التصوير في هولندا والمملكة المتحدة وانتهى التصوير في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد تم تصوير مشاهد السفينة الغارقة في استوديوهات يونيفرسال، وفالس ليك العالمية، وتمت الاستعانة بأكثر من 6000 من الكومبارس لمشاهد المعارك، كما استخدم نولان مدمرات بحرية حقيقية في التصوير بديلاً عن المؤثرات البصرية.
ويتميز الفيلم عن كل الأفلام التي تناولت الحرب العالمية الثانية في طريقة الطرح حيث قرر نولان كعادته ألا يستخدم السرد الخطي للأحداث، وتناول العملية الحربية من 3 وجهات نظر هي البر والبحر والجو، الأولى الشاطئ مع المشاة (يؤدي الأدوار الرئيسية كينيث براناه، هاري ستايلز وفيون وايتهيد)، عملية الإجلاء في سلاح البحرية (تضم مارك ريلانس وسيليان مورفي) وتبين مساعدات المدنيين في الإنقاذ، وأخيراً سلاح الجو بقيادة توم هاردي.
وعن طريقة سرد عملية الإجلاء، يقول نولان: "بالنسبة للجنود الذين شاركوا هذا الصراع، وقعت الأحداث على فترات زمنية مختلفة، حيث حوصر الجنود على الشاطئ لمدة أسبوع، وفي بحر المانش، استمرت الأحداث لمدة يوم واحد على الأكثر، وإذا كنت تشاهد الأحداث وأنت تطير فوق دونكيرك فوقود الطائرات البريطانية سيكفيهم لساعة واحدة، ولذلك كان على السيناريو أن يمزج بين تلك الطبقات الزمنية، حيث كان الطرح معقداً لقصة بسيطة".
واهتم نولان باختيار أبطال العمل نظرا لأن Dunkirk يمثل نوعاً من التحدي له في إطار بحثه عن أكبر قدر من الواقعية، ولذلك كان القرار الأول لنولان هو أن يكون محاربو معركته صغاراً في السن بل مراهقين، ويوضح نولان أسباب اختياره للممثلين قائلاً: "في الثلاث قصص الأساسية، قمت باختبار أداء للممثلين في أعمارٍ مقاربة للشخصيات، فقد كنا مصممين على نقل واقعية الحالة، لنرى كيف لشبابٍ صغير والبعض منهم أطفال، يتم إقحامهم في معركة مرعبة بهذا الشكل، ولذلك أردنا وجوهاً جديدة، يمكن نقل معاناة الحرب وأحداثها للجمهور من خلال أعينهم".
الطريقة الوحيدة للنجاة من على الشاطئ أن يتشارك الجنود في حمل المصابين على نقّالة للوصول إلى المشفى الحربي الواقع في نهاية حاجز الأمواج (وهي صخور مبنيّة من بداية الشاطئ إلى عمق البحر، لصد قوة الأمواج، وقد استُخدم حاجز الأمواج على شاطئ Dunkirk كرصيف للسفن تُحمّل منه الجنود والمصابون). وكان هدف نولان الأساسي هو أن يجعل المشاهدين على الشاطئ، أو على ظهر القارب مباشرةً ويعبرون القناة، وفي قمرة طائرة سبيتفاير، كان نولان هو أول من استخدم كاميرات IMAX في فيلم The Dark Knight، ثم استخدمها في أفلامه التالية، ولكن في Dunkirk طوَّر الأمر ليقوم بتصوير الفيلم بالكامل بالمزج بين كاميرا IMAX وكاميرا 65 مم.
ويقول نولان عن ذلك: "هذا أمر أقوم به لأول مرة، فيلم Dunkirk يحكي قصة عظيمة، وتتطلب خيارات هائلة من الأدوات، والسبب الذي يجعلنا نصوِّر بتقنية IMAX هو أن جودة الصورة هي الأهم، فعندما تجلس في السينما، تختفي الشاشة ولا تشعر سوى بالصورة، وهذا يمنح صوراً بانورامية هائلة، ولكننا اكتشفنا عبر السنين أننا إن استخدمنا ذلك في مشاهد حميمية، سوف تمنح شعوراً بالآنية، وهذا أمر جذَّاب جداً، فكان شعورنا، هو أنه لو وجدنا طريقة للقيام بذلك، ستكون النتيجة هائلة وتستحق المجهود المبذول".
وقد قام بتأليف موسيقى الفيلم، الموسيقار الأهم والأشهر عالمياً هانز زيمر صاحب الـ «9 ترشيحات الأوسكارية» فاز منها بواحدة عن فيلم Lion King، وصاحب العديد من الإبداعات منها Pirates of the Caribbean، ويسجل من خلال الفيلم تعاونه السادس مع نولان بعد ثلاثية باتمان، وفيلمي Inception و Interstellar.
كان زيمر قد بدأ العمل على موسيقى الفيلم في يناير 2016، بحيث تكون الموسيقى تصاعدية لتتوافق مع أحداث الفيلم وتكون مشابهة لما تم استخدامها مسبقاً مع نولان في أفلام The Dark Knight Rises، The Dark Knight و The Prestige، ثم مزجها مع صوت دقات ساعة نولان.
«دونكيرك» بطولة توم هاردي، مارك ريلانس، كينيث براناه، سيليان مورفي، هاري ستايلز، فيون وايتهيد وجاك لوودين، موسيقى هانز زيمر، إنتاج كريستوفر نولان وإيما توماس، تأليف وإخراج كريستوفر نولان.
يذكر أن نولان مخرج، منتج ومؤلف بريطاني، ولد في لندن عام 1970، بدأ مسيرته الإخراجية عام 1998 بفيلم Following الذي أخرجه بميزانية ضئيلة، ولكن نجاحه حمّس العديد من الشركات لإنتاج فيلم Memento الذي يعد نقلة في حياة نولان وحقق له شهرة واسعة بعد ذلك أسس بمعاونة زوجته إيما توماس شركة الإنتاج Syncopy، وعملت معه في الكثير من أفلامه كمنتج، كما قام أخوه جوناثان بالاشتراك مع نولان في تأليف معظم أعماله، ويعد Dunkirk هو الفيلم العاشر الطويل لنولان، وقد فاز بأكثر من 180 جائزة عن أفلامه، سبعة من أفلامه تم اختيارها ضمن قائمة أفضل 250 فيلماً في تاريخ السينما على موقع IMDb.
وقام بتأليف كل أفلامه أو شارك في كتابتها مع أخيه جوناثان، ما عدا فيلم Insomnia عام 2002 وترشح لـ 3 جوائز أوسكار حصل على 2 عن أفضل سيناريو وجائزة أفضل فيلم عن Inception.
بعد شهر واحد من إطلاق فيلم Interstellar في دور العرض في نوفمبر 2014، أعلن المخرج كويستوفر نولان عن مشروع فيلمه الجديد من كواليس الحرب العالمية الثانية، كاشفاً عن موعد طرحه في يوليو 2017، لتشتعل آمال الجمهور في الفيلم القادم للمخرج الذي لم يخذلهم من قبل، خاصة حين يقدم أول أفلامه التاريخية.
لسنوات طويلة انتقل نولان بجمهوره من مرض فقدان الذاكرة الجزئي في فيلم Memento إلى أعراض الأرق لضابط شرطة قام بقتل زميله بالخطأ أثناء البحث عن قاتل في Insomania، ليقتحم بعدها شوارع مدينة جوثام المليئة بالفساد في ثلاثية باتمان الأشهر في تاريخ الأبطال الخارقين.
بين كل جزء والآخر من ثلاثية باتمان يقدم نولان فيلماً يؤكد به لجمهوره المتحمس أنه يستحق الانتظار وهما فيلما The Prestige عام 2006 الذي يغوض في عالم السحر وقدم من خلاله صدمة قاتلة لمشاهدي الفيلم في نهايته، وInception الذي استمر تحضيره لسنوات طويلة انتقل فيها نولان بين طبقات الأحلام ليصنع في النهاية حلمه الخاص الذي استغرق وقتاً طويلاً حتى يستفيق المشاهدون منه وقبل 3 سنوات خرج نولان للمشاهدين معلناً عن طرح فيلمه Interstellar الذي اخترق به حدود الزمن، ووصل إلى أبعد مدى في الفضاء الخارجي ليشرح مع قصته المثيرة والدرامية أصعب النظريات الفيزيائية وأهمها وهي النسبية الخاصة للعالم الراحل ألبرت أينشتاين.