بقلم : عاطف بشاي
مما لا شك فيه أن ظاهرة العنوسة التي تتفاقم والتي لا تحتاج منا إلي التنبيه إلي بديهيات سخافة تحديد سن للزواج باعتبار أن تلك العلاقة الاجتماعية الإنسانية السامية التي تربط الرجل بالمرأة برباط الزوجية يمكن أن تتم في أي سن سواء في الشباب أو أواسط العمر أو الشيخوخة.. فليس هناك قانون يمنع ذلك.. وجوهر الزواج في العلاقات السوية بين البشر يحكمه التوافق والانسجام والتفاهم والتكامل الروحي والعقلي والنفسي، ومدي التقارب الفكري والثقافي والاجتماعي بين الزوجين.. ثم إن هناك من يختار العزوبية بمحض أرادته.. ومن تختار العنوسة بكامل إرادتها ولا علاقة لذلك بالسن أو الاخلاق أو مسلمات تفرض نفسها علي حياتنا..
إلا اننا بالطبع لا يمكن أن نغفل أنه رغم قيام ثورتين رفعا شعار «العدالة الاجتماعية» فمازالت الظروف المتصلة بالأزمات المادية الطاحنة تؤدي إلي نتيجة حتمية هي ازدياد أعداد غير المتزوجات وتفشي ظاهرة العنوسة، وقد شاهدت فيلماً حديثاً لمخرج شاب هو "محمد حماد"اسمه "أخضر يابس" وهو التجربة الأولي له في الاخراج بالاضافة لكونه هو كاتب السيناريو والحوار.. الفيلم يستعرض عالم شقيقتين وحيدتين تعيشان في عزلة وغربة اجتماعية خانقة في شقة قديمة تسيطر عليها اضاءة كيئبة تنضح برائحة الموت.. شاحبتين.. العيون ذابلة والاجساد نحيلة ضامرة.. الشيخوخة في الملامح والتعبيرات تتناقض مع عمرها الصغير.. تتحدثان باقتضاب وأحزان رابضة في القلوب.. ومشاعر باهتة.. يلفهما الصمت والعزلة والفراغ والوحدة والسكون.. لا أصدقاء ولا معارف ولا جيران لهما.. واحتكاكهما بالواقع الخارجي شحيح وضيق وتحركاتهما قليلة حتي أنهما أغلب الوقت تبدوان كتماثيل شاخصة في فراغ رهيب ومخيف.. لا تربطهما سوي صلة واهية بأعمامهما.. تذهب إليهم الشقيقة الكبري لتطالبهم ببعض المال من إرث ضئيل لوالدهما الراحل.. لكنها تفشل في أن تثير عواطفهم لمساندتها.. ولا تخرج اجابتهم عن التسويف والمماطلة.. ومن ثم يتجسد المأزق الانساني تجسداً مؤلماً في ضياع أمل الصغري في الارتباط بالزواج من خطيب لها لعدم وجود مبلغ يسد احتياجات هذا الزواج..
بينما الأخت الكبيرة التي يئست أصلاً من امكانية الزواج ما تلبث في لحظة اختناق واكتئاب أن تندفع بنوع من الاعتداء علي نفسها لتفقد عذريتها.. وينتهي الفيلم بتلك النهاية البائسة..
إن الفيلم بتلك النهاية يمثل صرخة مروعة.. واحتجاجاً مؤلماً علي عالم قاس.. غير إنساني لا رحمة فيه ولا عدالة.