كتبت: منار السيد
العيد هو الفرحة التي خص الله بها عباده المسلمين ليشعروا خلاله بالبهجة والسعادة إلا أنه قد يتخلل أيامه أحداث تحول فرحته إلى غصة فى القلب لفقدان زوج أو ابن خاصة إذا كان ضحية لنيران الغدر والإرهاب، لكن ما يخفف من حدة الآلام، المنزلة التي يتمتع بها هؤلاء الشهداء، وعزاؤنا فيهم أنهم أحياء يرزقون في جنة الفردوس، حواء تحيى ذكرى بعض شهدائنا الأبرار وترد جزءا من جميلهم بتقديم التهنئة لذويهم فى عيد الأضحى المبارك.
ليس فرحة العيد المنقوصة فقط هي من قلبت الأوجاع على السيدة إكرام والدة الشهيد هشام شتا الذى كان أول ضحايا مذبحة كرداسة التي راح ضحيتها 12 من ضباط وأفراد الشرطة على يد المسلحين، فهذه الأم التي تعيش على ذكرى بطلها الذي ضحى بحياته من أجل وطنه تعمل على إحياء ذكرى ابنها دائما بالسير على خطاه في عمل الخير وحب الناس ومساعدتهم، وتقول: منذ استشهاد هشام حتى الآن وأنا أتذكر كل كلمة كان يقولها لي وكل فعل كان يصدر عنه، وأحرص على قراءة القرآن له دائما وزيارة قبره وأجلس أمامه وأحكي له كل شيء وكأنه يعيش معي وأخبره بما يحزنني وفرحتى التى لم تكتمل لرحيله عنا.
وتستكمل حديثها بحزن قائلة: لا أستطيع نسيان الساعات القليلة قبل استشهاده عندما خرج من غرفته ثم دخلها أكثر من مرة حتى ذهب إلى عمله، لم أكن أتخيل أنه لن يعود ثانية إلى هذه الغرفة, فهو كان مثلما يقولون "ابن موت"، كنت أشعر دائما أنه سيموت وسأحرم منه، وقد حلمت بموته قبل الحادث بأيام، وقبل وفاته اتصل بي في السابعة والنصف صباح يوم المذبحة وكأنه كان يودعنى.
وتضيف: أحرص دائما على جمع أبنائي مثلما كان يحب هشام، فقد كان يعشق اللمة مع أخواته خاصة في الأعياد ليشعر ببهجة العيد، وهذا العيد له طابع خاص لأن "هشام شتا "الصغير سيملأ عيدنا بهجة، فقد عوضني ربى بحفيدي هشام طارق شتا ليعوضني عن فقدان ابني الشهيد.
شهيدة الواجب
لعلنا جميعا لا نسطيع نسيان يوم فاجعة انفجار الكنيسة المرقسية بالإسكندرية واستشهاد عناصر من الشرطة النسائية، فالإرهاب الغاشم لا يفرق بين رجل وامرأة، ولا يعرف أن الشهيد حي لا يموت وأولاده هم من سيكملون مسيرته من بعده، ولم يعرف أن الطفلتين رودينا وساندي اللتين حرمهما من حضن أمهما هما الأمل والمستقبل، فالبراءة المختلطة بالدموع في عيون هاتين الطفلتين وغيرهم من أبناء الشهداء أقوى دليل أن مصر ستحيا ولن تموت.
وكم من المؤلم أن تتحدث إلى أطفال وتهنئم بالعيد وهم ينظرون حولهم لا يجدون أمهم التي كانت تحملهم وتذهب بهم لشراء الملابس الجديدة، وهي من كانت تملأ عليهم المنزل بهجة وسرورا ليشعروا بالفرحة، فرودينا وساندي هما بناتا الشهيدة العريف "أسماء إبراهيم"، ذات الابتسامة والوجه البشوش من قرية أبو منجوج التابعة لمركز شبراخيت بالبحيرة، والتى طالتها يد الإرهاب أثناء تأمينها الكنيسة المرقسية جنبا إلى جنب مع العميدة نجوى الحجار.
تركت أسماء طفلتيها لزوجها نبيل فتحي إبراهيم "أمين الشرطة" الذي يحاول أن يتماسك ويصبر على وجع الفراق ليستطيع أن يربيهما ويعلمهما مثلما كانت تحلم الشهيدة، ويقول: كانت تشعر في آيامها الأخيرة أنها سترحل وتتركنا، وقبل أن تذهب لتأمين الكنيسة أيقظتني وأوصتني على البنات، وبالرغم من ألم الفراق إلا أننى سعيد بأن أسماء نالت الشهادة التي كانت تحلم بها وهي في منزلة ومكانة يتمناها أي إنسان.
أم البطل
"سعيدة عبد الحميد العطار" أصيب الرائد كريم فؤاد هنداوى فى مركز مطاى بالمنيا على أيدي العناصر الإجرامية وتم سحله بشكل وحشى وغير آدمى، وبسبب إصابته حاولت وزارة الداخلية تكريمه ونقله من المباحث الجنائية حفاظا على حياته كي يتلقي العلاج المناسب لكنه رفض أن يترك أرض المعركة ويذهب ليستريح بالمكتب، وشجعته على ذلك والدته السيدة سعيدة عبد الحميد العطار التي لم تخف على ابنها من الموت وقالت له: "أنت رجل وارجع إلى أرض المعركة", وبالفعل بعد أن أنهى علاجه عاد لعمله واختار أكثر الأماكن خطورة وهي منطقة العلمين على الحدود، ليذهب لعمله ليستقبله رؤساؤه وزملاؤه برواية حكايات بطولة الضابط الباسل.
وتقول والدة الشهيد: تحمل ابني المسئولية وهو طفل، فوالده توفى وعمره 7 سنوات، حيث شاركنى تربية شقيقيه سامح موظف بالكهرباء, ومعتز طالب بالإعدادية، وكان يشعر دائما أنه سينال الشهادة، وعندما ذهب للخدمة في العلمين بعد واقعة سحله بالمنيا عمل بكفاءة ليترك ملف خدمة مشرف لكل ضابط، وقبل وفاته بساعتين تحدث معي هاتفيا للاطمئنان علي وشقيقيه وكأنه يودعنا حتى نال الشهادة إثر قيام مسلحين بإطلاق النار عليه ومن معه من قوة مباحث العلمين.
وتستكمل حديثها: كريم لم يمت، فهو معي دائما، أشعر به في كل مكان حولي، أقرأ له القرآن الكريم وأنفذ وصيته كاملة، وأجمع شمل العائلة في العيد وأذهب لزيارته، وحاليا أعمل على إعداد أخيه الصغير "معتز" للالتحاق بكلية الشرطة بعد أن كان يحلم بالالتحاق بالكلية الحربية، لكن بعد استشهاد كريم قرر الالتحاق بالشرطة ليكمل مسيرته وليأخذ بثأره.
عريس الجنة
وتزداد مرارة الفراق فى هذا العيد بشكل خاص فى منزل الشهيد محمد سعيد ابن قرية سيدي عمر محافظة البحيرة، فالمنزل الذي كان سيتلألأ بالأنوار والزينة احتفالا بخطوبته تحول إلى منزل يسوده الحزن والوجع، فمحمد كان ينوي إتمام خطبته على ابنة خالته في عيد الأضحى, لكن الإرهاب قرر أن يغتال فرحة الأب بابنه الأكبر ويحرمه من رؤية أبنائه ويكتب الحزن على أخيه الصغير وشقيقته بفراق شقيقهما الأكبر الذي استشهد متأثرا بإصابته فى الحادث الإرهابي الذي استهدف مدرعة شرطة بوسط مدينة العريش.