صدر حديثًا عن مكتبة الشبكة العربية كتاب "الخوف السائل" ويتناول الكتاب الثقافة الغربية والوعود الكثيرة، من بينها الوعد باستئصال الخوف من العالم وإخضاعه الإدارة بشرية وعقلانية وكان ذلك يعني استبعاد لغة القضاء والقدر والبلاء والابتلاء والتحوّل إلى لغة الإدارة والاستحقاق والمسؤولية والإدارة.
وكانت هذه المفردات الجديدة تطمح إلى محاربة المجالات الثلاثة التي يصدر عنها الخوف أولاً: جموح الطبيعة، فقد أعلنت الحداثة عزمها على استئصال الخوف الكوني الصادر عن طبيعة هائجة لا يمكن السيطرة عليها، فأهملت فكرة القضاء والقدر، وحمّلت الإنسان المسئولية عن الشر ودعت إلى الكف عن لوم الإله على ذلك.
ثانياً: هشاشة جسد الإنسان، وخوفه من أمراضه، فحاربت الحداثة الشبح المخيف الذي يطرق الأبواب ليقبض الأرواح وصار للموت أسباب "طبيعية". ثالثاً: العدوان البشري، القائم على مقولة توماس هوبز بأن "الإنسان ذئب لأخيه الإنسان"، فكان الحل بوجود دولة قوية تهذب الرغبات الكامنة في الإنسان، دولة تعتمد "جهنم الدنيوية الواقعية"، بدلاً من "جهنم الأخروية المتخيلة".
وعلى الرغم من كل هذه المحاولات والأمل في التخلص من آثار الدولة الشمولية، ونزعاتها المتطرفة، وتأسيس دولة الرعاية الاجتماعية من أجل استئصال الخوف من المستقبل، وتحقيق الأمن الاجتماعي، إلا أننا ما زلنا أمام دولة انسحبت من أدوارها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأفسحت الطريق أمام عولمة الاقتصاد وعولمة الجريمة وعولمة الإرهاب، وباتت الدولة نفسها تبرر القتل الجماعي ونزع إنسانية الإنسان.