صرح الباحث الجزائري في الشؤون الأمنية عمار سيغة بأن تحليل المفهوم الجديد للسياسة الخارجية الروسية يشير إلى أنها تمهد لتفكيك القطبية التقليدية بتقوية التحالف مع الصين والهند.
وقال سيغة وهو أستاذ في جامعة العربي بن مهيدي، في حديث لوكالة "سبوتنيك": "أول بعد في السياسة الخارجية الروسية الجديدة هو البعد الاستراتيجي، "وفيه تذكير بحدود التحالفات، التي تتمتع بها موسكو مع كل من الصين والهند كحليفين استراتيجيين، وفي ذلك ملامح لتفكيك القطبية التقليدية وتوزيع القوى الدولية على فاعلين جدد".
وأضاف "نعلم جيدا إدراك روسيا الآن وأكثر من أي وقت مضى، حجم الأهمية التي توليها لتعزيز التحالف الجديد، فمن خلال تجربتها الأخيرة في الحرب ضد الغرب على الأراضي الأوكرانية، أدركت مخاطر الاصطفاف الذي عملت واشنطن على حشده لمحاصرة روسيا وعزلها عن مناطق النفوذ الجيوستراتيجية، مما يعطي موسكو المبررات اللازمة لاستخدام القوة المسلحة لصد ومنع الهجوم على نفسها وعلى حلفائها".
وأكد أن موسكو ستعمل "بشكل منسق وشامل عبر تعميق العلاقات في جانبها الجيو-اقتصادي، وهذا يمنح آفاقا أوسع لمجموعة دول (بريكس)، وقد يشمل هذا التعاون في المستقبل اتفاقيات دفاع مشتركة، ومنظومة عسكرية موحدة ستصد كل تهديد يتعرض له أي عضو في المجموعة، وسيعطي البعد الاقتصادي الأولوية الكبرى وسيشكل الصناعات العسكرية والتطوير التكنولوجي لآليات الدفاع المشترك".
وتابع: "ثالث أبعاد الوثيقة الروسية هي البعد السلمي والأخلاقي، وهذا من خلال التأكيد الروسي على تفعيل مبادئها الإنسانية، والتي تعد الخلفية الأرثوذكسية أحد أهم مقوماتها، وفيه هذا السياق فالهدف الرئيس لروسيا في المحيط الإقليمي هو تحويل المنطقة إلى منطقة سلام وحسن جوار".
واستطرد قائلا: "هذا ما يدحض المزاعم الأمريكية التي تتهم روسيا، بزعزعة أمن واستقرار المنطقة، في حين أن للسياسة الخارجية الأمركية سوابق، في خلق بؤر توتر في أفريقيا، وآسيا وحتى في أوروبا"، متابعا: "كما تُسقط موسكو فرضيات الغرب، بتصنيفها ضمن محور الشر والعداء بالنسبة للمجموعه الغربية، وتشدد على تمسكها بمبادئ الصداقة وحسن الجوار ضمن المواثيق والأعراف الدولية، فهي لا تعتبر نفسها عدوًا للغرب، وليست معزولة عنه وليس لديها نوايا عدائية تجاهه".
وأوضح: "نجد في الوثيقة بعدا ردعيا قويا للتصدي لكل أشكال الهيمنة التي فرضتها واشنطن على العالم حيث أصبحت المنظمات والهيئات الدولية أداة في يد الولايات المتحدة لخدمة أجندتها التوسعية وما استصدار مذكرة التوقيف الدولية (من المحكمة الجنائية الدولية) بحق الرئيس بوتين إلا خير دليل على ذلك، فقد بات لزاما على المجموعة الدولية تحرير تلك المنظمات والهيئات من هيمنة الولايات المتحدة، مما يضع ضمن أولويات السياسة الخارجية المستقبلية لموسكو، التصدي للهيمنة الأمركية في العالم بضمان التوازن الاستراتيجي والتعايش السلمي معها".
وتابع: "ستعمل موسكو على تقليل فرص البلدان غير الصديقة في إساءة استخدام مركزها للتأثير على الاقتصاد العالمي، وهذا بتصنيف بلدان غير صديقة طالما عملت على التأثير في الاقتصاد العالمي، وساهمت من خلال لوبياتها في المؤسسات المالية الدولية على تكريس الأجندة الاقتصادية الأمريكية، وإقصاء فواعل اقتصادية مؤثرة مثل موسكو وفرض وجهة نظرها من خلال فرض التعامل الاقتصادي الدولي بالدولار الأمريكي واليورو لعقود عديدة".
وأكد سيغة أن موسكو لم تغفل البعد الخاص بالتعاون الدولي الدائم حيث ذكرت الغرب، بعدم جدوى الصراع والحروب، وأكدت على تمسكها بالتعاون الدولي المشترك، في إرساء قيم المساواة والعدالة في ظل نظام دولي باتت العدالة فيه مبدء مفقودا وباتت القوى العظمى تصنف الدول حسب أهوائها وحسب معايير الولاء والتكتلات، وفي هذا تصريح واضح على تمسك موسكو بتلك القيم التي غابت في العقود الأخيرة عن النظام الدولي، وكسر شوكة الأحادية القطبية التي هيمنت عليها أمريكا لعقود".
ووافق الرئيس فلاديمير بوتين، أمس الجمعة، على الصياغة الجديدة لمفهوم السياسة الخارجية الروسية. وأعلن ذلك في الاجتماع مع الأعضاء الدائمين لمجلس الأمن الروسي، مشددا على أن التغييرات الجذرية التي طرأت على الحياة الدولية قد تطلبت من قيادة البلاد إدخال تعديلات جدية على محتويات الوثائق المحورية للتخطيط الاستراتيجي، بما فيه مفهوم السياسة الخارجية لروسيا الاتحادية.
وكانت آخر مرة قامت فيها روسيا بتحديث مفهوم السياسة الخارجية في عام 2016. وفي نهاية يناير 2022 أعلن الرئيس بوتين أن وزارة الخارجية قد وضعت مسودة لمفهوم جديد، يأخذ في الاعتبار التغيرات في السياسة الدولية، ولكن بعد مناقشة الوثيقة في اجتماع لمجلس الأمن، أوعز الرئيس بوضع اللمسات الأخيرة عليه. وتمت الموافقة النهائية على المفهوم المحدث في 31 مارس الماضي.