تقود الهند تحولا رئيسيا في سوق النفط، بتحولها إلى ما يشبه "مصفاة ضخمة" لتكرير النفط الروسي وتحويله إلى بنزين وديزل وإعادة تصديره إلى أوروبا.
وتستغل الهند مكانتها العالمية في سوق النفط، باعتبارها ثالث أكبر مستهلك في العالم بعد أمريكا والصين، في التفاوض مع موسكو التي تبحث بالكاد عن مشترين لنفطها في ظل العقوبات الأوروبية والمقاطعة غير الرسمية من حلفاء أوكرانيا الآخرين.
وبالفعل، نجحت الهند في أن تشتري النفط الروسي بكميات ضخمة وبأسعار زهيدة تقل حتى عن "السقف الأوروبي" الذي لا يقبل تخطي خام الأورال لحاجز 60 دولارا للبرميل.
من جهة، تستغل الهند أيضا قدراتها التكريرية الهائلة، بصفتها رابع مركز لتكرير النفط في العالم، لتتحول إلى مصفاة ضخمة تعمل على تكرير النفط الروسي وتصديره إلى أوروبا ومن ثم تحقيق أرباح مهولة من الفارق.
وتمتلك الهند 23 مصنع تكرير للنفط يقع أكثر من نصفها على طول سواحلها، تعالج 249 مليون طن من النفط في السنة، ما يجعل منها رابع مركز لتكرير النفط في العالم.
ولدى مجموعة "ريلاينس إنداستريز" المملوكة للثري موكيش أمباني، أكبر أثرياء آسيا، أكبر مصنع للتكرير في العالم في ولاية غوجارات الغربية، وزاد المصنع مشترياته من النفط الروسي بسعر مخفض منذ العام الماضي.
وبحسب بيانات مكتب فورتيكسا لتحليل سوق الطاقة، فإن النفط الروسي يشكل حوالي نصف ما تستورده مجموعة ريلاينس ونيارا، ثاني مصانع تكرير النفط في الهند والمملوك بنسبة 49% لروسنفت.
وتحتل الهند المرتبة الثالثة بين مستهلكي النفط الخام في العالم بعد الولايات المتحدة والصين، وهي تستورد 85% من حاجاتها.
وبعدما كان مزودوها التقليديون في الشرق الأوسط، باتت روسيا تتصدرهم اليوم، فيما أصبحت الصين والهند أكبر مستوردَين من موسكو.
وبحسب وكالة الطاقة الدولية، استوردت الهند في مارس كمية قياسية من النفط الروسي بلغت 1,62 مليون برميل في اليوم تمثل 40% من وارداتها، بالمقارنة مع 70 ألف برميل في اليوم قبل الحرب كانت تمثل 1% من وارداتها.
وأعلنت مجموعة روسنفت العملاقة الروسية الأربعاء عن اتفاق يهدف إلى تحقيق "زيادة هائلة" في إمداداتها لـ"مؤسسة النفط الهندية" العامة، إثر زيارة لرئيس مجلس إدارة المجموعة الروسية إيغور سيتشين للهند. ولم تحدد روسنفط قيمة العقد الموقع ولا الكميات المقررة في إطاره.
وادخرت الهند 3,6 مليار دولار باستيرادها النفط الخام الروسي المتدني الثمن خلال الأشهر العشرة التي تلت بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، على ما أفاد نائب هندي في ديسمبر الماضي.
وبحسب متعقبي شحن الطاقة، تستورد الهند الخام الروسي من الأورال بسعر أدنى بكثير من 60 دولارا للبرميل، السقف الذي حددته دول مجموعة السبع لسعر النفط الروسي في ديسمبر.
وأوضح وزير الخارجية الهندي س. جايشنكار في نوفمبر في موسكو أنه "بصفتنا ثالث دولة مستهلكة للغاز والنفط ودولة مستهلكة ذات مستوى دخل غير مرتفع كثيرا، من واجبنا الأساسي أن نؤمّن للهنود الحصول على أفضل الشروط في الأسواق الدولية".
ويخصص قسم كبير من النفط المكرر في الهند للسوق المحلية، لكن النفط الروسي المتدني الكلفة سمح للعملاق الآسيوي أن يصبح مزودا مهما للدول الغربية وفي طليعتها الدول الأوروبية بالبنزين والديزل.
وزادت صادرات الهند من المنتجات النفطية إلى الاتحاد الأوروبي بنسبة 20,4% بين أبريل ويناير بالمقارنة مع الفترة ذاتها من السنة السابقة، لتصل إلى 11,6 مليون طن، بحسب صحيفة "إنديان إكسبرس" التي أوضحت أن مصانع التكرير الهندية تحقق "هوامش متينة" من الأرباح.
وهذه الأنشطة ليست مخالفة لقواعد الاتحاد الأوروبي رغم العقوبات المفروضة على روسيا، لأنه لا يتم الإعلان عن المواد المكررة على أنها روسية الأصل.. تسمح هذه الأنشطة للاتحاد الأوروبي بتفادي مشكلات الإمدادات في وقت يعاني المستهلكون من التضخم.
وقال ديفيد ويش رئيس قسم الاقتصاد في فورتيكسا إن "العالم سيجد صعوبة كبيرة في العيش بدون نفط روسي"، معتبرا أن ذلك سيؤدي إلى "تضخم حاد".
وبالرغم من دور الهند، فإن التكاليف الإضافية المتأتية عن إرسال الخام بواسطة ناقلات نفط إلى الطرف الآخر من العالم يقتطع مبالغ كبيرة من أرباح التصدير.