الثلاثاء 14 مايو 2024

أمثال شعبية (30-12)| على قد لحافك مد رجليك

تعبيرية

ثقافة3-4-2023 | 16:22

عبدالله مسعد

تعد الثقافة الشعبية من المداخل الهامة لدراسة الشعوب؛ لأنها تعبر عن الجوانب النفسية والشعورية في حياة المجتمعات، وتعد الأمثال الشعبية أحد أبرز هذه الثقافة، وذلك لأنها تمثل حجر الزاوية في معرفة الشعوب.

والمثل هو تلك الحكمة التي تبرز في كلام مسجوع أو مرسل فيدخل النفس حاملا في طواياه رمزاً إلى نقد أو علاج ناحية من مناحي هذه الحياة المتفرّقة الموزّعة، والحكمة قديمة في هذه الأرض وهي نتاج النفس ووليدة تجربتها وخبرتها في نعماها وبؤساها، وقلّما تخلو أمة أو قبيلة من إرسال الحكمة في أمثال سائرة بينها وقد تتعدّى هذه الأمثال أهلها وقائليها إلى غيرهم من الأمم والشعوب وذلك واضح فالنفوس البشرية مهما تباينت في الرقي والانحطاط فهى تشترك في أغلب منازع الحياة، وقد تعلو هذه الحكمة وترتدي أثوابا من الثقافة والمعرفة وبعد النظر والنفاذ في الأشياء على قدر رقي الأمة ونضوجها.

ونستعرض معا خلال أيام شهر رمضان المعظم مجموعة من تلك الأمثال الشعبية المصرية، والتي تناولت العديد من الموضوعات الحياتية واليومية.

وحديثنا اليوم عن مثل: على قد لحافك مد رجليك

يرجع أصل هذا المثل لقصة حدثت قديماً من حكايات التراث، عندما ورث شاب عن والده ثروة طائلة، ولكنه لم يحسن استخدامها بل أخذ يصرفها فى اللهو وإقامة الحفلات، فكان كل ليلة يقيم وليمة وحفلاً كبيراً لأصحابه، فكثر أصحاب الرخاء عنده وكثرت سهراتهم كل ليلة وتعالت ضحكاتهم وهم يمدحون هذا الشاب في وجهه من أجل ماله.

ولكن هذا الحال لم يدم طويلاً فبعد وقت قليل نفذت ثروته وأصبح لا يملك حتى قوت يومه، فانصرف عنه أصدقائه وضاقت عليه الأرض فخرج من بلدته يبحث عن عمل يحصل منه على قوت يومه، وانتهى به المطاف عند صاحب بستان للعمل والمبيت، ولاحظ صاحب البستان أنه لا يعرف شيئاً عن كيفية العمل ولم يسبق له العمل من قبل، فتفهم من هيئته أنه ابن ترف ولكن ظروفه هى التى دفعته لأن يلجأ لهذا الأمر.

فاستدعاه صاحب البستان وسأله عن قصته، فأخبره الشاب بالقصة كاملة، ذهل صاحب البستان حينها لأنه وجد أنه يعرف والد هذا الشاب وأنه صاحب ثروة كبير لا يمكن أن تنفذ بسهولة، ولكن هذا الشاب أنفقها فى غير موضعها حتى انتهى به الوضع إلى هذا الحال، فقال له صاحب البستان: لا أريدك أن تعمل أو تهان وتذل فأنا أعلم أنك ابن فلان. فعقد صاحب البستان للشاب الزواج على ابنته وزوجه إياها وأسكنه بيت صغير قريب من البستان وأعطاه جملاً، وقال له: يا ولدى احتطب وبع وكل من عمل يدك، وأنصحك أن تمد رجلك على قدر لحافك، فأخذ الشاب بتلك النصيحة بالفعل وانصلح حاله بعد فترة من الزمن.

وأصبح المثل منذ ذلك الحين شائع على ألسنة الناس يقدمونه كنصيحة لمن يرونه لا يتصرف بحكمة وتدبر فيما يملك.

ولعل أبرز أمة حظيت بهذا الضرب من الحكمة هى الأمة اليونانية فقد كانت الغالبة على كل ثقافتها وقد خلدت في حكمائها على مر العصور.

والحكمة وحى الروح وسكونها وتجردها من قوارع الهوى ونزوات الشهوات، بل قل هي عدالة النفس وتقواها.

وقد برزت الحكمة مرسلة ساذجة جميلة في الأمة العربية قبل الإسلام وكانت وحي الصحارى وبنت الخيال الساذج الهائم تحت الكواكب في الليل وفي وهج الشمس بالنهار، وكانت تساور نفوس هؤلاء البدو الرحل وتعتلج في صدورهم فأرسلوها في شعر موزون صاف، وفي نتف من النثر البليغ المسجوع آونة والمرسل آونة اخرى.

ثم جاء الإسلام بالحكمة الكبري تترى في آيات بينات يحملها جبريل إلى محمد الذي أخذ يلقنها الناس قوانين لدينهم ودنياهم فارتفعت بالأمة العربية وبلغت بها الأوج في العز والرفاهة والعدل.

وكثر شعراء الحكمة في الإسلام وكتابها وتداول الناس أمثالها السائرة وفاز شعراؤها وكتابها بالخلود وأصبحت في أسمي مراتب الأدب العربي ، وإن المتنبي وأبا العلاء وغيرهما قد سبقوا بشارا ومروان بن أبي حفصة وأضرابهما وهم أشعر منهم وأحل لأن الفريق الأول حكماء والثاني شعراء فقط.

انحدرت الحكمة إلى شمال أفريقيا قاطبة من العرب وغيرهم من الأمم التي نزلت بها فتلقفوها وهضموها وأرسلوها أمثالا في هذا المزيج العجيب من الرطانة التي تتحدث بها هذه البلاد.

وفازت مصر بالنصيب الأوفي من هذه الأمثال التي أخذت تفصلها وتتنوّق فيها فأرسلتها نهاية في العذوبة.

وأصبحت الأمثال المصرية فاكهة الأمم الشرقية لصوابها حيناً، ولفكاهتها حيناً آخر، فهام بها الشرق العربي وتقبل هذا الأدب المصري المحلى باللذة والتشوق، والعجيب أن هذه الأمم الشرقية تشترك مع في كثير مصر من أمثالها ولعل مصر هى التي تشترك معها فيها باختلاف بين اللهجات الإقليمية.

Dr.Radwa
Egypt Air