السبت 18 مايو 2024

الأراضى الزراعية.. خطيئة المبانى وخطأ العقوبات

15-2-2017 | 12:49

بقلم –  محمد الشافعى

شهدت الأراضى الزراعية فى مصر موجات من المد والجزر.. تمثلت موجات المد فى مشروعات استصلاح الأراضى.. التى بدأها الزعيم جمال عبدالناصر بعد بناء السد العالى.. ثم فى مشروع غرب النوبارية المليون فدان مع الرئيس مبارك.. وأخيرًا فى مشروع المليون ونصف المليون فدان مع الرئيس السيسى.

 

أما موجات الجزر فتمثلت فى موجتين، الأولى بدأت مع منتصف السبعينيات ولأكثر من عشرين عامًا.. وشهدت عمليات تجريف واسعة للتربة الزراعية.. لاستخدامها فى صناعة الطوب الأحمر.. بعد أن زاد الاحتياج إليه نظرًا لدخول خدمات المياه والصرف الصحى إلى العديد من القرى.. وعدم ملاءمة «الطوب النى» لهذه الخدمات.. أما الموجة الثانية والتى مازالت مستمرة حتى الآن.. فتتركز فى عملية البناء الواسعة على الأراضى الزراعية.. ورغم خطورة وكارثية هذا الوضع.. إلا أن الحل لا يكمن.. كما ذهب مجلس النواب.. فى تشديد العقوبات ووصولها إلى حد السجن خمس سنوات.. وكان الأولى بأعضاء البرلمان الدراسة المتأنية لأسباب البناء على الأراضى الزراعية.. والعمل على تلافى هذه الأسباب.. ونحاول فى السطور القادمة الوقوف أمام أهم الأسباب التى تدفع الفلاح إلى البناء على أرضه الزراعية.. والأهم أننا سنحاول طرح بعض الأفكار لتلافى هذه الأسباب:

أولًا: نعلم أن «الضرورات تبيح المحظورات».. ونعلم أيضًا أن كل ضرورة تقدر بقدرها.. وفى مسألة البناء على الأراضى الزراعية هناك الكثير من الضرورات.. يأتى فى مقدمتها الكثير من «القرى الحب يسة».. وهى القرى التى لا تمتلك ظهيرًا صحراويًا.. ومساحة الأراضى المتاحة لها صغيرة.. وتعانى مثلها مثل كل بقاع مصر من معدلات زيادة السكان.. فالقرية التى كان تعدادها منذ أربعين عامًا خمسة آلاف نسمة.. أصبحت الآن خمسين ألفًا.. فأين يسكن ويعيش هؤلاء.. بما يعنى أن البرلمان والحكومة قبل أن يسارعا إلى سن القوانين التى تشدد العقوبات.. كان من الواجب عليهما الدراسة المتأنية لوضع تلك مثل القرى.. ووضع الحلول التى تتناسب مع وضع كل قرية.

ثانيًا: اكتشف الفلاح المصرى منذ عدة سنوات.. أنه «الحلقة الأضعف» فى منظومة الإنتاج الزراعى.. حيث ارتفعت وبشكل جنونى تكاليف مستلزمات الإنتاج من مبيدات وسماد وعمالة.. ورغم ذلك يشترى التجار المحاصيل الزراعية بأسعار متدنية.. يجد الفلاح أن إنتاجه الذى لم يحصل من ورائه إلا الفتات.. تصب فائدته كاملة فى جيوب التجار.. مما جعل الكثير من الفلاحين يهجرون الزراعة.. ويبحثون عن أى عمل.. وكان الأولى بالحكومة والبرلمان البحث عن آليات محترمة لدعم الفلاح.. خاصة أن أكثر الدول رأسمالية مثل أمريكا.. تقدم العديد من أنواع الدعم للفلاح.. وعندما ترتفع تكلفة الإنتاج الزراعى.. ويفشل الفلاح فى تحقيق الربح المناسب من عملية تسويق هذا الإنتاج فلابد وأن يكون البديل هو «تبوير» هذه الأراضى والبناء عليها.

ثالثًا: منذ رحيل الزعيم جمال عبدالناصر.. لم تفكر الحكومات المتعاقبة فى استلهام واستنساخ التجربة الرائعة «مجمع ألمونيوم نجع حمادى».. وذلك ببناء العديد من المجمعات الصناعية العملاقة.. فى المناطق الصحراوية البعيدة.. والعمل على تحويل تلك المناطق إلى عناصر جذب للمصريين المتكدسين فى القرى والنجوع والأحياء الشعبية.. ومن السهل على أى زائر لمجمع الألمونيوم فى نجع حمادى أن يكتشف أنه داخل مدينة أفضل من كل المدن الجديدة.. فكل الخدمات متوفرة.. والشوارع واسعة ونظيفة.. والمبانى متناسقة وجميلة.. أى أن أى مواطن يذهب للعمل هناك سيجد العمل والسكن والحياة المريحة.. والتى يتوجها وجود ناد اجتماعى ضخم هو نادى الألمونيوم.. ولو استطاعت حكومتنا السنية استنساخ هذه التجربة.. لعملت على تفريغ التكدس السكانى فى منطقة الدلتا تحديدًا.. والأهم تشجيع المواطن على ترك الزحام وقلة فرص العمل.. مما سيؤدى فى النهاية إلى الحفاظ على الأراضى الزراعية.

رابعًا: إلغاء «الدورة الزراعية» على يد الدكتور يوسف والى.. وزير الزراعة الأسبق.. أدى إلى تحويل عملية الإنتاج الزراعى فى مصر إلى «سمك.. لبن.. تمر هندى» والأسوأ أنه قضى على أهم المحاصيل الزراعية فى مصر وهو القطن.. فبعد أن كنا نزرع سنويًا ما يقرب من ٢.٥ مليون فدان أصبحنا نزرع أقل من ١٥٠ ألف فدان فقط.

وهذا الوضع البائس لم يؤثر على الفلاح فقط.. ولكنه أدى إلى انهيار صناعة الغزل والنسيج فى مصر.. وكان محصول القطن تحديدًا يمثل عصب الاقتصاد بالنسبة للفلاح المصرى..

خامسًا: نعلم أن القوانين لا تطبق بأثر رجعى.. بما يعنى أن كل الذين بنوا على الأراضى الزراعية خلال السنوات الماضية.. واستطاعوا التصالح مع مؤسسات الدولة.. لن تطبق عليهم أية عقوبات.. بينما من يقوم بنفس الفعل الآن سيتعرض للسجن والغرامة.. وهذا وضع غير عادل.. يستوجب أن تبحث الدولة عن حلول حقيقية تحفظ الأراضى الزراعية.. وتحفظ أيضًا كرامة المواطن.. وهذه الحلول تكمن فى طريقين لا ثالث لهما:

١- قيام وزارات الزراعة والرى والإدارة المحلية والإسكان.. بعمل لجنة مشتركة لتحديد «الكردونات النهائية» للقرى المصرية.. فقد تم بالفعل البناء على الأراضى الزراعية.. وهناك «متخللات» بين هذه المبانى مازالت زراعية.. فهل من العدل عندما يتم البناء عليها أن يعاقب من يقوم بذلك بالسجن والغرامة.. بينما أمامه وخلفه وإلى جواره مبان لم تتعرض لأى عقوبة.. ومثل هذه الكردونات سوف ترفع «سيف الظلم» من على رقاب الفلاحين.. فمن المستحيل استمرار زراعة هذه «المتخللات» بين المبانى.. حيث ستكون عرضة لمياه الصرف الصحى مما يجعل منها مصدرًا للأمراض والأوبئة لتحمل الدولة فى النهاية فاتورة علاج ملايين المصابين بالفشل الكلوى وفيروس سى.

٢- على الحكومة مجتمعة أن تعمل على خلق فرص عمل جديدة ودائمة.. فى المناطق النائية والبعيدة.. على أن يكون شباب «القرى الحبيسة» هم الأولى بالرعاية وبالحصول على تلك الفرص.. لكى يجدوا ما يشجعهم على ترك قراهم.. والانتقال إلى مجتمعات أفضل تتوفر فيها سبل الحياة الكريمة.. وسوف تعمل تلك المجتمعات الجديدة على تفريغ الكتل السكانية فى القرى المختلفة.. والأهم الحفاظ على الأراضى الزراعية.

وفى النهاية فإن البرلمان قبل الحكومة.. مطالب بوضع استراتيجية واضحة المعالم للسياسات الزراعية فى مصر.. تعمل على تعظيم العوائد للفلاح المصرى.. مما يشجعه على الحفاظ على أرضه الزراعية..

واستثمارها بالشكل الأمثل.. أما ذلك «الفكر العقابى» الذى يرسخ للتفرقة بين المصريين قبل القانون وبعده.. فلن يؤدى إلا إلى المزيد من الإحساس بالظلم.. والمزيد من إهمال الأراضى الزراعية.

 

    الاكثر قراءة