السبت 18 مايو 2024

وعاد كما كان "إنسان"

مقالات9-4-2023 | 00:06

ماذا لو تنازل عالمنا عن نزاعاته المتكررة وترك لساكنيه فرص العيش في هدوء وسلام، ماذا لو قدم لنا مفاجأته الكبرى ليمحو بها من ذاكرتنا المعذبة كل مشاهد العنف والآلام، ماذا لو حمل لنا معه البشرى بانتهاء المعارك والاقتتال، ماذا لو غمرنا بسحائب الأمل ليبدد بها عنا ظلام اليأس ويذهب بكل لحظات الأحزان، ماذا لو أرسل لنا مع شعاعات شمسه البشرى بقرب انفراج أزماته التي عكف على التخطيط لها ثم قام بتصديرها إلينا بلا انقطاع بكل مهارة وإتقان. 

ماذا لو رافقنا في رحلة ننهل فيها من معين أنهار  سعادته حتى نرتوي من عذب مائها، ماذا لو حملنا بعيدًا عن أرضه التي قام بتدميرها بطيش، ماذا لو نقلنا إلى أرض وليدة لم تشهد عنفًا، ماذا لو تطهر عالمنا من آثامه وخطاياه الثقال ملقيًا بها في قاع الندم باكيًا، طالبًا الغفران، ماذا لو تخلى عن إصراره على العصيان، ماذا لو أخبرنا الآن بالموعد النهائي لانحسار الطوفان. 

 تعالوا نعلن غضبتنا مدوية، تعالوا ننادي بعودة إنسانية الإنسان بعد أن كادت تتلاشى ملامحها وتسقط عنه أمام عدائه، أمام أطماعه الجسام، فلنناديه جميعًا أن يتوقف عن كل هذا العبث، ولنبلغه بأنه لم يعد يتبقى من رصيد إنسانيته سوى حروف لا حياة فيها، حروف تأبى أن تتصل لتصبح ذات معنى، ولا تنفصل لتنفي عنه السعي في مضاعفة نصيبنا من القلق، من الأحزان، ما دمت تسعى لظلم غيرك فلا تتعجب فأنت حقًا لا تستحق حروف اسمك، اسمك الذي منحه لك ربك يوم أن خلقك، لقد عصيته بعد أن أمرك بالبناء وبالعمران، أتقنت الهدم، أحببت الظلم والطغيان، متى ستعلم أنك لم تُخلق لهذا الذي تتقنه الآن، متى ستعود كما جئت مكلفًا بنشر الحب والسلام. 

لا مقدسات تحميها، ولا ديانات توقرها، لا شيء يعنيك إلا الاستحواذ، لا ترى في نفسك سوى نفسك. تذكر عودتك لخالقك وحيدًا كما جئت لدنياك وحيدًا، لن يُسمح لك باصطحاب أحد معك سوى عملك الذي جاوزت فيه الحد في العصيان. كفاك ظلمًا، كفاك قهرًا، كفاك سعيًا وراء خطط الشيطان. اخترته رفيقًا لك وسابقته في مضماره حتى كدت أن تتفوق عليه مفاخرًا!  ماذا لو تركت جنونك وكشفت عن ساعدك لتغرس في أرضك أشجار الزيتون النبيلة فتصنع من أغصانها رايات السلام.

وبرغم كل هذا فأنا ما زلت أحلم، أحلم بعالم أفضل، تشير كل المعطيات بانقضاء الأمر، وربما تسعى لمهاجمتي، تندد بأفكاري، تخالفني في الرؤى والأحلام، لكنني لن أستسلم لليأس أبدًا فما زال لدى أمل عظيم ينبئني بأن هناك غدا أفضل، سيعود فيه الإنسان كما جاء من قبل "إنسان".