الأربعاء 22 مايو 2024

رمضان في سلطنة عُمَان


د. شريف درويش اللبان

مقالات10-4-2023 | 20:14

د. شريف درويش اللبان

أول مرة أستقل فيها طائرة كانت أثناء توجهي إلى العاصمة الأردنية عَمَان للمشاركة في مؤتمر كانت تنظمه الجامعة الأردنية في أبريل 2000، وثاني مرة كانت فارقة في تاريخ الإنسانية، حيث تم ترشيحي للعمل استشاريًا زائرًا في قسم الإعلام بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة السلطان قابوس بسلطنة عُمَان، وكنت أتحدث مع سائق السيارة التي كانت تُقلني إلى مطار القاهرة عن الدول التي تفقد قيمها الأخلاقية المتمثلة في مناصرة الحق وإقرار العدل وحق الشعوب في تقرير مصيرها، وتُغمض عينها عن ذلك كله لمناصرة ربيبتها إسرائيل، وقلت إن مثل هذه الدول لا بد أن تنتظر الأسوأ وغير المتوقع، فلتنتظر صاعقةً مثل صناعة عاد وثمود. كان الكلام مع السائق الذي أجلس بجواره ربما يكون مجازيًا، أو امتعاضًا مما تفعله الولايات المتحدة بالشعب الفلسطيني وعدم التوصل لحل لقضيته الأزلية، بل ومساندة إسرائيل في أفعالها الإجرامية ضد هذا الشعب الأعزل والدولة الوحيدة المحتلة حتى يومنا هذا.

المهم ركبت طائرة "مصر للطيران" المتجهة لدبي حيث لم يكن يوجد خط طيران مباشر بين القاهرة وسلطنة عُمان، وعندما نزلت في مطار دبي لاحظت حركةً غير عادية في المطار، واحترازاتٍ أمنية مبالغًا فيها، وبعد ذلك لحقت بطائرة صغيرة تابعة للخطوط الجوية العُمَانية، والتي أقلتني وعددًا محدودًا من الركاب إلى مطار "السيب" بمسقط القريب من جامعة السُلطان قابوس، وعندما خرجت من المطار وجدت بعض الزملاء وأحد تلامذتي من الباحثين العُمانيين الذي كنت أُشرف على رسالته للماجستير ومسئول العلاقات العامة بالجامعة في انتظاري ليفكوا طلاسم اللغز الذي حيرني في مطار دبي، وكان حل اللغز هو نفسه تاريخ سفري إلى السلطنة 11 سبتمبر 2001، حيث تزامن إقلاع طائرتي من القاهرة مع تفجيرات ذلك اليوم التي أدت إلى أن تصبح الدولة التي كانت تعتبر نفسها سيدة العالم بعد انهيار نظام القطبيْن إلى مجرد دولة كبرى في عالم متعدد الأقطاب..!. ولم أكن أتوقع أن تتعرض الولايات المتحدة لهذا الحادث الجلل بهذه السرعة بعد حديثي مع السائق صبيحة ذلك اليوم..!.

المهم أن عملي لمدة عامٍ دراسي كامل في جامعة السُلطان قابوس، جعلني أشهد شهرَ رمضان خارج مصر لأول مرة، كان شهرًا مختلفًا وله طعمٌ مميز لا أنساه ما حييت، فقد كنت أعملُ أثناءَه مع إخوةٍ عُمانيين أشقاء أعزاء شعرتُ بالدفء بينهم، أذكر منهم د. عصام الرواس عميد كلية الآداب وقتها، ود. أحمد المشيخي ود. محمد المشيخي ود. أنور الرواس و د. عبد الله الكِندي ود. عبيد الشقصي ود. عبد المنعم الحسني (وزير الإعلام العُماني حاليًا)، علاوةً على رئيس قسم الإعلام الأردني د. صالح أبو اصبع وزميلي المصري الوحيد د. طه نجم.

وبعد انقضاءِ يوم العمل، كنت آخذ قسطًا من الراحة لأستعد لتناول الإفطار في نادي الجامعة، الذي كان المغتربون في الأساس هم من يلجأون إليه لتناول إفطارهم، وبعض الإخوة العُمانيين الذين يدعون بعض الزملاء للإفطار، وكان الأمر لا يخلو من دعوات إفطار شهية حافلة بالأطعمة المصرية التقليدية؛ حيث لا زلت أذكر دعوات على الإفطار من الزملاء الأعزاء ومن بينهم د. طه نجم (رئيس قسم الإعلام بآداب الإسكندرية فيما بعد)، ود. السيد الرامخ أستاذ علم الاجتماع المساعد بجامعة الإسكندرية.

وكنت ألاحظ في الغُربة تماسك الإخوة السودانيين ودعمهم بعضهم لبعض، وكنت ألاحظ أيضًا أنهم ينقلون عاداتهم التقليدية السودانية إلى مساكنهم الكائنة داخل جامعة السلطان قابوس، حيث يتجمعون أمام بيوتهم ويضعون الطعام أمامها ويدعون الغادي والرائح لتناول طعام الإفطار معهم، وتلاحظ نوعًا من الألفة والبهجة التي تنعكس من أحايث ذكريات الكبار ولعب ولهو الصغار وانشغال السيدات بإعداد طعام الإفطار.

وكنت أحرص بعد تناول طعام الإفطار غالبًا في نادي الجامعة أن أتوجه إلى التليفون العمومي الذي يعمل بالكارت (قبل أن أمتلك تليفونًا محمولاً في نهاية عملي بالجامعة) لكي أطمئن على أسرتي في مصر التي كنا نسبقها بساعتين في موعد الإفطار، ثم أتوجه إلى مسجد الجامعة المواجه لكلية الآداب لكي ألحق بصلاة المغرب وأنتظر صلاتيْ العشاء والقيام في جو روحاني رمضاني رائع.

ورغم أن شهر رمضان له خصوصية في مصر، إلا أن معايشتي لشهر رمضان في سلطنة عُمَان كان له طعمٌ مختلف ومميز لم أنسه قط حتى هذه اللحظة.. لقد كان شهرَ عِلْمٍ وعملٍ وعِبادة.