أكد محللون سياسيون أن جميع الأطراف خاسرة في معركة مشروع إصلاح نظام التقاعد، والذي وصل إلى مرحلته الأخيرة مع انتظار قرار المجلس الدستوري الفرنسي غدا الجمعة، بشأن دستورية هذا المشروع الذي لا يحظى بشعبية كبيرة.
فقد أوضح طارق زياد وهبي، الباحث في العلاقات الدولية بباريس، في تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط، أن كل الأطراف خاسرة في هذه المعركة، من بينها الحكومة وعلى رأسها إليزابيث بورن التي لم تستطع أن تستقطب اليمين التقليدي "الجمهوريون" وأن تشكل معهم ائتلاف للوصول إلى أغلبية مهمة في مجلس النواب وكذلك لم تستطع أن تقنع بقية النقابات بالقانون .
وأضاف "هناك فشل واضح والمصاعب كانت كبيرة وفي الفترة الأخيرة رأينا كان هناك صوتان صوت للإليزيه وصوت لمجلس الوزراء وهذا لا يمكن بالجمهورية الخامسة إن لم يكن هناك اتفاق بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ".
وأكد وهبي أن البلاد الآن ليست مطمئنة ولا يوجد ما يسمى ب"السلم المجتمعي"، مضيفا أن هناك مشكلة بمفهوم الديمقراطية، "فالديمقراطية هي خيار الشعب والشعب لايريد هذا القانون، فكيف يستطيع الحاكم أن يقول إن هذا القانون ضروري ولمصلحة فرنسا المستقبلية، بينما لا يرى الشعب ذلك، الشعب يرى أن بهذا القانون عليه أن يعمل لفترة أطول وهناك من يعمل على تضخيم الوضع وهذا لن يحل المشكلة، لذلك على الحكومة أن تشرح هذا الموضوع أكثر".
وقال: "نحن فقدنا البوصلة، بمعنى كان علينا أن ندرس أولا قانون العمل ونقوم بالرد على كل المشاكل المحقة عند كل النقابات، وبالتحديد موضوع التعب في العمل وكيفية إعطاء الرواتب في مرحلة معينة وتوزيع حقيقي للربح داخل الشركات".
كما أشار إلى أن الرئيس الفرنسي أيضا خاسر في هذه المعركة وعليه أن يعيد حساباته، كما أنه يخسر كثيرا من شعبيته في الشارع الفرنسي، لأن البعض يرى شخصيته على أنه شخصية متعجرفة ،وكما يوصف كأنه رئيس الأغنياء وهذه الصفة ألصقت به وتعتبر هذه النقطة سلاح غير مرئي يستخدمه من هم ضده.
وتوقع أن يكون هناك استمرارية في الحراك الاجتماعي، قائلا: "برأيي أن هذه التظاهرات خفت حدتها لكن سيكون هناك حراكا مستمرا، هناك كتلة مهمة تعمل وهي النقابات وهناك نوع من التوافق والتضامن بينهم".
وأفاد بأنه يجب أن ننتظر قرار المجلس الدستوري الجمعة بخصوص القانون، مضيفا: "ننتظر ليوم الجمعة والرئيس الفرنسي لن يخلف وعده سيسمح للنقابات للقدوم إليه والإعلان عن شيء ما، ليس لإيقاف القانون لكن في وضعه في شبه مرحلة تجريبية، فهذا القانون لديه مرحلة تجريبية تنتهي في العام 2027 ، بعد ذلك هناك محاسبة ونعرف هل هذا القانون وصل إلى ما كنا نطمح إليه أم لا".
من جانبه أكد كريستيان شينو، الصحفي والباحث في العلاقات الدولية في "راديو فرنسا"، أن البلاد في مأزق مجتمعي، قائلا: "نحن في مأزق مع وجود العديد من المواطنين في الشارع والنقابات، وفي الجهة الأخري موقف الحكومة الذي ضعف، مع رئيسة الوزراء إليزابيث بورن التي ضعفت هي الأخري باستخدام المادة 49.3 (لتمرير مشروع القانون دون تصويت برلماني)، لأن الغالبية ضعيفة للغاية، كما فشلت النقابات أيضا في إضعاف الحكومة وتغيير رأيها، بالرغم من أن هناك استطلاعات للرأي تظهر أن كثير من الفرنسيين يعارضون هذا الإصلاح، فكل ذلك يؤكد أننا في مأزق والجميع خاسر في النهاية".
وأضاف أن مشروع القانون يمر ولكن بانتصار صعب الحصول عليه مع كثير من الضرر سياسيا واجتماعيا، مضيفا أن صورة الرئيس الفرنسي ضعفت أيضا، حيث أنه يعطي صورة رئيس لايستمع ، ولا يستشير، ولم يكن هناك حوار "فهو معزول عما يحدث، حتى عندما حاولت رئيسة الوزراء تهدئة الأمور، قال لا.. يجب أن نستمر".
وتابع: "لذا، فهناك نوع من الكراهية ضده من جانب الشعب الفرنسي، وهو لا يخرج من هذه المعركة رأسه مرفوعة"، وتوقع أن هذا الحراك المجتمعي سيستمر، قائلا"سيستمر هذا الغضب بالشارع ، لكن سننتظر قرار المجلس الدستوري، وأعتقد أنه سيصادق على المشروع مع بعض التعديلات، لكن هذا ليس ما سيطفئ الغضب الاجتماعي وغضب النقابات، لذلك أعتقد أن هذه الحركة الاجتماعية ستستمر بشكل أو بآخر، إما بالمظاهرات أو بالإضرابات".
وتشهد فرنسا تظاهرات اليوم الخميس، في إطار اليوم الثاني عشر من المظاهرات والاحتجاجات واسعة النطاق في البلاد بدعوة من الاتحاد النقابي ضد قانون إصلاح نظام التقاعد، والذي أثار موجة غضب كبيرة خلال الفترة الماضية، ويأتي هذا اليوم الجديد من التظاهرات عشية إصدار قرار المجلس الدستوري الفرنسي، غدا بشأن دستورية المشروع، ويمكن للمجلس أن يلغي القانون أو يصادق عليه كليا أو جزئيا.
ومن المنتظر أن تنطلق اليوم نحو 270 مسيرة في عدة مدن فرنسية احتجاجا على هذا المشروع الحكومي، بينما ستنطلق المسيرات الباريسية في الساعة الثانية مساء (بتوقيت باريس) ويتوقع أن يشارك فيها ما بين 40 إلى 70 ألف شخص، بحسب المعلومات الاستخباراتية.
وبالرغم من دعوة النقابات العمالية إلى النزول بأعداد كبيرة اليوم، إلا أن المظاهرات متوقع أن تشهد تراجعا في عدد المتظاهرين بل من المتوقع انحسار موجة الاحتجاج، خاصة وأن هناك حاليا فترة عطلات مدرسية في بعض المناطق في البلاد، وكذلك بعد أن انخفض عدد المتظاهرين بشكل حاد في اليوم الأخير من التظاهرات (6 إبريل الجاري) والذي شهد أعمال عنف متفرقة.
وينتظر الفرنسيون الآن رأي المجلس الدستوري فبينما تأمل النقابات أن يطعن المجلس الدستوري بشرعية قانون التقاعد ويطلب من الحكومة صياغة قانون جديد أو تغيير عدد من مواده، تنتظر الحكومة من جانبها أن يصادق على غالبية المواد التي يتضمنها القانون، خاصة المادة السابعة التي تنص على رفع سن التقاعد إلى 64 عاما.