الأحد 28 ابريل 2024

وها أنا أعترف

مقالات14-4-2023 | 02:36

كنا ثلاث فتيات شقيقات كما كان حال الفنانات "فيروز، وميرفت، ونيللي "في فيلم" عصافير الجنة "وكان هناك انسجام كبير بيننا، كانت أمي رحمة الله عليها قد اختارت لنا الأسماء الثلاثة منتهية بحرفي الألف والهمزة كأسماء الثلاثي المرح اللائي نلن شهرة واسعة في مجال الغناء في فترة الستينيات، وبما أنها كانت تجيد التفصيل والخياطة فقد كانت تصمم لنا ثيابًا متشابهة من نفس ثوب القماش لنرتديها، لعلها كانت بذلك تسعد بنا ونحن أشبه بفريق استعراضي مبهج يحمل اسمها، كنا بالفعل مميزات بها وبعطائها الذي كان كنهر عظيم يفيض علينا بالمحبة والحنان.

مرت الأيام والأعوام ثم جاءت المفاجأة الكبرى وهى أن أمي قد حملت للمرة الرابعة، كنت حينها أبلغ من العمر اثنتا عشرة عامًا، وجاءت مفاجأة أخرى بأنها وضعت توأمين من الذكور هذه المرة، وبالطبع تحملت جزءًا من المسئولية في العناية بهما مناصفة مع شقيقتي التي كانت تصغرني بعامين، كنا نتناوب السهر معها حتى الساعات الأولى من الصباح، نأخذهما خارج الغرفة لنوفر لها قسطًا من الراحة والنوم خاصة وهى من ذاقت الألم الشديد في وضعهما بولادة قيصرية قال عنها الأطباء أنها ولادة متعثرة للغاية، فقد كان الصغيران يعانقان بعضهما البعض في وضع مستعرض كان من المستحيل معه أن تتم الولادة بشكل طبيعي.

كبر الصغيران اللذان تعلقا ببعضهما كأغلب حالات التوائم، يختلفان يتشاجران وفي النهاية يعود السلام ليجمع بينهما، أدركت حينها أن الهدوء الذي كان يظللنا قبل تشريفهما لنا بالحضور قد غادر منزلنا إلى أجل غير مسمى، وبما أنني الشقيقة الكبرى فقد نالني شرف الإشراف على تربيتهما بشكل أكبر، وبما أنني تمتعت بالهدوء لفترة طويلة، فقد عز على فراقه، كثيرًا ما كنت أقوم بنهرهما عندما يختلفان على أبسط الأشياء ويصدران الإزعاج لي في كل وقت وأوان، كان شعوري نحوهما قد تحول بعض الشيء إلى شبه عداء بعد أن سلبا مني الراحة والهدوء ليبدلا حياتي من حال إلى حال.

مرت سنوات عديدة، تزوجت بعدها وغادرت المكان، وهنا أصبحت أفتقدهما كثيرًا، كنت أفرح عندما يفاجآني بزيارتهما ويقومان بإحضار الهدايا لي ولطفلي الأول الذي منح كل منهما لقب "الخال"، كم كنت ألوم نفسي عندما أتذكر قسوتي عليهما في الماضي وهما طفلان صغيران فقررت عقد معاهدة صداقة بيني وبينهما، وهنا تذكرت هذا المشهد من فيلم "الحفيد"، وبالتحديد لحظة دخول الفنانة الرقيقة "منى جبر" التي قامت بتجسيد دور "أحلام"، أثناء تدليلها وتقبيلها لشقيقتيها وهى تقول لهما في ود وحنان: "أنتِ سكر، وأنتِ عسل" فترد عليها الفنانة القديرة "كريمة مختار بقولها: "راحت فين أيام زمان ياأحلام فين أيام الضرب والتلطيش "لتضحك بعدها أحلام، وتقول: "ماخلاص بقى ياماما".

وفي إحدى زياراتي لمنزل العائلة، كنت يومها أصطحب معي طفلي وأحمل حقيبة بها بعض حاجياته فقد قررت أن أقضي يومين مع أسرتي، وفي الليل كان شقيقاي ينامان في سرير مجاور لسريري في نفس الغرفة، سمعت أحدهما يقول للآخر، وهو يصرخ: "سيب إيدي بقى يا أخي"، فقمت على إثرها من نومي وحمدت الله أن طفلي النائم بجانبي لم ينتبه لتلك الصرخة، وإلا النوم كان سيفارق عينيه وأدفع أنا الثمن، سألت عن السبب فإذا بأحدهما يقول لي: "أصله عضني عضة جامدة أوي"، فقلت لهما: "أنتوا هاتصغروا من تاني ولا إيه! فرد على أحدهم قائلًا: "أنا ماقصدتش حاجة أصل أنا كنت باحلم بحرامي بيمد إيده علشان يفتح الشباك فمسكت إيده وعضيتها "فهمت على الفور التفسير الصحيح لهذا الموقف الغريب، رد عليه من كانت العضة من نصيبه قائلًا: "طب ياللا نام بقى، إيدي وجعتني والله وطار النوم من عيني، الله يسامحك أنت والحرامي الغلبان اللي ظلمته معاك"، وبالرغم من طرافة الموقف إلا أنني عدت بذاكرتي لأيام مضت في ثوان، وإلى الآن بعد أن تزوجا وأنجبا إلا إنهما ما زالا يذكراني بما كنت أفعله معهما في الماضي حين كنت أرى في وجودهما تهديدًا لعزلتي، فيتمكن الانفعال مني ويدفع بي الغضب لإصدار الحكم بضرورة إخراجهما من المكان.

Dr.Randa
Dr.Radwa