الإثنين 29 ابريل 2024

تلك آثارنا 7.. تمثال رع حتب وزوجته نفرت

مقالات15-4-2023 | 01:27

في وضع ملؤه الوقار والهدوء، والهيبة، والجمال أيضاً، استطاع الفنان أن ينحتهما نحتاً ماهراً، ثم يقوم بتلوينهما بألوان مميزة، ويزينهما بما يضيف عليهما جمالاً خلاف جمال النحت واللون.

التمثالان من أروع أعمال النحت التي تعود إلى عصر الدولة القديمة الأسرة الرابعة (2575 ق.م - 2465 ق.م.تقريبا)، إن لم تكن من أروع منحوتات مصر القديمة، تمثال "رع حتب وزوجته نفرت"، ومن أجمل مقتنيات المتحف المصري "القديم" بالتحرير.

تذكر العديد من المصادر التاريخية أن "رع حتب" ابن الملك سنفرو من أم غير ملكية وأخو الملك خوفو، بينما يعتقد البعض أنه ابن الملك "حوني" آخر ملوك الأسرة الثالثة المصرية، والبعض الأخر يعتقد أنه لم يكن ابناً لأى ملك من ملوك مصر، أما اسم والدته فلا زال لغزًا إلى اليوم.

وإن كان هناك اختلاف في نسبه، فليس هناك اختلاف حول اسمه وألقابه التي سجلت على مسند تمثاله، فيعنى اسمه بالمصرية القديمة "رع حتب" أي " رع راضٍ"، ومن الأالقاب اليت كان يجملها أنه "ابن الملك من صلبه"،  وأنه قائد جيش هليوبوليس، وكبير كهنة رع، ورئيس الأعمال المعمارية وكبير فلكي مدينة هليوبوليس. أما عن زوجته الأميرة "نفرت"، والذي يعني اسمها بالمصرية القديمة "الجميلة"، فلديها لقبٌ واحد ذكر على مسند تمثالها وهو "رحت نسو" أي المعروفة عند الملك.

وقد عثر على هذين التمثالين في مقبرة على شكل مصطبة على بعد عشرات الأمتار من هرم الملك سنفرو فى ميدوم، اكتشفها عالم الآثار الفرنسي أوجست مارييت عام 1871م.

وعثر على التمثالين خلف جدار من الطوب في الجانب الشمالى من المقبرة وكأنهما غير موجودين بالمقبرة، وقيل إن وضعهما هناك كان بغرض اخفائهما حتى لا يتعرضا للتدمير، حيث صدرت أوامر من الملك "خوفو" بهدم التماثيل غير الملكية.

وقيل إنه أثناء أعمال الحفائر بهذه المقبرة لاحظ أحد العمال وجود انبعاج وعدم استواء في جدار المقبرة من الجهة الشمالية، فتم صنع فتحة فى هذا الجدار ليفاجىء العمال، الذين كانوا يحملون المشاعل في ظلمة المقبرة بعيون التمثالين المطعمة بألوانها الحيّه فأُصيبوا بالرعب والفزع لأنهم شعروا، مع براعة نحت الوجهين وألوانهما، أنهم أمام شخصين لا زالا على قيد الحياة ينظران إليهم ، لا تماثيل صامتة.

وهناك من يرى أن التمثالين كانا ملتصقين في صورة تمثال زوجي لهما معاً، أى أنهما كانا ملتصقين معاً في كتلة واحدة، وأن "رع حتب"اضطر الى إعادة تقسيم المقبرة حتى يوضع التمثال بالجانب الشمالى، ونظراً لأن التمثال كبير ومدخل الجانب الشمالى لا يتسع لدخول التمثال كله كتلة واحدة لذلك تم فصله نصفين، ولهذا أصبح كل من (رع حتب) و(نفرت) يجلسان على كرسيين منفصلين.

والتمثالات يصوران الأمير "رع حتب"، وزوجته "نفرت"  يجلسان على كرسيين منفصلين لهما مسند ظهر يمتد حتى مستوى نهاية راسيهما ومدون عليه ألقابهما، وبارتفاع حوالى 120سم، وبعرض 51 سم وعمق 69 سم.

عيون التماثيل مطعمة بمهارة، فصنع بياض العين  من معدن "الكوارتز غير الشفاف". وصنع القرنية من مادة "البلور الصخري الشفاف"، ونحت القرنية من الخلف وملأها بعجبنة سوداء لعمل بؤبؤ العين "نني العين"، وقد يكون من حجر الأوبسيديان الأسود اللامع، مما جعلها تبدو كأنها عيون طبيعية حيّة.

وصُنعت الخطوط الخارجية للعيون من أسلاك من النحاس، وبخلاف النحت المميز لشكل الجسدين وملامح الوجه، جاءت الألوان متناسبة.

فيظهر "رع حتب" بالشعر القصير والشارب الرفيع الأسود اللون، عريض الكتفين وقوي البنيان، يرتدي نقبة قصيرة حنى ركبتيه ذات لون أبيض، ويقبض يده اليمنى علي صدره والأخري علي قدمه رمز القوة والحزم، ويرتدي في رقبته قلادة على هيئة قلب وهي قلادة الـ "الإيب" التي يرتديها المحاربون فقط. وتدل ملامحه على الحزم والصرامة، كما تبدو عليه  علامات الوقار والهيبة والرقي.

وتمثاله من التماثيل النادرة في مصر القديمة التي يظهر فيها رجل بشارب.

أما تمثال الزوجة "نفرت" فصورها بجمالاها الملفت للانتباه، فكان لها من اسمها نصيب كبير، فقد صورها في هيئة أنيقة أخاذة وهي مرتدية عباءة حابكة فوق عباءة بحمالتين وتمسكها بيدها اليسري واليد اليمنى مفتوحة بجسدها المفعم بالأنوثة، وشعرها الفاحم المستعار الذي ييظهر شعرها الحقيقى على استحياء أسفله، وبعينيها الواسعتين الساحرتين، بكحلهما الزاهي الفصيح، وقسمات وجهها القمري المتألق النابض، وزينتها الرقيقة الراقية حيث ترتدي إكليلاً مزين بأشكال زهور متنوعة، وقلادة جميلة ذات ألوان متعددة تزين جيدها وأعلى صدرها، وجميعها تعكس جمال محتشم وأنوثة مهذبة .

برعم الفنان المصري في تمييز لون بشرة الرجل عن لون بشرة المرأة  فصوّر "رع حتب" باللون الاسمر المحمر  بحكم عمله خارج البيت ودوام تعرضه للشمس، بينما تظهر الجميلة نفرت باللون الأبيض المصفر بحكم أنها أميرة منعمة مرفهة لا تتعرض للشمس ولا تخرج من البيت إلا قليلا.

Dr.Randa
Dr.Radwa