الثلاثاء 7 مايو 2024

أمثال شعبية (30-24)| ودن من طين وودن من عجين

تعبيرية

ثقافة15-4-2023 | 16:00

عبدالله مسعد

تعد الثقافة الشعبية من المداخل المهمة لدراسة الشعوب؛ لأنها تعبر عن الجوانب النفسية والشعورية في حياة المجتمعات، وتعد الأمثال الشعبية أحد أبرز هذه الثقافة، وذلك لأنها تمثل حجر الزاوية في معرفة الشعوب.

والمثل هو تلك الحكمة التي تبرز في كلام مسجوع أو مرسل فيدخل النفس حاملا في طواياه رمزا إلى نقد أو علاج ناحية من مناحي هذه الحياة المتفرّقة الموزّعة، والحكمة قديمة في هذه الأرض وهي نتاج النفس ووليدة تجربتها وخبرتها في نعماها وبؤساها، وقلّما تخلو أمة أو قبيلة من إرسال الحكمة في أمثال سائرة بينها وقد تتعدّى هذه الأمثال أهلها وقائليها إلى غيرهم من الأمم والشعوب وذلك واضح فالنفوس البشرية مهما تباينت في الرقي والانحطاط فهى تشترك في أغلب منازع الحياة، وقد تعلو هذه الحكمة وترتدي أثوابا من الثقافة والمعرفة وبعد النظر والنفاذ في الأشياء على قدر رقي الأمة ونضوجها.

ونستعرض معا خلال أيام شهر رمضان المعظم مجموعة من تلك الأمثال الشعبية المصرية، والتي تناولت العديد من الموضوعات الحياتية واليومية.

وحديثنا اليوم عن مثل: ودن من طين وودن من عجين

يروى أنه بإحدى القرى الريفية بالصعيد زمان، قيل أنه يوجد كنز بأعلى الجبال بالقرية الريفية بالصعيد وأن هذا الكنز به ذهب وفضة وأموال كثيرة.

سمع أهل القرى بالقصة، فتنافس كل منهم فى الذهاب برحلة للحصول على الكنز فلم يصل أحدهم إلى الكنز نظرا لما يجدوه أثناء الطريق حيث الأصوات المرعبة  والهلاوس السمعية والبصرية التى تؤدى بنهاية الأمر إلى تشتت من يذهب إلى هناك مصاب بالجنون والشرود الذهنى أو كما يقال يحول إلى حجر لا ينطق أو أن تدركه المنية  وعلى ذلك خشى الجميع من ذلك.

وصل الموضوع إلى أذن فتاة صغيرة سنها لا يتجاوز السابعة عشر ففحصت عن أفكارها وراودتها فكرة لم تخطر على بال أحد ألا وهى أن تذهب إلى الجبال لتحصل على الكنز ولكن كيف لها أن تحصل على الكنز فوجدت أن الفكرة تمنع نفسها عن سماع الأصوات وعن سماع الهلاوس التى تسبب لجميع فى الجنون والبعض فى الشرود.

تنبهت الفتاة للفكرة وطبقتها وفعلا عزمت على تحقيق رغبتها بأن تحصل على الكنز فذهبت فى الرحلة وعلى ذلك وضعت بأحد أذنيها عجين ولكن الاذن الأخرى تركتها فارغة حتى وصلت إلى المكان فوجدت الطين فطرأت عليها فكرة أن تضع بالأخرى الطين وعلى ذلك أصبحت أحدهم بها طين والأخرى من عجين وفعلا ذهبت فى طريق رحلتها وحصلت على الكنز من الذهب والفضة فسألها الجميع عن سر حصولها على الكنز فقالت عملت ودن من طين وودن من عجين.

وعلى ذلك ضرب هذا المثل لمن يريد أن يحقق طموحه ولا يسمع لأحد يحاول أن يبطل من إنجازاته أو طموحه.

ولعل أبرز أمة حظيت بهذا الضرب من الحكمة هى الأمة اليونانية فقد كانت الغالبة على كل ثقافتها وقد خلدت في حكمائها على مر العصور.

والحكمة وحى الروح وسكونها وتجردها من قوارع الهوى ونزوات الشهوات، بل قل هي عدالة النفس وتقواها.

وقد برزت الحكمة مرسلة ساذجة جميلة في الأمة العربية قبل الإسلام وكانت وحي الصحارى وبنت الخيال الساذج الهائم تحت الكواكب في الليل وفي وهج الشمس بالنهار، وكانت تساور نفوس هؤلاء البدو الرحل وتعتلج في صدورهم فأرسلوها في شعر موزون صاف، وفي نتف من النثر البليغ المسجوع آونة والمرسل آونة اخرى.

 

ثم جاء الإسلام بالحكمة الكبري تترى في آيات بينات يحملها جبريل إلى محمد الذي أخذ يلقنها الناس قوانين لدينهم ودنياهم فارتفعت بالأمة العربية وبلغت بها الأوج في العز والرفاهة والعدل.

وكثر شعراء الحكمة في الإسلام وكتابها وتداول الناس أمثالها السائرة وفاز شعراؤها وكتابها بالخلود وأصبحت في أسمي مراتب الأدب العربي، وإن المتنبي وأبا العلاء وغيرهما قد سبقوا بشارا ومروان بن أبي حفصة وأضرابهما وهم أشعر منهم وأحل لأن الفريق الأول حكماء والثاني شعراء فقط.

انحدرت الحكمة إلى شمال أفريقيا قاطبة من العرب وغيرهم من الأمم التي نزلت بها فتلقفوها وهضموها وأرسلوها أمثالا في هذا المزيج العجيب من الرطانة التي تتحدث بها هذه البلاد.

وفازت مصر بالنصيب الأوفي من هذه الأمثال التي أخذت تفصلها وتتنوّق فيها فأرسلتها نهاية في العذوبة.

وأصبحت الأمثال المصرية فاكهة الأمم الشرقية لصوابها حيناً، ولفكاهتها حيناً آخر، فهام بها الشرق العربي وتقبل هذا الأدب المصري المحلى باللذة والتشوق، والعجيب أن هذه الأمم الشرقية تشترك مع في كثير مصر من أمثالها ولعل مصر هى التي تشترك معها فيها باختلاف بين اللهجات الاقليمية.

Egypt Air