الأربعاء 8 مايو 2024

أمثال شعبية (30-25)| ابعد عن الشر وغنيله

تعبيرية

ثقافة16-4-2023 | 15:36

عبدالله مسعد

تعد الثقافة الشعبية من المداخل المهمة لدراسة الشعوب؛ لأنها تعبر عن الجوانب النفسية والشعورية في حياة المجتمعات، وتعد الأمثال الشعبية أحد أبرز هذه الثقافة، وذلك لأنها تمثل حجر الزاوية في معرفة الشعوب.

والمثل هو تلك الحكمة التي تبرز في كلام مسجوع أو مرسل فيدخل النفس حاملا في طواياه رمزاً إلى نقد أو علاج ناحية من مناحي هذه الحياة المتفرّقة الموزّعة، والحكمة قديمة في هذه الأرض وهي نتاج النفس ووليدة تجربتها وخبرتها في نعماها وبؤساها، وقلّما تخلو أمة أو قبيلة من إرسال الحكمة في أمثال سائرة بينها وقد تتعدّى هذه الأمثال أهلها وقائليها إلى غيرهم من الأمم والشعوب وذلك واضح فالنفوس البشرية مهما تباينت في الرقي والانحطاط فهى تشترك في أغلب منازع الحياة، وقد تعلو هذه الحكمة وترتدي أثوابا من الثقافة والمعرفة وبعد النظر والنفاذ في الأشياء على قدر رقي الأمة ونضوجها.

ونستعرض معا خلال أيام شهر رمضان المعظم مجموعة من تلك الأمثال الشعبية المصرية، والتي تناولت العديد من الموضوعات الحياتية واليومية.

وحديثنا اليوم عن مثل: ابعد عن الشر وغنيله

قصة المثل تعود إلى الأسد الذى أصيب بمرض أرهقه وكانت رائحة فمه كريهة تفوح من فمه وبالكاد كان يسير فى الغابة، يبحث عن فريسة واذ فجأه يرى حمار أثناء تجوله بالغابة، فقال له أيها الحمار أشعر بتعب شديد ورائحة فمى كريهة فأجابه الحمار نعم رائحتك كريهة فغضب الأسد وهجم عليه قائلا "أتتجاسر أيها الحمار " وتهين ملك الغابة.

وهنا افترسه الأسد، ثم واصل السير فوجد الدب، فقال له ما قاله الحمار، فرد عليه: "رائحتك ذكية ولا يبدو عليك المرض".. فردد قوله: "يا مخادع كيف تتجاسر وهجم عليه وافترسه، ثم واصل، فوجد القرد متسلقًا على الشجرة هاربا منه، فنظر إليه الاسد وتوسل إليه الاسد لكى يشم رائحة فمه، فلما علم القرد بما حدث لرفاقه قال له "سيدى الأسد ملك الوحوش اشتهى أن اخدمك واحقق طلبك ولكننى أعتذر لك فانى أعانى من البرد ولا استطيع أن أشم الرائحة بسبب مرضي.

فنجا القرد من الأسد ولم يكن حمارًا ولا دبًا مخادعًا، وعلى هذا يصبح المثل يضرب لتوجيه عبرة بأنه يجب ألا ننشغل بأمور الناس ولا أحوالهم  فنفقد السلامة.

ولعل أبرز أمة حظيت بهذا الضرب من الحكمة هى الأمة اليونانية فقد كانت الغالبة على كل ثقافتها وقد خلدت في حكمائها على مر العصور.

والحكمة وحي الروح وسكونها وتجردها من قوارع الهوى ونزوات الشهوات، بل قل هي عدالة النفس وتقواها.

وقد برزت الحكمة مرسلة ساذجة جميلة في الأمة العربية قبل الإسلام وكانت وحي الصحارى وبنت الخيال الساذج الهائم تحت الكواكب في الليل وفي وهج الشمس بالنهار، وكانت تساور نفوس هؤلاء البدو الرحل وتعتلج في صدورهم فأرسلوها في شعر موزون صاف، وفي نتف من النثر البليغ المسجوع آونة والمرسل آونة اخرى.

ثم جاء الإسلام بالحكمة الكبري تترى في آيات بينات يحملها جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي أخذ يلقنها الناس قوانين لدينهم ودنياهم فارتفعت بالأمة العربية وبلغت بها الأوج في العز والرفاهة والعدل.

وكثر شعراء الحكمة في الاسلام وكتابها وتداول الناس أمثالها السائرة وفاز شعراؤها وكتابها بالخلود وأصبحت في أسمي مراتب الأدب العربي ، وإن المتنبي وأبا العلاء وغيرهما قد سبقوا بشارا ومروان بن أبي حفصة وأضرابهما وهم أشعر منهم وأحل لأن الفريق الأول حكماء والثاني شعراء فقط.

انحدرت الحكمة إلى شمال أفريقيا قاطبة من العرب وغيرهم من الأمم التي نزلت بها فتلقفوها وهضموها وأرسلوها أمثالا في هذا المزيج العجيب من الرطانة التي تتحدث بها هذه البلاد.

وفازت مصر بالنصيب الأوفي من هذه الأمثال التي أخذت تفصلها وتتنوّق فيها فأرسلتها نهاية في العذوبة.

وأصبحت الأمثال المصرية فاكهة الأمم الشرقية لصوابها حيناً، ولفكاهتها حيناً آخر، فهام بها الشرق العربي وتقبل هذا الأدب المصري المحلى باللذة والتشوق، والعجيب أن هذه الأمم الشرقية تشترك مع في كثير مصر من أمثالها ولعل مصر هى التي تشترك معها فيها باختلاف بين اللهجات الاقليمية.

Egypt Air