يأتي رمضان وتصحبه نفحاته المباركة وأجواؤه العطرة، فتطمئن القلوب وتهدأ النفوس وتحل عاداته وتقاليده، ليتغير معها نمط الحياة اليومي للمصريين، ومن سماته المفرحة برامج ومسلسلات "الإذاعة والتلفزيون المصري" في الماضي فقد ارتقت بحس المستمعين الوطني والثقافي وشكلت جزءًا كبيرًا من وجدانهم ومنها حلقات "المسحراتي" الذي عاش وطٌبع في قلوبنا بما يحمله من قيمة ومعنى وبهجة ، فهو يرتبط ارتباطاً وثيقاً باثنين مبدعين استمدا فنهما من روح وروعة الحارة الشعبية، الشاعر فؤاد حداد والشيخ سيد مكاوي فهما الأحبة في ذكرى المحبة الصافية لأجواء صلاة الفجر وسحور رمضان.
رضي الله عن مولانا "فؤاد حداد" فمنحه من فيض كرمه، فخرج كلامه مداويا للجراح ومحتضن الأوجاع وهموم المصريين البسطاء، فأنَشدَ أروع أشعاره ومناجاته المخلصة لله وللوطن، وصاغها غنائيا "سيد مكاوي" وأعطى فيها من روحه الفكاهية الساخرة، ونقش بصمته بلحن وآداء لا يضاهيه فيه أحد على وجه البَسيطة بكل أريحية وروقان.
يمكن اعتبار أن ما صنعه الثنائي في حلقات المسحراتي تأملات صوفية تجدد الأمل بداخلنا أو طقطوقة نقدية ساخرة ينتقدان فيها أحوال المجتمع الصالح منها والطالح، خرجت في قالب فني ثابت تتغير فيه الفكرة فتسير مع ليالي رمضان فتحيي ذكرى طقوسها لخاصة، وتلقي الضوء على رموز مصرية أصيلة من أهل الفن والسياسة، وتقف عند أحداث تاريخية مؤثرة من ذاكرة الوطن.
فمثلا حلقة خاصة بمناسبة انتصار"العاشر من رمضان، إذ يقول فيها:
دنا قلبي لما سمع أول بيان في العصر.
كل الجدود اللي بكيت في مصر.
كل الولاد اللي ضحكت.
وكلنا على بعض بنجري وندور.
وتسحيرة أخرى عن فضل وكرم "ليلة القدر"، فينشد مكاوي
خيالي نور
قلبي صادق
عيني مشتاقة
يا ليلة القدر لما تفحي الطاقة.
وحلقة لم ينسى فيها أهلنا من"العمال والفلاحين" الشقيانين على شغلهم، "فيقول حداد":
"أنا كنت فلاح وكان محراتي آه ور آه.
وكنت عامل محدش قدره ورآه.
وكنت شاعر تئن أقلامي يا ورقاه.
دلوقتي صوتي فرايحى في العزيق والحرت.
طبلت أنا وسحَرت.
قبلت أنا وبحرت.
وفي حلقة "عمر بن الخطاب" حيث يروي قصته مع أم الأطفال الجائعين، فيصنع محاكاة فنية بديعة المعنى والمغزى.
حيث يقول "حداد"
أصل الحكاية سمع شكاية مد البصر
شاف الخليفة أجسام ضعيفة زي الصور.
لو لسه حيه عيونها حافية من النظر.
في نار تغلب وإيدين تقلب مَيًه بحجر.
قالت باسلي ولادي يا للي تعرف عمر.
ومهما نشهق لابد نزهق من السهر.
يمكن يغيتهم نعاس يميتهم قبل السحر.
سالت دموعه وبين ضلوعه قلبه انفطر.
قال كل مسلم جناحة مؤلم إذا انكسر.
ومسك الختام ينهي بهجته وتسحيره في ليالي المحروسة بتجمع النساء وسهرهن حتى الفجر في صنع "كحك العيد"، فيقول:
مسحراتي.. منقراتي خالاتي عماتي.
على تل عجوة وعسل وسمن ولا مجلس الأمن.
سهرانين لت وعجين يبنوا الهرم.
قالت حماة المحترم.
يا كحك يا سيد الكرم.
نبًطلك في المشمشي.
يا بنت قومي وفرفشي.
وهكذا يتجول بنا الرائع انكل عام بفسحة رمضانية عبر موجات الأثير، يغوصان فيها بأزمنته وبأماكنه المختلفة يأخذاننا معهما في أجواء شجية تفوح بمحبة تجلي القلب وتٌصفي الروح،يبتغيان منها إيقاظ البلاد والعباد من غفلة الكسل واللامبالاة، والتأكيد على التمسك بقيمة الكد والعمل.