الإثنين 25 نوفمبر 2024

مقالات

ونجحت الخطة

  • 18-4-2023 | 14:20
طباعة

مر زمن طويل على قصتي تلك ولكني تذكرتها الآن ، لماذا ؟ لا أدري ! في صباح أحد الأيام  قابلت صديقتي ، وجارتي لنذهب معًا إلى مدرستنا الثانوية كعادتنا ، لاحظت عليها علامات الإرهاق ، كانت عيناها تنبيء عن موقف سيء قد تعرضت له بالأمس ، وبما أن الطريق من الحي الذي نسكن فيه سويًا إلى مدرستنا يستغرق حوالي نصف ساعة تقريبًا سيرًا على الأقدام فقد كان من الطبيعي أن نتحدث معًا عن الموقف الذي تسبب لها في هذه الحالة النفسية التي خالفت طبيعتها المرحة تمامًا  ، وبدون أن أسأل عن السبب وجدتها تحكي ماحدث لها ، كأنها أرادت بذلك أن تزيح صخرة ضخمة جثمت على صدرها لساعات ، قالت لي : " أنا جالي عريس امبارح فقلت لها : مبروك ، فتابعت حديثها قائلة " بس أنا رفضته طبعًا ، فقلت لها : " طيب مادمتي رفضتيه ليه زعلانة  بالشكل ده ، مادام القرار قرارك أنتي ، وماحدش فرضه عليكِ يبقى مفيش داعي للزعل ، تنهدت ثم قالت : " أنا مانمتش من امبارح وكل ما افتكر اللي حصل ما اقدرش أمسك دموعي. 

كانت صديقتي تتمتع بقدر محدود من الجمال ، لكنها تتمتع بخفة ظل كافية أن تمنحها الجائزة الأولى في مسابقة ملكات الجمال ، تابعت حديثها معي وهى تبكي : " أنا مش زعلانة إن في حد اتقدملي ، اللي مزعلني إنه قال لبابا إن هو كان بيشوفني كل يوم وأنا واقفة في البلكونة ، فخمنت أن يكون حد من الجيران ، لقيته بيقول إنه بياع الترمس اللي بيقف تحت البيت ، حاولت أن أخفف من إحساسها بالألم النفسي ، فإذا بها تنفجر ضاحكة، وتقول: "والمصيبة الكبرى إن ماما كانت موافقة عليه ، ماهو حاجة من الاتنين يا هى عايزة تخلص مني ، يا إما علشان بتحب الترمس بتاعه وبتشتري منه كل ما يعدي  تحت البلكونة".

قلت في نفسي، جاء الوقت الذي أذكر لها فيه حكاية تشبه حكايتها، إما أن تضحك وتشعر أن هذا موقف بسيط قابل للتكرار، أو أن تستسلم لما حدث لها، وهنا أكون قد حاولت إصلاح موقف تسبب في ألم أصابها ، كان هناك شاب يمر في شارعنا يأتي من الصعيد ويبيع الفاكهة بحسب المواسم المتواجدة فيها على عربة يد خشبية ، وأكثر الفاكهة شيوعًا عنده "الجوافة" وأحيانًا يبيع "التين الشوكي"، كان ذكيًا في طريقة مغازلته التي لا يمكن لأحد أن يحسبها عليه.

عندما تمر الفتاة بجانبه يستخدم كلمات الغزل ويستلهمها مما يوجد لديه من ثمار يعرضها على عربته المتواضعة للغاية ، ففي موسم " التين الشوكي " تأتي مغازلته بكلمتين يتحدث بهما لمن أتعسها الحظ وهى تمر بجانبه فقد كان يمتلك صوتًا يشبه صوت الانفجار حين ينادي ، وإن شئتم قولوا يغازل صاحبة النصيب التي تمر بجانبه وهو يقول : " طعم اوي " ، فإن توجهت إليه الفتاة بنظرة استنكار يبالغ في هذا ويضيف جملة أخرى: "في قلبه سكر" ثم يغني مواويله الصعيدية بصوت مرتفع غير مبال بنظرتها التي لن تفلح مع ذكائه الذي يشبه دهاء لص قام بإخفاء معالم جريمته فقيدت قضيته " ضد مجهول".

مرت الشهور وأتي موسم " الجوافة "  الفاكهة التي كانت تخدمه بصفاتها فقد كان يستخدم نداء آخر حين تمر الفتاة بجانبه ينادي بأعلى صوته قائلًا : " حلوة يابيضا " ، ثم فاجأتها بموقف أخفيته بيني وبين نفسي ، حين حدثني هذا الشاب ذات يوم قائلًا: "أنا عارف إنك صعيدية زي حالاتي، سيبك بقى من العلام ده ووافقي تتجوزيني واهو برضه يبقى زيتنا في دقيقنا " وهنا جاء موعد عودة روح المرح التي غادرت زميلتي لفترة فحينها ضحكت كثيرًا، ثم قالت: "بس أنتِ حظك أحلى من حظي، فسألتها: "حظي حلو على إيه مالحال من بعضه اهو ، قالت لي : " لا ، اللي طلب إيدك انتي جايز في يوم ربنا يوسعها عليه ويفتح له محل فكهاني ، أما اللي طلب ايدي أنا فيا حسرة عليه هايعيش ويموت وهو بياع ترمس".

وهكذا نجحت خطتي في استدعاء الضحكة التي غابت عن زميلتي وصديقتى التي عز على كثيرًا أن أتركها وشأنها بعد أن رأيت حالة الحزن التي سيطرت بالفعل عليها.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة